مواجهة «إسرائيل» والإرهاب ليست مسؤولية حزب الله وحده

العلامة الشيخ عفيف النابلسي

كل خطوة يمكنها أن تقرّب اللبنانيين بعضهم إلى بعض هي محل ترحيب وإشادة. هذا الأمر لا يحتاج إلى تفسير لمعرفة إيجابياته وانعكاساته على الأمن والاستقرار بكل أبعاده. ولطالما شكلت الخلافات بين القوى ضعفاً في آليات عمل الدولة تضاف إلى أزماتها البنيوية التي بدأت مع تأسيس الكيان الذي أراد صانعوه أن يبقى مريضاً بداء الطائفية ومفتوحاً على نار الغرب والشرق على حد سواء. فأن نتسامى اليوم أو دائماً على كل الانشقاقات الحزبية والوطنية والعرقية والدينية إلى المصهر الإنساني هو شعور جميل ومطلوب بحيث يصبح المواطن صفة ملازمة لكل لبناني بعيداً عن التصنيفات والتمايزات المعروفة والمحمولة بالكراهية والعنف.

اليوم بدأ حزب الله وتيار المستقبل ومعهما بعض الحلفاء بإزالة الشعارات والصور التي شكّلت ميداناً للتنافس والتنازع في الأزقة والشوارع. هذا الإجراء لا شك يخفف من مستوى الاحتقان السياسي والتوتر المذهبي لكن يجب أن يُستكمل بخطوات تعزيز تدابير بناء الثقة وتطوير آليات الحوار كي ينعكس مناخ الهدوء على مجمل الوضع العام سياسياً واجتماعياً واقتصادياً . ولا أحسبني مخطئاً إن قلت إنّ الإعلام هو أخطر من الشعارات والصور المرفوعة وقد ساهم في الفترات الماضية بتأجيج الاحتقان إلى درجة خطيرة، وتجربة الإعلام مع العملية التي نفذها حزب الله في مزارع شبعا لا تدل على أنّ البعض قد تعلم شيئاً من حملة العدوان «الإسرائيلي» على لبنان في عام 2006. فبدل أن يتوحد الإعلام في الموقف والخطاب والتوجه السياسي دفاعاً عن لبنان إذ به ينقسم ليبرر الرواية «الإسرائيلية» والدعاية التي روجت لها وسائل الإعلام «الإسرائيلية» المختلفة.

نعم نحن مع الحوار ومع أن يوظّف هذا التفاهم بين التيارين الكبيرين ليكون مصدر قوة للبنان بدلاً من أن يكون مصدر مشكلات وصراعات. فيما يجب أن تعلم جميع القوى أن الاختلاف لا يمنع الحوار، فلننظر إلى الدول الكبرى، فحدة الخلافات في ما بينها لم يمنع من الحوار واستمراره، فلماذا ينقطع الحوار بين اللبنانيين أو يكون لفترة وجيزة وحول موضوعات محددة فقط؟

كما يجب أن ينعكس أي تفاهم بين حزب الله وتيار المستقبل على باقي القوى اللبنانية الأخرى، خصوصاً أن الكل معني بتحصين الساحة الداخلية من خطر الإرهاب الذي يزداد استشراساً. فثمة من يحاول مجدداً عزل البقاع وجروده من خلال السيطرة على الأرض وإعلان إمارة داعشية تجمع بين الأراضي اللبنانية والأراضي السورية لاستنزاف الجيش والمقاومة، وهذا المخطط الذي يُعمل له منذ مدة طويلة ليس بعيداً عن الرعاية «الإسرائيلية» والدعم العربي الخليجي.

إنّ مسؤولية الدفاع عن لبنان في وجه «إسرائيل» والإرهاب التكفيري ليس مسؤولية حزب الله وحده. إنّ مسؤولية الجميع أن ينطلقوا من موقع الحرص على الوطن إلى موقع المسؤولية بحمايته من الأخطار المتنوعة. من المعيب أن يتواكل اللبنانيون ويتكاسلوا فيما لا تنقطع ألسنتهم عن التنظير والانتقاد، ومن المخجل أن يستمر البعض بالقول إن حزب الله يحتكر ميدان المقاومة. من يُرد أن يدافع عن لبنان لا ينتظر أحداً ولا يلقي باللائمة على الآخرين ولا يجلس متفرجاً أمام سيل الاعتداءات التي تأتي من الجنوب والشرق والشمال. بل عليه أن يحمل السلاح بنبل وشرف بعيداً عن الاستعراض والمزايدة أو على أقل تقدير أن يدعم الجيش سياسياً ومادياً لا أن يعرقل خطواته ويرفع الغطاء عنه بحجج مذهبية وحزبية لا تؤسس إلا لانهيار لبنان في لحظة مأسوية مفجعة!.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى