«داعش» يتقهقر… والعلامات تأتي من عين العرب!
إعداد وترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق
يكفي أن تكتب كلمتين اثنتين في محرّك البحث في «غوغل»، وتضغط على زرّ النقر، لتتوالى أمامك عشرات الصفحات التي كُتب فيها عن أمورٍ تتعلق بما كتبت. أما الكلمتان فهما: «داعش يخسر».
«داعش يخسر في دير الزور»، «داعش يخسر ما تبقى له من متعاطفين بعد إعدامه الكساسبة»، «داعش يخسر أرضاً جديدةً في حلب»… وما إلى ذلك.
وإذ نتمنّى أن يخسر «داعش» اليوم قبل الغد كلّ المعارك التي يخوضها، وأن يُقضى عليه وعلى إرهابييه قريباً جدّاً، فإنّ ما جرى في مدينة «عين العرب» السورية، يُعدّ الهزيمة الكبرى لـ«داعش»، التنظيم الإرهابي الذي يعتمد على الحدود السورية ـ التركية في تغذية «جيشه» بمزيدٍ من الإرهابيين الوافدين من كلّ أصقاع الدنيا، وفي تصريف النفط الذي يسرقه يومياً من حقول الموصل وغيرها.
في تقريرنا التالي، ترجمة لمقالات عدّة، يتناول الأوّل تخلّي «داعش» عن مدينة عين العرب السورية، ونُشر في مدوّنة «Moon Of Alabama». ويتحدّث عن اضطرار «داعش» للتخلّي عن مخطّطاته التي قضت بضرورة وصوله إلى الحدود التركية. إذ أخرجت القوات الكردية ـ إلى الآن ـ «داعش» من أكثر من 75 موقعاً وبلدةً في محيط عين العرب.
أما المقال الثاني، المترجَم عن مدوّنة «Moon Of Alabama» أيضاً، فيتحدّث أيضاً عن خسارات «داعش» المتوالية، ويسلّط الضوء أكثر على حملة إعلانية في وسائل الإعلام الأميركية لإعادة التعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد. لا سيما إشارة المسؤولة عن الحملات الإعلانية في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية آنا برنارد إلى تحوّل لافت في الموقف الأميركي من الحرب الدائرة في سورية. ودعوة الرئيسة السابقة لمجلس التأثير في العلاقات الخارجية ليسلي غيلب إلى أهمية التفكير بعقد صفقة مع الأسد للقضاء على «داعش».
المقال الثالث يشي بنظرة الصهاينة إلى ما يجري في المنطقة على صعيد الحرب ضدّ «داعش»، ويتحدّث كاتب المقال الذي نشره في صحيفة «معاريف» العبرية، عن لقائه كتاب عنوانه: «خلافة الإرهاب، لماذا يهدّد داعش الغرب؟» لموريتسيو مولينريه، وهو مراسل لصحيفة «لاستامبا» في الشرق الأوسط. وفيه يجزم أنّ هدف «داعش» احتلال بلاد الشام فقط.
أما المقال الرابع، فهو للكاتب بيريس مورغان، وفيه يتحدّث عن إعدام الطيّار الأردني معاذ الكساسبة، وكيف أنّ نشر فيديو هذا الإعدام، يشكّل خطأً استراتيجياً فظيعاً اقترفه «داعش»، فمُعاذ الكساسبة مسلم متديّن، وقتله بهذه الطريقة الوحشية البربرية، سيحرّض العالم المسلم المتمدن ضدّه كما لم يفعل سابقاً.
نبدأ من خسارة «داعش» في عين العرب السورية، وهنا ننوّه أننا استبدلنا عمداً اسم «كوباني» بـ«عين العرب»، كون الحقيقة التاريخية والجغرافية، أقوى بكثير من الموضوعية الصحافية.
تقهقر «داعش»
جاء في موقع «Moon Of Alabama»:
يبدو أن «داعش» يعاني تراجعاً مستمراًّ. فقد خسر بلداتٍ عدّة في الشمال العراقي أمام قوات البيشمركة الكردية ويتعرّض لهجمات عنيفة من قوات الأمن والميليشيات العراقية وسط العراق وغربه. فالضربات الجوّية التي تلقاها «داعش» في سورية من قبل الأميركيين وقوات الحماية الشعبية الكردية، دمّرت بلدة عين العرب، ما اضطرّ التنطيم إلى التخلّي عن مخططاته التي قضت بضرورة وصوله إلى الحدود التركية. أخرجت القوات الكردية ـ إلى الآن ـ «داعش» من أكثر من 75 موقعاً وبلدةً في محيط عين العرب.
ومع اشتداد وتيرة الهجمات على عين العرب، كان التنظيم الإسلامي يحاول جاهداً إحكام الخناق على مدينة دير الزور شرق سورية وعلى القاعدة العسكرية الجوية القريبة منها. ولأيام قليلة، بدا أن القاعدة ستسقط، لكن مع الهجمات الجوية العسكرية، تمكنت القوات السورية من استعادة سيطرة جزئية على المدينة.
تخلّى «داعش» في الأيام القليلة الماضية عن عددٍ من المناطق غرب سورية، كبعض المواقع التي كان قد حارب من أجلها، وقدّمها إلى الإسلاميين المحليين أو إلى أمراء الحروب الذين سبق واتخذ إزاءهم مواقف متشدّدة سابقاً. ومن المتوقع أن يكون لهذه الخطوة سببان: عجز «داعش» عن دعم قواته في غرب سورية ووسطها بعد الآن، وحاجته إلى تركيز قواته للدفاع عن مراكزه الأساسية ـ الموصل والفلوجة في العراق والرقة في سورية.
يتعرّض «داعش» لهجوم جوّي سوري وأميركي ـ وحالياً أردنيّ. وعلى رغم أنّ هذه الهجمات لا تشنّ بالشكل المكثّف والمطلوب، إلّا أنها تدمر وتقتل بما يكفي لإعاقة تحركات مقاتلي «داعش».
يدّعي البنتاغون وقد يكون مبالغاً أنه قد دمّر 3.222 هدفاً لتنظيم «داعش» و58 دبابة عسكرية منذ آب 184 عربة «هامفي» 673 موقعاً قتالياً 980 مبنىً أو ثكنة 26 مركبة ناقلة جنود مصفّحة 303 مركبات تقنية 94 مركبة أخرى 97 من المدفعية، وأسلحة مضادّة للطائرات أو قذائف الهاون 11 موقعاً للعبوات الناسفة 16 وظيفة للقيادة 92 نقطة تفتيش 17 كوخاً للحراسة 52 مخبأً 14 قارباً 23 مخزناً 259 موقعاً للبنى التحتية النفطية. ووفقاً لرئيس سلاح الجوّ الملكي الأردني، فإن «داعش» فقد 20 في المئة من قدراته العسكرية. غير أنني أعتقد أن حجم الدمار يفوق هذا التقدير بكثير قياساً على الأسلحة الثقيلة التي يسهل اصطيادها من الجوّ. فإن لدى تنظيم «داعش» الكثير من المشاة الذين يستطيع تجنيدهم بالملايين، لكنه لن يكون قادراً على تعويض الخسائر المادية الفادحة.
خسر «داعش» منذ بضعة أيام أكثر من 15 قرية في منطقة القامشلي شرق سورية. فهو قدّم لإحدى الجماعات الإسلامية المحلية ـ جماعة «أنصار الدين» ـ معبر الباب المحاذي للحدود التركية شمال شرق محافظة حلب، كذلك مطار القويرس العسكري شرق حلب. وسحب قواته من جرابلس القريبة من تركيا وخرج من عين العيسى وسارّين. وتقع جميع هذه المناطق المذكورة إلى أقصى الشمال وأقصى الغرب السوري، حيث تخضع لسيطرة تنظيم «داعش». إنها مواقع استراتيجية حقيقية، لكن التنظيم لم يعُد في مقدوره الاهتمام بها أكثر من ذلك، فبعد أن دفع الكثير من الدماء للحصول على هذه المواقع، عليه الآن أن يتخلى عنها بلا قيد أو شرط. وقد تكون أهداف هذه الانسحابات التي يقوم بها «داعش»، تنظيم قواته ورصّها وتركيزها وتوحيدها بهدف التركيز على شنّ سلسلة من الهجمات الجديدة على الأردن أو السعودية. لكن في اعتقادي، أن قدراته المادية تترنّح جدّياً وتتدهور باستمرار، وأصبح بالفعل غير قادر على المضيّ في مشروعه قدماً، كما وتزويده بقوات جديدة ومعدّات ثقيلة تصلح لمسافات طويلة.
التخلّي عن عين العرب
وأخيراً، تخلّ «داعش» عن مخططه الهجومي على البلدة الكردية السورية عين العرب الواقعة على الحدود التركية، بعد أن احتاجت الولايات المتحدة إلى ثمانية عشر أسبوعاً كي تفهم أن اللعبة في هذه المنطقة خطِرة، لا بل مميتة. فبعد ممارسة الضغط على تركيا، أدخلت الولايات المتحدة الأميركية المقاتلين الأكراد والمراقبين الجويين إلى عمق المدينة المحاصرة. حيث أصبح من السهل معرفة أماكن تواجد مقاتلي «داعش»، وبالتالي، اصطيادهم من الجوّ.
قلّما جرى استخدام هذا التكتيك، وهذا ما جعله قيّماً. سقط فيه مقاتلو التنظيم مرة تلو الأخرى، وأوقعوا أنفسهم في موجات من الانكشاف سهّلت اقتناص مواقعهم وتدميرها مراراً وتكراراً. فخلال أربعة أشهر ونصف الشهر، قتلت 60 ضربة جوية أكثر من 1400 مقاتل «داعشي» في محيط عين العرب من بينهم بعض القياديين، والعلماء وعدد كبير من الأجانب. كان لبنان يتعرّض لمثل هذه الضربات الجوية بشكل يوميّ إبان حرب تموز عام 2006. وقد خُدع «داعش» بمثل هذا الرقم المتدني ـ إلى الآن ـ واعتقد أنه في الإمكان كسب المعركة، التي بدا أنها تحولت في ما بعد إلى مطحنة بشرية.
تعتبر هذه الحملة بمثابة خسارة مهمة لـ«داعش»، الذي ظهر على أنه «الدولة التي لا تُقهر»، بينما اتضح العكس حين ووجِهَ بحملة من الجو والبرّ في الوقت الذي يهاجم فيه مقاتلوه مواقع ثابتة. سيكون هذا التكتيك ذا فائدة فقط، عندما يقاتل جيش «داعش» في العراء، في نهاية سلسلة لوجستية ومهاجمة منطقة تسمح ببناء دفاع لائق. بينما ستكون مهمة التخلّص من التنظيم الذي يتحصّن في بلدٍ كالموصل، مهمة شاقة للغاية.
وقد أُطلقت في الوقت عينه حملة إعلانية في وسائل الإعلام الأميركية لإعادة التعاون مع الرئيس السوري بشار الأسد. ففي 19 كانون الثاني الفائت، أشارت المسؤولة عن الحملات الإعلانية في صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية آنا برنارد إلى تحوّل لافت في الموقف الأميركي من الحرب الدائرة في سورية. كما دعت الرئيسة السابقة لمجلس التأثير في العلاقات الخارجية ليسلي غيلب في 22 كانون الثاني، إلى أهمية التفكير بعقد صفقة مع الأسد وأشارت غيلب إلى أن الليبراليين والمحافظين الجدد في إدارة أوباما لا يزالون ضدّ هذا الموقف، بينما يُظهر الجيش استعداداً للموافقة على مثل هذا التوجه. وبعد مضيّ أربعة أيام، كتب المحرر في صحيفة «نيويورك تايمز» حول التحولات الحقيقية الجارية في سورية، يقول:
«إن من يُعتبر تهديداً حقيقياً اليوم، ليس الرئيس السوري السيد بشار، بل تنظيم داعش، خصوصاً إذا ما استمرّ في التوسع في سورية، جاذباً المزيد من المقاتلين إلى صفوفه، مستخدماً الأراضي التي يسيطر عليها لشنّ هجمات على الغرب».
وفي دراسة حديثة لـ«مؤسسة رند»، وهي مؤسسة تُعنى بإجراء أبحاث للحكومة، تقول إن انهيار نظام الأسد سيكون أسوأ نتيجة محتملة للمصالح الأميركية ـ ما يحرم سورية من الحفاظ على مؤسساتها ويخلق فرصاً أكبر للتنظيم لفرض هيمنتهم وانتشارهم الفوضوي في المنطقة.
وكانت صحيفة «فورين آفيرز» الأميركية المتخصصة في العلاقات الخارجية، قد نشرت منذ أيام قليلة مقابلة مع الرئيس السوري بشار الأسد، يعرض فيها تعاون الجيش السوري مع قوات الجوّ الأميركية لهزم «داعش». ويصرّ الأسد على ضرورة الضغط على الحكومة التركية لإيقاف إمداداتها لمقاتلي التنظيم أو السماح لهم بعبور حدودها. ويصف الأسد أردوغان بـ«المتعصّب».
ومن المثير للاهتمام، ألّا يعثر القارئ لهذه المقابلة على أيّ ذكر للأردن أو لرئيسه ـ الدمية الأميركية. فالأردن ـ كما تركيا ـ يدعم «المتمردين» السوريين بمن فيهم مقاتلي «جبهة النصرة». فهل كان الأسد يرى أن التعاون مع الولايات المتحدة الأميركية سيكون كفيلاً بإخراج الأردن والحملة الغربية الموجهة ضدّ دمشق من هذه اللعبة الدائرة؟
أما الحملة الجنوبية، المدعومة من «إسرائيل» والتي يدعوها الأسد بالمركز الجوي لـ«القاعدة»، فقد أعلنت الانتصار منذ بضعة أيام عندما ادّعت سيطرتها على مناطق عدّة في جبل الشيخ، وكذلك ادّعى الجيش السوري. لكن سرعان ما اتضح أن كتائب المقاتلين وأسلحتهم المنتشرة هناك، لم تتأثر.
يبدو أن الكثيرين في الغرب يدعمون تأهيل الأسد في الوقت الحالي والتعاون مع حكومته السورية. فالخلاف الحالي الواقع بين البيت الأبيض ورئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو، يسمح باتخاذ موقف أميركي أكثر تساهلاً إزاء سورية ويساعد في إقصاء تمنيات «إسرائيل» بتدمير سورية. إن القتال في عين العرب يظهر تعاوناً ثابتاً على أرض المعركة سيساهم بقوة في دحر التكفيريين. إنها لحظة مناسبة على الإدارة الأميركية معرفة كيفية استغلالها لعقد تعاون وثيق الصلة مع سورية ومع رئيسها بشار الأسد.
«داعش» وبلاد الشام
كتب مائير عوزئيل في صحيفة «معاريف» العبرية منذ ثلاثة أيام:
في هذه الأيام، تجدون في المكتبات في إيطاليا كتاباً جديداً صدر عن دار النشر الكبرى «رتسولي»: «خلافة الإرهاب، لماذا يهدّد داعش الغرب؟». هذا الكتاب كتبه موريتسيو مولينريه، وهو مراسل صحيفة «لاستامبا» في الشرق الأوسط. وقبل أن يرسل إلى هنا عمل طوال 14 سنة كمراسل لصحيفته في الولايات المتحدة. التقيت معه وقال لي: «الكتاب جاء من خلال مفاجأة كبيرة، المرة الأولى التي بدأت فيها في التجول في البلاد الإسلامية واكتشفت التأييد لداعش كنت متفاجئاً. لماذا يؤيّدون الخلفاء؟ لماذا يحدث ذلك؟ سأعطي لك مثالاً: قابلت رئيس بلدية معان في الأردن، وحينما استقبلني، أوّل ما قاله لي أهلاً وسهلاً بك في بلاد الشام».
كما هو معروف، هذا هو لقب الدولة التي يريد «داعش» إنشاءها بدلاً من دول الشرق الأوسط. لقد كتب الكتاب بعد بضع مقابلات في الأردن ومصر والضفة الغربية وقطاع غزّة ومع قوات أمن أوروبية. ويضيف مولينريه: «إن الأكثر أهمية، ما سمعته في مسجد في السلط. معان تبعد ساعتين عن عاصمة الأردن. ولكن السلط قريبة أكثر. دخلت إلى المسجد في السلط وتحدثت مع إمام المسجد. من مسجده إلى القصر الملكي في عمان مسافة 20 دقيقة سفر. قال لي: نحن نريد دولة أخرى بدلاً من الأردن. الأردن لا ينتسب لنا، نحن لسنا أردنيين، نحن ننتسب لبلاد الشام».
لقد بدأ مولينريه أن يكون قلقاً عندما اكتشف اأهم في بلاد الشرق الاوسط يقولون له مراراً وتكراراً: صحيح أننا ضد عنف «داعش» لكننا سلفيين، لهذا فإننا مع أهداف «داعش». «اكتشفت أن الرسالة التي تتحدث إلى قلوب الناس هي المعارضة للقومية العربية»، يقول لي مولينريه، هم لا يريدون دولاً عربية، هم يريدون دولة عربية كبرى هي بلاد الشام. الجهاديون لا يهتمون بالدولة الفلسطينية مثلاً. هذا بالنسبة إليهم نهاية مسيرة بدأت في اتفاق سايكس ـ بيكو، وتواصلت بتصريح بلفور مروراً باتفاق أوسلو وانتهاء إلى الدولة الفلسطينية. هم ضدّ ذلك، إنهم يريدون فضاءً إسلامياً واحداً كبيراً، خلافة. قالت لي امرأة: «جدّتي عاشت في عمّان وسافرت للتسوق في الخليل، هذا ما نريد أن يعود».
عندما سألته لماذا يكتب في كتابه أن الحديث يدور عن «خطر لأوروبا»، أجابني مولينريه: «أقول للأوروبيين إنه ستقوم على حدود أوروبا دولة شمولية كبرى. هذا مثلما تعيش مع ستالين أو هتلر، سيكون هناك جهاديون على الحدود. انتبهوا. لأن إيديولوجيا هذه الدولة تتمثل في الوصول إلى بيوتكم. الفصل الأخير في الكتاب سمّي مشروع الذمة. أبو بكر البغدادي يذكر كثيراً في كلامه احتلال روما، إنه يريد أن يكون المسيحيون في أوروبا في وضع المسيحيين في سورية والعراق نفسه، تحت سلطته. هو يخطط لتحويل الايطاليين أو الاسبان إلى ذمة. موالي أقل درجة. رسالة الكتاب هي: يا أوروبا، افتحي عينيك لأن هناك مخططاً له رسالة قوية تسحر المسلمين المؤمنين بها».
في مقال نشر في الصحف الايطالية كتب أنّ موريتسيو مولينريه، أرسل رسالة في زجاجة إلى أوروبا. ونسأل بحسرة: متى يقوم شخص ما ويدخل بطاقة تحذير في زجاجة ويرسلها إلينا؟
الإسلام والبرابرة
وكتب بيريس مورغان:
ضغطتُ بإصبعي على زرّ «النقر». سمعتُ أنّ «داعش» أحرق شاباً طياراً أردنياً وهو حيّ يقف في قفص، وأن عدداً من الناس شاهدوا هذا الفيديو المروّع عبر وسائل التواصل الاجتماعي. تردّدتُ في مشاهدة أبشع فيديو عرفته في حياتي، فلستُ بحاجة لأن أشاهد رجلاً يُحرَق حيّاً، وأعتقد أنه ما من أحد يحتاج إلى مشاهدة كلّ هذا الرجس الشيطانيّ. فلِمَ نفاقم بؤس هذا الرجل بأن نتلصّص على نهايته البشعة، وفي كلّ الأحوال ضغطت زرّ «النقر».
شاهدتُ هؤلاء القتَلة الأوغاد يشعلون خطّ البنزين الذي يصل إلى ذلك القفص الصغير، شاهدتُ اشتعال الملازم مُعاذ الكساسبة، وشاهدته يصرخ مرتعباً بينما يحترق حتى الموت. كان المشهد مقزّزاً ومثيراً للاشمئزاز كما توقّعت. وكصحافي، فإني قد شاهدت عدداً من الأمور الفظيعة خلال حياتي المهنية التي تمتدّ على أكثر من ثلاثين سنة، غير أنني ـ وبصدق ـ لم أرَ أبشع من هذا الفيديو.
إنني سعيدٌ لأنني شاهدتُ. ومسرور لأن هذا حدث في الوقت المناسب، فقد شاهدتُ فيلماً عالي الجودة والتقنية، تمكن هؤلاء السفلة من إخراجه. مسرورٌ لأنني عرفتُ أنهم لا يضعون حدوداً لبغضهم وإجرامهم، لا إنسانية أو روح تشبه ما نعرفه.
سعيدٌ لأنني شاهدتُ فرحهم الواضح على ملامحهم الشريرة خلال ارتكابهم مثل هذا العمل الحقير تجاه شخص آخر، أخيهم في الإنسانية. سعيدٌ لأنهم أعادوا مراراً وتكراراً لحظة اشتعال النار ووصولها إلى وجه ضحيتهم، ليمعنوا في التلذّد بساديتهم.
أنا سعيدٌ بكلّ هذا، إذ إنّه أعطاني الفرصة للتعبير عن غضبي بسبب حجة معقولة ومنطقية تختلف عن كل ما سبق. وهذا بالتحديد ما نحتاج لأن نشعر به حيال «داعش» ومن يدعم نشاطاته البشعة. يُفترض بنا جميعاً أن نشعر بعد برعب جماعي عصيّ على القياس، إذ سيفوق حتماً ذاك الرعب البشري الذي حصل بعد الكشف عن خبايا المعسكرات النازية. فنازية هتلر تشبه «داعش» في عددٍ من القيم والتطلعات:
إبادة أعداد كبيرة من الناس، السعي إلى السلطة عن طريق الموت أو الفوضى، القدرة والقابلية على ممارسة التعذيب الجسدي والعقلي والقتل اللئيم بشكل يفوق الاعتقاد والفهم المنطقي… وكما حيال النازية، فإن على العالم أن يلتفّ للقضاء على هذا التنظيم وتدميره.
والسؤال الكبير الذي يطرح نفسه، كيف؟
فـ«داعش» ليس عدواً تقليدياً يعمل مع الجيش، أو القوات البرية والبحرية. إنه مجتمع يائس ومبتور ومتباين، ينتشر على نطاق واسع في جميع أنحاء الشرق الأوسط. من الصعب تعقبه، إذاً من الصعب هزيمته. غير أنني أعتقد أنّ «داعش» قد ارتكب خطأً استراتيجياً فظيعاً في فعلته الشنيعة هذه. فمُعاذ الكساسبة مسلم متديّن، وكان أول مسلم سنيّ رفيع المستوى يشارك من دولة تدعم التحالف الحربي الذي تقوده الولايات المتحدة. وقتله بهذه الطريقة الوحشية البربرية، سيحرّض العالم المسلم المتمدن ضدّه كما لم يفعل سابقاً. إنه لمن السهل أن نبرّر الهجمات التي تُشنّ من قبل المحرومين والمظلومين والفقراء على الغرب بسبب حملات القصف الغربية على العراق وأفغانستان. وإنه لمن الصعب جداً تبرير وحشية قتل شاب مسلم إلى الشباب المسلمين الآخرين.
إن هذه الحرب، وهي حرب لن تنتصر فيها القوة العسكرية الأميركية، علماً أنها ستلعب فيها دوراً محورياً. سينتصر فيها العالم الإسلامي ضدّ «داعش»، عبر استئصالهم من مجتمعاتهم وتقديمهم إلى العدالة… إنه قتلٌ قانونيّ. وصف الملك الأردني عبد الله، «داعش» على أنه «جماعة مجرمة ومضللة لا علاقة لها بأيّ شكل من الأشكال بإيماننا العظيم». والملك على حق تماماً.
وكتبت مجلّة «شارلي إيبدو» في باريس عن «داعش»، أنهم ليسوا مسلمين حقيقيين، بل هم اختطفوا الإسلام لتحقيق مكاسب شائنة وحقيرة خاصة بهم، وكغيرهم من الإرهابيين حول العالم، اللغة الوحيدة التي يتقنونها هي: العنف.
ها هو العنف يزداد سوءاً، وقد نتوقع أفلاماً إضافية أكثر رعباً مما رأيناه في حرق الكساسبة. ستمرض قلوبنا، وتختبَر عزيمتنا، لكن الخوف من الإسلام الذي تثيره كلّ هذه المشاهد ليس هو الحلّ. فاحتقان دين بكامله بفرشاة الإرهاب السامة، يؤجج المعضلة ـ بكلّ بساطة.
إن الغرب لأذكى بكثير من الغالبية العظمى من المسلمين الذين يكرهون «داعش» حتى أكثر من رغبتنا بتدميرهم وإنهائهم وأيّ تفكير للحوار مع «داعش» ـ والذي أرفضه شخصياً ـ طواه الزمن. هم يكذبون. قُتِل مُعاذ الكساسبة منذ حوالى الشهر، ومع ذلك كانوا يفاوضون على انتزاع المال من الأردن على أنه لا يزال حياً يُرزق. «داعش» عبارة عن مجموعة من «البلطجية» على نطاق أوسع شراسة وأكثر همجية. يبقون على قيد الحياة وينمون على وطأة التهديدات والرعب.
في كثير من الأحيان، تكون الطريقة الوحيدة للتعاطي مع المتنمّر ـ البلطجي ـ في المدرسة، لكمه بقوّة على أنفه. يجب أن تُوجّه هذه اللكمة لـ«داعش» من المسلمين هؤلاء المئات من ملايين المسلمين الذين عانوا بما فيه الكفاية بسبب رؤية اسم الإسلام وسمعته يتلطّخان بهذه الطريقة.
وهذه اللكمة ينبغي أن تكون مشبعة عسكرياً، مادياً، وسياسياً للتأكيد لـ«داعش» أنه معزول ومنزوٍ كمرض معدٍ، في أيّ مكان يحاول الوصول إليه. وإذا كان لدى أيّ مسلم شكّ حول التوقيت الصحيح للوقوف والصراخ: «ليس بِاسمي أو بِاسم ديني»! اذاً، أقترح أنهم بحاجة إلى مشاهدة فيلم حرق الملازم مُعاذ الكساسبة حيّاً.
مُعاذ قد يكون أنت… إنها حربك أنت.