إيران وانتصار ثورتها… انتصار لفلسطين

رامز مصطفى

في الحادي عشر من شباط، تحتفل الجمهورية الإسلامية الإيرانية والشعب الإيراني الشقيق بالذكرى السادسة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية في إيران بقيادة الإمام الخميني رحمه الله. أهمية الانتصار الذي حققته الثورة الإسلامية قبل 36 عاماً، تأتي لأنها شكلت تحوّلاً استراتيجياً مهمّاً في تاريخ المنطقة برمّتها. فهي جاءت لتضع إيران بإمكانياتها وقدراتها وشعبها على خط التصادم والصراع المباشر مع المشروع الصهيو ـ أمريكي وتهديد مناطق نفوذه وتحديداً في منطقة الخليج ذات العمق الاقتصادي الحيوي. في مقابل تأييد كامل ومطلق للقضية الفلسطينية ووضع إيران لإمكانياتها وقدراتها في دعم مقاومة الشعب الفلسطيني لمقاتلة الكيان الصهيوني الغاصب لأرضه ومقدساته.

لقد اكتسبت الثورة الإسلامية وإيران أهمية استثنائية بالنسبة لقضية فلسطين ومقاومة شعبها، كيف لا وهي وقبل أن تمضي الأيام العشرة الأولى على انتصارها أغلقت السفارة «الإسرائيلية» في طهران، وقال الإمام الراحل: «سوف نطرد إسرائيل، ولن نقيم معها علاقة، فهي دولة غاصبة وعدوّة لنا». وافتتحت مكانها سفارة لفلسطين كأول دولة يكون فيها لفلسطين سفارة، وبالتالي عندما يعتبر الإمام الخميني أنّ النصر اليوم هو لإيران وغداً لفلسطين.

ويكفي أن يتأكد للجميع أنّ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية قد أفقدت الكيان الصهيوني سنده وداعمه القوي المتمثل في حكم الطاغية الشاه المقبور، الذي سخر كلّ طاقات وإمكانيات إيران الاقتصادية والعسكرية والأمنية والإعلامية والثقافية في خدمة الكيان، وشكل من حكمه شرطي المنطقة كرمى لعيون المشروع الصهيو أميركي. حيث بلغ حجم الصادرات «الإسرائيلية» عام 1967 إلى إيران عشرة ملايين وما يقارب الخمسمائة وخمسين ألف دولار. بالإضافة إلى تزويد الكيان الصهيوني ومنذ العام 1957 بالنفط، عبر خط أنابيب ايلات ـ حيفا. حيث حققت «إسرائيل» عام 1966، من تصدير النفط ومشتقاته 16،5 مليون دولار. مما أتاح للكيان أن يوظفه في تطوير قدراته العسكرية والأمنية. وكان مقدّراً لهذه العلاقات التجارية أن تتطوّر مع مرور الوقت.

وقد كشفت الوثائق حجم تغلغل «إسرائيل» وأميركا وأجهزتهما الأمنية في إيران زمن الشاه، الذي جنّد أكثر من خمسين ألف رجل في جهاز «السافاك» كانوا قد تتلمذوا على يد «الموساد» و«سي أي آي» للتجّسس على الشعب الإيراني ودول وحركات التحرّر في المنطقة. ناهينا عن وسائل الإعلام الإيرانية التي جُنّدت لصالح الدعاية الصهيونية في أحقية «إسرائيل» أن يكون لها وطن على أرض فلسطين. وانتصار الثورة عام 1979 قد قطع رأس الأفعى الصهيونية في إيران، وهذا ما أدرك الصهاينة خطره الوجودي على كيانهم المصطنع فقال رئيس الوزراء «الإسرائيلي « الإرهابي مناحيم بيغن «لقد بدأ عصر الظلمات بالنسبة لإسرائيل». أما المقبور موشي دايان فقال «لقد بدأ الزلزال وهو سيصل إلى إسرائيل». وهذه حقيقة يجب على كلّ عاقل أن يتلمّسها ويدركها. فالكيان «الإسرائيلي» يعيش أسوأ أيامه منذ انتصار الثورة الإسلامية، ليس بسبب برنامجها النووي وحسب، بل أيضاً بسبب المقاومة في لبنان وفلسطين التي حققت الانتصارات المتتالية عليه منذ العام 2000. وهو الذي يُدرك أنّ إيران باتت تطوّقه على أرض فلسطين في غزة، وفي لبنان حيث حزب الله، واليوم في الجولان.

الكيان «الإسرائيلي»، ومنذ انتصار الثورة الإسلامية، يضع ثقله في مواجهة الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتطوّرها في كلّ الميادين. والهدف النيل منها ومن سمعتها ومكانتها وحتى السعي مع حلفائه الدوليين والإقليميين من أجل إسقاطها، ولكن ستبقى أحلامه أضغاثاً.

الإمام الخميني رحمه الله أدرك مبكراً الخطر الذي تمثله الحركة الصهيونية، وأثبتت التجربة الطويلة أنّ الإمام وقف في مقدمة من قرأ واستشرف أنّ الفكر الصهيوني ليس خطراً على العرب والمسلمين وحسب، بل على البشرية والإنسانية برمّتها. فهو أي الإمام الخميني ومنذ أن تفتّحت عيناه على الحياة عرف أسرارها، لغتها، مضمون خطابها السياسي والفكري والاستعماري فتصدّى لها بكل ما أوتي من قوة غير مكترثٍ بخطوط حمراء يقيناً منه بأنّ هذا العمل جزء من تكليف شرعي لا مناصّ منه. وهو بسبب ذلك كان يتألم كثيراً لما جرى لشعب فلسطين على أيدي الصهاينة، ويعتبر أنّ مسؤولية إزالة هذا الظلم تقع على كاهل كلّ مسلم وعربي

وكانت القضية الفلسطينية في سلم أولويات الثورة الإسلامية الحيّز الأهمّ وكانت ولا تزال الشغل الشاغل، فقال الإمام الراحل الخميني ومن خلفية عقائدية، حاسماً في توجه الثورة «يجب علينا أن ننهض جميعاً للقضاء على إسرائيل، وتحرير الشعب الفلسطيني البطل». وهو الذي أكد وبعد ثمانية أيام على انتصار الثورة في استقبال الراحل عرفات قائلاً: «لو كانت الأقطار العربية، التي تتميّز بعدد سكانها الكبير وجموعها العظيمة، متحدة ومتفقة مع بعضها البعض، لما حلت هذه المصائب على فلسطين والقدس». التي أطلق الإمام الراحل من أجل عاصمتها القدس نداءً لاعتبار الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك يوم عالمياً للقدس فقال: «إنني أدعو المسلمين في جميع أنحاء العالم لتكريس يوم الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك ليكون يوم القدس، وإعلان التضامن الدولي من المسلمين في دعم الحقوق المشروعة للشعب المسلم في فلسطين «. فمثل تحرير فلسطين والصلاة في القدس الأُمنية التي كان الإمام الخميني يرغب في تحقيقها.

الثورة الإسلامية لم يتوقف دعمها للقضية الفلسطينية وشعبها ومقاومتها مع رحيل الإمام الخميني، بل استمرّ هذا التأييد والدعم والاحتضان بوتيرة متصاعدة مع قائد الثورة الإمام الخامنئي، وقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية، في الوقت التي تتخلى فيه الأنظمة العربية باستثناء سورية عن مسؤولياتها اتجاه القضية المركزية، بل جعلت هذه الأنظمة من فلسطين وقضيتها مطية وجسر العبور لتوثيق علاقاتها مع «إسرائيل»، وتشارك في التآمر على إيران في خطوة مشبوهة ومكشوفة في أولويات الصراع، فبدل أن تكون «إسرائيل» العدو الأوحد للأمة، أصبحت إيران وثورتها هي العدو لهذه الأنظمة. وقد كان لهذه الإحاطة والاحتضان الأثر البالغ والهام في تمكن المقاومة الفلسطينية واللبنانية من تحقيق الانتصارات على العدو الصهيوني وكيانه الغاصب. وما نشهده اليوم من تقدّم وتطوّر في قدرات قوى المقاومة في مواجهة العدو الصهيوني وانتصاراتها عليه، إنما جاء بفضل الدعم اللا محدود للجمهورية الإسلامية وثورتها، وكذلك سورية التي تدفع كما إيران بسبب مواقفها الحاسمة من المقاومة واحتضانها ورعايتها.

واليوم تأتي الذكرى السادسة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية هذا العام لتكتسب أهمية استثنائية. في ظلّ ما تشهده المنطقة من أحداث تهدف إلى إخضاع دولها لمشيئة المشروع الصهيو أميركي، من خلال إلحاق الهزيمة بمعسكر المقاومة والممانعة الممتدّ من فلسطين إلى لبنان وسورية والعراق وصولاً إلى إيران. وبالتالي ما تواجهه من تحديات داخلية تتمثل في رفع سوية استنهاض همم الشعب الإيراني ونخبه في تحشيد خبراته وإمكانياته في الانتقال به نحو نهضة شاملة في العلوم والعلوم الدينية، وفي الثقافة والفنون، والاقتصاد والصناعة والعمران. والنجاح في امتلاك الطاقة النووية للأغراض السلمية، والوصول إلى الفضاء. والعمل على تطوير القوات المسلحة من خلال الصناعات العسكرية التي تتيح لها الدفاع عن نفسها وتجعل أعدائها حائرين أمام قدرتهم في الاعتداء عليها. والأهمّ تمكن الثورة في تكريس عمل المؤسسات التشريعية والتنفيذية والتزام الديمقراطية وتداول السلطة. وما يواجهها أيضاً من تحديات خارجية تتمثل في مواجهة حملات التحريض والحصار والضغوط، التي مارستها ولا تزال قوى الاستكبار العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بهدف ثني إيران ودفعها للتراجع عن توجهاتها الراسخة في دعم المستضعفين وقوى المقاومة في فلسطين ولبنان في مواجهة المستكبرين وغدتهم السرطانية الكيان الصهيوني.

وقد تمكنت الثورة الإسلامية بفضل رسوخ مواقف قياداتها وصمودهم وفي مقدمهم قائد الثورة الإمام علي الخامنئي من إرغام قوى الاستكبار الغربي وعلى رأسهم أميركا، وبعد سلوكهم كل السبل والطرق وممارسة أعلى الضغوط، وليس آخرها لعبة تخفيض أسعار برميل النفط الذي وصل إلى مستويات متدنية وغير مسبوقة، هذه الضغوط والعقوبات ولسنوات طويلة لم تجد طريقاً لها في إخضاع إيران والشعب الإيراني وثورته، مما اضطر هذه الدول أخيراً للحضور صاغرة إلى مربع لا اشتراطات فيه تُفرض على إيران بخصوص ملفها النووي، التي تذهب المفاوضات بشأنه مع دول 5 + 1 حثيثاً نحو إنجاز اتفاق تاريخي لمصلحة الشعب الإيراني، حيث أكد الإمام القائد الخامنئي أن الإيرانيين يحاذرون اتفاقا سيئاً لا يلبّي تطلعات وطموحات الإيرانيين.

إنّ الواجب يُحتم على الفلسطينيين وبعد 36 عاماً على انتصار الثورة الإسلامية، أن يلاقوا إيران بمزيدٍ من الوفاء والعرفان بالجميل، لأياديها البيضاء في مساندتهم ودعم مقاومتهم بأسباب القوة والمنعة. وأن يرفضون بشكل قاطع كل من يحاول الإساءة للعلاقات الأخوية بينهم وبين شقيقهم من الشعب الإيراني المسلم وثورته المجيدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى