سُموُّ النهضة
ربيع الدبس
كثيرةٌ هي القيم التي يتعمّد في ينبوعها المنتمون إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي، لكنّ أسْماها في وجدان أبناء الحياة قيمةُ اليمين التي يؤدّونها حتى يصبح كلٌّ منهم إنساناً جديداً، ليس في ألفاظ القَسَم فحسْب، بل في رهبة المعاني التي ينطوي عليها: فكراً وإيماناً وانخراطاً نظامياً ونضالاً ملحمياً رسولياً، وصيانةً لمبادئ الحزب وأسراره وهيبته ومِنْعته. هذه هي دلالة اليمين النهضوية، وهذا هو معيار صدقيتها بل مبرّر وجودها. أما الأخلاق فقيمةٌ تكوينية في تعاليم الحزب وفي قدوة سعاده، الذي اعتبر الأخلاق في حقيقتها الأعمق اقتناعاً تطبيقياً بأنّ المبادئ أهمّ من الحياة نفسها. هذا هو بالضبط التجسيد الحيّ لوقفة العزّ المجيدة، ولمقولة سعاده الجازمة بأنّ «العقلية الأخلاقية الجديدة التي نؤسّسها لحياتنا بمبادئنا هي أثمن ما يقدمه الحزب للأمة».
بهذه المروءة الإنسانية، والروح الوثابة المعطاء، غرس سعاده العقيدة الخلاقة في نفوس عطشى إلى المعرفة، والانضباط، والكرامة، والالتزام، والتضحية، والوفاء، والصدق، والإنتاج، والحرية المجتمعية، والسيادة القومية… فإلامَ تقود هذه القِيَمُ المثلى؟ أإلى غير الحياة الجديدة ولو تلوّنَتْ بغبار المعركة ودمِ الاستشهاد؟
لقد شنّ القوميون الاجتماعيون عبْر مفاهيمهم الجذرية الجديدة حرباً لا هوادة فيها على النزعة الفردية والثقافة الطائفية والنزوات المذهبية والردّات العصبوية المفتِّتة لنسيج مجتمعنا الواحد، وأمتنا العريقة في تاريخها التمدّنيّ الهائل بإشعاعاته، وبمغامرة العقل الأولى، وبريادة التشريع التي بذرَتْ تمتمات الدساتير والقوانين وأطلَقتْ رسالاتٍ وسَنْبَلَتْ حضارات. بهذه الزروع المثمرة حصّنَتِ النهضة القومية الاجتماعية عقول الأحداث في أجيالها المتواصلة، وبثّتْ فيهم حُبَّ الشعب والأرض، والاعتزاز بتراث الوطن، والعمل المخلص للسلم الأهلي، والكفاح الرائد لتحرير الأرض السليب انطلاقاً من فلسطين. كما وَجَّه سعاده رفقاءه لاحترام الأديان السماوية السمحاء ومعتنقيها، فاصلاً بشكلٍ مسؤول بين الإيمان الحرّ بالرسالات الروحية من جهة، وبين الإيمان السياسي – القومي بمبدأ فَصْل الدِّين عن الدولة من جهةٍ أخرى.
هذه مروحة سريعة للأوكسجين القومي الذي نتنشّق من نفحاته، ونستقي من تَدْفاقه… فلا يعبأ أحدُنا بتشويش من هنا ولا بنقطة من ثاني أوكسيد الكربون من هناك. إنّ فاقد الشيء لا يُعطيه، والحانث بيمينه، متى أصرّ على الحنث هو، بتأكيد سعاده، «ناكث مُفْسِد وخائن مجرم يجب احتقاره… إنّ النظام يضع الحدود للأفراد ليمنع استبدادهم ويلوي عنادهم ويُخْضِعهم للإرادة العامة الممثلة في النظام ومؤسساته». هكذا وضع سعاده، بكلّ وضوحٍ وحزم الحدّ على القافز أمام المخلصين، المتواري في وجود المقاومين، المزايِد المُفْلِس على العاملين المنتجين، المُرْجِئ صحوة الوجدان إلى يوم الطُوفان. وبدلاً من التوعية ضدّ العدوّ الغاصب والإرهاب الطارق، استساغ التسويق للأوهام والتصويب على الحزب العملاق والدم المهراق، لأنّ أمثاله لم يعتبروا، والأرجح لم يقتربوا من الحكمة التي جاء فيها: إذا أطْلَقْتَ النار على التاريخ، فسيُطْلِقُ المستقبل ناره عليك.