عبّود: إقرار قانون حرية الحصول على المعلومات أساس أيّ مشروع إصلاحي في البلد الكازينو للأثرياء وليس لمحدودي الدخل ويُفترض منع دخول أيّ مواطن إذا لم يكن دخله مئة ضعف الحدّ الأدنى

حاوره رمزي عبد الخالق وإنعام خرّوبي

… هو في السياسة كما كان ولمّا يزل في الاقتصاد. قبل الوزارة وفيها وبعدها. منطلقاته واضحة ومبنيّة على العلم والمعرفة، ثمّ على الخبرات والتجارب. رؤيته استراتيجية بعيدة المدى من دون إهمال أدقّ التفاصيل. معادلاته رياضية منطقية وشفافة إلى أقصى الحدود. طروحاته لـ«التغيير والإصلاح» تبدأ من «الحيتان» ولا ترحم «البيرانا»، ليكون الإنتاج والتنمية أعلى من كلّ الاعتبارات، ولتصبح الشفافيّة «نمط حياة وقناعة نعيشها بملئها».

أحياناً… بل في غالب الأحيان، يسبح الوزير فادي عبّود عكس «التيار»، تتعب منه الملفات ولا يتعب، يدرسها بعين العارف والخبير. لا يمرّر الخطأ، ولا الخطيئة، فيكشف على الملأ كلّ الخفايا والخبايا بما فيها من شياطين كامنة بين الثنايا…

المرفأ والكازينو وسلامة الغذاء والرسوم والضرائب والصادرات الصناعية واستيراد السيارات الجديدة والمستعملة والوكالات الحصرية وأسعار تذاكر السفر… الزواج المدني وإلغاء القيد الطائفي على الهوية وبرامج التعليم وإصلاح القضـاء والإدارة العامـة… إلـى ما لا ينتهـي مـن قضايــا وملفــات لـم يجـد أيّ منها حلاً جذريـاً لمـرة واحـدة، بـل غالبـاً ما يكتفـي «المصلحـون» بالتـرقيع والارتجـال…

هذا ما كان في جمهورية ما قبل الطائف، وهذا ما لا يزال ممارَساً بعده… بشكل أكثر وقاحة وعلانية يسمح بهما غياب المحاسبة والتحايل على القانون الضاربة جذوره والممتدّة فروعه إلى جيوب كلّ اللبنانيين…

وعليه، فإنّ الحديث مع الوزير عبّود لا يحتاج إلى مقدّمات، بل فقط إلى التمعّن في وقائعه وواقعيته، بدءاً من مرفأ بيروت…

منذ حقبة الاحتلال العثماني، كانت تتولى إدارة المرفأ شركة خاصة، وكان المرفأ في تلك المرحلة مدرجاً على بورصة باريس مع دور كبير لغرفة التجارة في مرسيليا عبر شركة استثمار مرفأ بيروت شركة مشتركة . وبقي هذا الوضع حتى العام 1960، حينها انتهت الامتيازات وعاد المرفأ إلى الدولة اللبنانية التي أعطت المستثمرين أو الذين كانوا يملكون بعض الأسهم، وهم آل فرعون، حق استثمار المرفأ منذ العام 1960 وحتى العام 1990. بعد ذلك وجدت الدولة اللبنانية نفسها عاجزة عن تصوّر مستقبل لمرفأ بيروت، وعوضاً عن محاولة إيجاد تصوّر كفوء، قرّرت الاستمرار في إدارة هذا المرفق العام وكأنه مرفق خاص. وإذا قرأنا الدراسات التي جرت والتوصيف لما يُسمّى اللجنة الموقتة لإدارة مرفأ بيروت، لإيجاد شركة تدير محطة المستوعبات، نجد أنّ الحكومة تصف الإدارة الموقتة على أنها صاحبة الملك مالك المرفق العام وهي التي تتولى الإدارة وهي الآمرة المطلقة في المرفأ، علماً أنه يفترض أنّ المرفأ هو ملك عام للشعب اللبناني وأنّ مجلس الوزراء هو القيم عليه وبتشريع من مجلس النواب. فكيف يمكن أن ندير هذا المرفق وكأنه شركة خاصة؟ هنا المخالفة، وهي في الأساس وفي الحقيقة مخالفة دستورية وليست قانونية فقط، فمهمّة هذه اللجنة هي تولي الإدارة لبضعة أشهر أو فترة لا تتعدّى السنة، يجري بعدها البحث في كيفية إدارة المرفأ، فإما أن تُلزَّم الإدارة للقطاع الخاص أو يتمّ إجراء مزايدة علنية لمن يريد استثمار المرفأ والاتفاق على البدل السنوي لهذا الاستثمار، أيّ إيجاد حلول تتوافق مع القوانين المرعية الإجراء ومع الدستور اللبناني.

تجاهلوا الدستور والقوانين!

وأضاف: «لقد تجاهلوا الدستور وسائر القوانين وما زالوا يسرحون ويمرحون منذ 25 عاماً بإدارة مرفق هو ملك عام وكأنه شركة خاصة! فزادوا على الجرح إهانة، وبذلك تمدّدت المخالفة بأكثر ما يتصوّره العقل. لقد بنوا المرفأ من دون مناقصة وعندما جاؤوا ليديروا محطة المستوعبات فيه أجروا مناقصة عام 2004 فربحتها شركة «حورية»، وبعد مرور أربع سنوات، أيّ في عام 2008، أعطوا الشركة نفسها حقّ إدارة محطة المستوعبات ، بالإضافة إلى حقّ استعمال الأرصفة 12 و13 و14 و15 و16، وبذلك تغيّرت شروط المناقصة، بقرار صادر عن الحكومة التي كان يرأسها فؤاد السنيورة عام 2008 وتوقيع الوزير محمد الصفدي الذي كان حينها وزيراً للأشغال العامة والنقل.

وحذّر عبّود من تبعات تسليم القطاع الخاص إدارة مرافق عامة، وقال: «لدينا حساسية تجاه هذا الموضوع لأننا ذقنا مرارته من خلال تجربة تخصيص الهاتف الخلوي والبريد، حيث تمّ نقل إدارة مرافق حيوية عامة من الدولة إلى القطاع الخاص، ودائماً يكون احتكار القطاع الخاص أسوأ من احتكار الدولة. والمتفق عليه بين كلّ المدارس الاقتصادية في العالم أنّ الاحتكار شرّ مطلق وهو أسوأ طريقة لإدارة أي قطاع. وكلّ ما يُقال بأنّ الاحتكار ضروري في بلد صغير كلبنان وهو أفضل من التنافس، ليس صحيحاً أبداً، وإذا نظرنا إلى الثروات التي جُمعت والسرقات التي جرت، نجد أنها نتجت من الاحتكار، وخصوصاً بعد الحرب التي نمت في ظلها أسوأ أنواع الاحتكار.

وفي ما يتعلق بالجدل القائم حول قضية ردم الحوض الرابع في مرفأ بيروت، لفت عبّود إلى أنّه «نتيجة لكلّ هذه المخالفات». وقال: «نلاحظ أنّ الحوار اليوم محصور بين أمرين: نردم أو لا نردم. وإذا كان الردم لمصلحة المسيحيين أم لا! لمصلحة طرابلس أو غيرها من المدن! وبالطبع جاءت أجوبة وزير الأشغال العامة والنقل ووزير السياحة لترسِّم حدود المرفأ، مثلما رسّم سايكس وبيكو حدود المنطقة عام 1916، بعد مئة عام جاء وزيران ليرسِّما حدود مرفأ بيروت من «سوليدير حتى نهر بيروت الكبير».

وتابع: «إذا كانوا يتذرّعون بأنّ حدود المرفأ يجب أن تنتهي عند مصبّ نهر بيروت، فلا مانع من أن يدخل نهر بيروت إلى مياه المتوسط، ويمكن ذلك عبر إنشاء جسر صغير، وإذا كانت الحجة توسيع قدرة المرفأ الاستيعابية، فليتوسّعوا شرقاً. ويحقّ لنا أن نتساءل هنا: من الذي قرّر أن يبقى جبل النفايات في برج حمود كما هو، بدلاً من أن يتحوّل بدوره، إلى محطة حاويات جديدة في المرفأ؟ بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون هناك مكان لإصلاح السفن، وباستطاعة مرفأ بيروت أن يكون من أفضل المرافئ في المنطقة، وفي هذا المجال تتفوّق المرافئ التركية علينا بأشواط، فهي لا تقوم بإصلاح السفن فقط، بل ببناء سفن على المستوى العالمي، وهذه الصناعة تخلق فرص عمل كثيرة، فكيف إذا كانت على مقربة من خزان من الصناعيين المحترفين، أقصد المدينة الصناعية في المنطقة المجاورة للمرفأ».

وتطرّق الوزير عبّود إلى خفايا الصراع القائم حول هذا الملف، لافتاً إلى «وجود مخالفات كبيرة وخطيرة لكننا نحصرها بقرار مجلس الوزراء فقط، والمدافعون عن الردم يقولون إنّ هناك متقوقعين لا يريدون لمرفأ بيروت أن يتطوّر، وهناك مصلحة في التوسيع لكي يلعب المرفأ دوراً استراتيجياً عالمياً». وأوضح «أنّ الدراسات التي قدّمتها لجنة إدارة المرفأ تفيد بأنّ المرفأ قادر على استيعاب مليون و900 ألف مستوعب نمطي تحسب بـ20 قدماً ، وتشير الدراسة نفسها إلى أننا في عام 2020 لن نصل إلى مليون ونصف المليون مستوعب».

وشدّد على ضرورة وجود إطار ينتظم بموجبه عمل مرفأي بيروت وطرابلس، وقال: «يجب أن يرى أهل طرابلس الأمر على حقيقته، وأن يعلموا أنّ من أوقف عمل مرفأ طرابلس خلال العقدين الماضيين هو إدارة مرفأ بيروت، فهي التي هدّدت كلّ شركات الملاحة في حال إنزال سفنها في مرفأ طرابلس. وبالتالي أطلب من الأهالي أخذ هذه الوقائع وتحليلها. أولاً: لماذا توقف مرفأ طرابلس عن العمل منذ عشرين عاماً؟ ثانياً: لماذا نوسِّع مرفأ بيروت ونزيد قدرته الاستيعابية، وفي الوقت عينه نصرف كلّ هذه الأموال على مرفأ طرابلس؟ حتماً أيّ حركة في مرفأ طرابلس سوف تكون على حساب مرفأ بيروت، لكن هناك مجالات يمكن التفكير فيها لخلق مجال آخر للعمل في مرفأ طرابلس مثل إنشاء اهراءات تتسع لمليون طنّ، وبذلك يتحوّل مرفأ طرابلس إلى مرفأ يخدم المنطقة بكاملها. إنّ فكرة أنّ هذا المرفأ صالح لهذه الوظيفة فقط، والمرفأ الآخر له وظيفة أخرى، لا تصلح في لبنان، وحسب معلوماتي فإنّ الشركة التي فازت في المناقصة في مرفأ طرابلس ستنسحب لأنها وجدت أنّ السياسة تتجه نحو المزيد من الخنق لمرفأ طرابلس. وهنا أطرح سؤالاً آخر: إذا كانت الدولة تقوم بإنشاء محطة حاويات في مرفأ طرابلس بكلفة 250 مليون دولار، فلماذا تريد توسعة مرفأ بيروت؟ في بلد دينه العام 67 مليار دولار يجب أن نطفئ بهذا المبلغ جزءاً من الدين، لكي تتغيّر النظرة الائتمانية إلى لبنان ويتحسّن تصنيفه».

وأضاف: «المؤسف أنّ تعرفة تخزين الحاويات في مرفأ بيروت هي دولار ونصف الدولار في اليوم الواحد، ولا تدرّ أيّ ربح للدولة وهي لمصلحة الشركات فقط وليست لمصلحة الشعب الذي يملك المرفأ، أي أنّ سعر تخزين الحاوية أقلّ من سعر موقف السيارة. إنّ مرفأ بيروت يحدّد ضريبة سيادية ليس من حقّ أحد أن يفرضها إلا مجلس النواب وليس من حقّ أحد جبايتها إلا لتغذية المالية العامة للدولة، والإدارة الموقتة للمرفأ تخترع مشاريع جديدة كي لا تعيد هذا المال إلى الدولة، كما جرت العادة خلال السنوات الأخيرة. نحن في مرحلة دقيقة جداً وإذا استطاع اللبنانيون أن ينتصروا في معركة المرفأ ستتبعها معارك عدة، لأنّ هذه المخالفات المؤذية جداً ليست موجودة في مرفأ بيروت فقط».

خلل هيكلي داخل المؤسسات

وأشار عبّود إلى ما يتركه الخلل في البنية الإدارية من تبعات تشابك الصلاحيات التي قد تكون أبرز نتائجها تعطيل آلية الرقابة والمحاسبة، وقال: «لقد ورثنا عن الفرنسيين فكرة PDG رئيس شركة ومدير عام ، وهي تصلح للشركات الخاصة فقط، أما بالنسبة إلى الشركات أو المؤسسات العامة التي تتعامل مع المال العام، فلا يجوز أن يكون رئيس السلطة التنفيذية هو نفسه رئيس السلطة الرقابية. هذا موضوع غير صحّي وقد لمسنا نتائجه في أزمة كازينو لبنان. فكيف يكون المدير العام هو رئيس مجلس الإدارة في حين يُفترض أنّ مجلس الإدارة هو الذي يحاسب المدير العام؟ هذه التوليفة تؤدّي إلى كارثة، ويجب أن ينزل الشعب في تظاهرة مليونية ليعبّر عن رفضه لأن يكون الرئيس والمدير العام للمؤسسة هو الشخص نفسه. يجب أن يخضع المدير العام لسلطة رقابية، ولا يجوز أن يكون حتى عضواً في مجلس الإدارة».

حرية الحصول على المعلومات

وأضاف: «هناك موضوع آخر ومهم جداً وهو قانون حرية الحصول على المعلومات، فمن حقّ أيّ مواطن الحصول على المعلومات في شكل عام، إلا ما يتعلق منها بأسرار الدولة، أي أنّ المعلومات عن كلّ ما يُصرف من المال العام وما يدخل إلى خزينة الدولة يجب أن يتمّ نشرها على الإنترنت لكي يتمكن أيّ صحافي أو باحث من الاطلاع عليها والاستفادة منها، وفي هذا السياق أذكّر أنني حاولت منذ أن كنت رئيساً لجمعية الصناعيين، الحصول على نصّ الاتفاق بالتراضي الذي جرى بين إدارة مرفأ بيروت وبين شركة «حورية»، وكرّرت المحاولة عندما توليت وزارة السياحة، كما حاولت أن أعرف ما هي المبالغ التي جمعها مرفأ بيروت كضرائب وكم دفع منها إلى المالية، فكان الحصول على أسرار تصنيع قنبلة نووية أسهل من الحصول على تلك المعلومات. وحتى الآن لا نعرف ما إذا كان مبلغ 13 مليون دولار مدخول هذا العام هو الدخل الكامل لمرفأ بيروت، وما إذا كان يدخل ضمنه دخل محطة المستوعبات، أم هو فقط دخل ما يسمى رسوم مرفأ وهي الضريبة السيادية التي تحدثنا عنها. فهذه الضريبة لا تُدفع على الحاوية بل على حمولتها وهي تبدأ من 150 دولاراً على العشرين قدماً وقد تصل إلى 1200 دولار، حسب نوع البضاعة، وهنا نعود إلى التساؤل: كيف يمكن للجنة موقتة أن تحدّد هذه الضرائب السيادية؟

وبالعودة إلى حرية الحصول على المعلومات، فقد تقدّمت بمشروع قانون حولها باسمي وباسم «تكتل التغيير والإصلاح»، ويهمّني أن أذكر أنّ حكومة الرئيس تمام سلام الذي أكنّ كلّ الاحترام لشخصه وشفافيته وللبيت العريق الذي ينتمي إليه، طلب عن إدراك أو عدم إدراك إعادة المشروع، مع العلم أنّ هذا القانون هو الأساس لأيّ مشروع إصلاح في البلد، لذلك نطالب الرئيسين نبيه بري وتمام سلام بالإسراع في إقراره».

تحايل على القانون

وتطرق عبّود إلى مسألة التحايل على المواطن اللبناني في موضوع الضرائب، لافتاً إلى أنّ الأخير «يعتقد أنه يدفع ضريبة على القيمة المضافةTVA بنسبة10 في المئة فقط، وهو في الواقع يدفع أكثر من ذلك بطرق أخرى منها المرفأ. فكلّ ما يمرّ في المرفأ ندفع زيادة فوق ثمنه 2 في المئة. لذلك كان من الأفضل ومن الشفافية أن نزيد 2 في المئة على TVA أفضل من رسوم مستترة عبر المرفأ، ولا يتغيّر شيء بالنسبة إلى السعر على المواطن». وأوضح «أنّ أرخص ضريبة نجمعها هي TVA وهي تكلف أقلّ من واحد بالألف، بينما الضريبة التي تؤخذ عبر المرفأ تكلف حوالى 6 في المئة لأنها تحتاج إلى طوابع وتوزيع، ناهيك عن العمولات والسمسرات ونحن نعرف فضائح الطوابع».

وأضاف: «هنا لا بدّ أن نذكر رسوم تسجيل السيارات، فكيف تختلف رسوم التسجيل بين سيارة سعرها 10 آلاف وأخرى سعرها نصف مليون دولار؟ فكلفة التسجيل هي نفسها وتستغرق الوقت نفسه. هذا احتيال على المواطن ونحن هنا لا نقول إنّ الغني لا يجب أن يدفع أكثر، لكنّ ذلك يكون عبر زيادة الضريبة الجمركية على السيارة التي يستوردها، بدلاً من فتح «دكاكين» في مصلحة تسجيل السيارات. وأريد أن ألفت الانتباه إلى أمر مهم وهو أنّ المواطن حين يشتري سيارة من أي شركة في لبنان لا يمكنه الحصول على فاتورة تسجيل هذه السيارة، وهذا ما يوضح أنّ عملية التسجيل تشوبها مخالفات كثيرة، فهناك صندوق لموظفي هذه الشركة وآخر لمعقبي المعاملات، وقد أدّى تسجيل السيارات غير الواضح وغير الشفاف إلى فتح كلّ هذه «الدكاكين». أما بالنسبة إلى السيارات المستعملة فالوضع أسوأ بكثير، وهناك تلاعب في قيمة التخمين لخفض رسوم تسجيلها، والواقع نفسه ينسحب أيضاً على قطاع العقارات. كلّ ما تحدثت عنه في خصوص المرفأ وتسجيل السيارات والعقارات تقدمت باقتراحات في شأنه عندما كنت وزيراً للسياحة، باسمي وباسم «تكتل التغيير والإصلاح» وكان مصيره الإهمال والتجاهل».

مصادر أخرى لرفد الخزينة العامة

ولفت عبّود إلى وجود مصادر أخرى من شأنها رفد الخزينة بإيرادات إضافية، كتلك الناتجة عن استيراد الأسلحة وترخيصها، وذكّر بواقعة حصلت معه حين عيّن وزيراً للمرة الأولى، وقال: أعطوني رخصة سلاح لي وللمرافقين، ولكني في أول جلسة لمجلس الوزراء سألت: من أين أشتري هذا السلاح؟ لم يكن أحد يملك الجواب! «قامت الدنيا ولم تقعد» حين اقترحت أن نستورد الأسلحة الفردية وأن نفرض عليها رسوماً جمركية مئة في المئة وأن تكون كلفة رخصة السلاح 500 دولار في العام، وقدّمنا مشروعاً يقضي بأن نعطي مهلة ستة أشهر لمن لديه سلاح فردي لكي يسجله، وفي حال أراد تسجيله يجب أن يقوم مختبر متخصّص بأخذ بصمة الرصاصة ما يسهّل عملية اكتشاف الجرائم، وبذلك يصبح كلّ سلاح غير مسجل ضدّ القانون.

أما بالنسبة إلى مراكز القمار والميسر، فهناك أكثر من 300 مركز «تحت الأدراج وخلفها»، وهناك مَن يتقاضى من هؤلاء مبالغ كبيرة لا تدخل إلى الخزينة العامة، فيما يدخل إلى هذه الخزينة 50 في المئة ضرائب من كازينو لبنان، وعندما طلبنا أن يطبّق ذلك على كلّ محلات القمار والميسر لم نلقَ أيّ تجاوب!

واعتبر عبّود أنّ مشكلة كازينو لبنان ليست في صرف عدد من الموظفين بل في إدارته، وقال: «إنْ كان هناك من يتصوّر أنّ صرف 191 موظفاً من الكازينو يحلّ المشكلة فهذا تصوّر خاطئ. يفترض أنه ممنوع على أيّ لبناني، دخله ما دون مئة ضعف الحدّ الأدنى الدخول إلى الكازينو لكن هذا لا يطبق للأسف ولا أحد يراقب دخل رواد الكازينو. وعندما أثرت الموضوع في أكثر من مناسبة كان الجواب: «إذا طبّقنا بينكسر الكازينو». وهذا العذر غريب ومستهجن وهنا أسأل: هل الكازينو هو لمحدودي الدخل؟ هذا المكان هو للأثرياء فقط، يجب أن يكون من المرافق السياحية وليس مكاناً لسلب محدود الدخل كلّ ما يملك. وفي المحصلة لم يكن لدى أيّ مسؤول الضمير الكافي ليقف إلى جانبي في هذا الموضوع»!

وأضاف: «الحلّ لمشكلة الكازينو هو تغيير هرم الإدارة، وأن يبدأ كازينو لبنان البحث عن زبائن جدد وأن يستقدم أفضل المطاعم في العالم إليه، يجب أن يأتي حيتان المال إلى الكازينو وليس محدودو الدخل. وبالنسبة إلى الموظفين، ومع محبتي لهم جميعاً، فالكازينو في حاجة إلى نصف عددهم فقط، ويجب أن يعرف الشعب اللبناني أنّ موظف الكازينو يقبض 70 في المئة من راتبه BONUS كلّ سنة، وسنته 14 شهراً، أي أنّ الموظف الذي يتقاضى راتباً قدره 0100 دولار سنويته 25 ألف دولار، وهذا من حقه، لكن كما قلت إنّ موظفي الكازينو الموجودين اليوم، يفوقون حاجته. ومن ناحية أخرى، إذا كنا قادرين على الاستثمار في صناعة الميسر، فهل من مصلحتنا أن يكون هناك كازينو واحد فقط، أم أن تكون له فروع في فنادق لبنان وفي المناطق اللبنانية؟ إنّ وجود فروع أخرى يخلق مزيداً من فرص العمل».

سلامة الغذاء والرقابة المسبقة

وبالانتقال إلى ملف سلامة الغذاء نوّه الوزير عبّود بجهود وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، والحملة التي يقودها في هذا المجال، آملاً في الوقت نفسه أن لا تلقى مصير قانون منع التدخين. وقال: «عندما كنت وزيراً للسياحة تمّ تحرير825 ضبطاً في حقّ مؤسسات سياحية، ولم يتخذ أيّ إجراء قانوني في حقّ أيّ منها. إنّ مسؤولية الوزير في هذه الحملات تنتهي هنا، ويبدأ عمل الأجهزة القضائية، وقد قدّمت شكاوى ضدّ قضاة أعفوا أصحاب تلك المؤسسات السياحية من الضرائب، وأنا أعلم أنه أحياناً يتمّ تمزيق محضر الضبط قبل أن يصل إلى المحكمة».

وأضاف: «نحن سائرون باتجاه تشكيل هيئة لسلامة الغذاء، وأنا أتوجه إلى الوزير الصديق وائل أبو فاعور بالسؤال: على شاكلة أيّ هيئة سيتمّ تشكيلها؟ فهل هناك هيئة ناجحة في لبنان نقتدي بها؟ هذا الموضوع لا يحلّ بهذه الطريقة، والرقابة المسبقة أثبتت فشلها وما وصلنا إليه اليوم خير دليل على ذلك. أوروبا لم تعد تعتمد الرقابة المسبقة، بل يوقع المستورد على إدخال البضاعة على مسؤوليته، حسب المعايير المعتمدة في البلد، وفي رأيي يجب إيقاف المعايير اللبنانية واعتماد المعايير الأوروبية، لأنّ ذلك يقفل دكاكين الفساد كما أنه أقلّ كلفة. ووفق هذه المعايير يمنع إدخال أيّ شي من دون أن يكون CE Marked، وتنتفي الحاجة إلى الفحوص التي يجريها معهد البحوث الصناعية والتي تزيد الكلفة على المواطن، كما أنّ الرقابة المسبقة تفتح المجال لمعهد البحوث لأخذ ضرائب سيادية يصرفها كما يشاء. الفحوص اللاحقة هي الحلّ، وبموجب ذلك يمنع على المحال الكبيرة والصغيرة بيع بضائع مجهولة المصدر. نحن اليوم نشدّد الرقابة على مرفأ بيروت، وبنتيجة هذه الرقابة الزائدة نتكبّد كلفة إضافية، بحيث تبقى «الكونتينر» التي تحتوي موادّ غذائية أياماً عدة في المرفأ ما يؤدّي أحياناً إلى إفسادها، بالإضافة إلى الكلفة التي تضاف إلى سعر السلعة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى