أفكار الأسد ولصوص المبادرات

غالب قنديل

يكرر الخطاب الغربي، والأميركي خصوصاً، مباشرة ومداورة، تعابير مسروقة من الخطاب الرسمي السوري من نوع أولوية مكافحة الإرهاب، والحوار السوري لبلورة تفاهم وطني حول ما يسمى بالحل السياسي. وآخر المطاف باتت تقارير الأمم المتحدة وموفدها دي ميستورا تتركز على المصالحات المحلية التي ابتكرتها القيادة السورية.

أولاً: يمارس الغرب في ذروة إفلاسه السياسي وعجزه عن تطوير العدوان على سورية ودولتها الوطنية وشعبها وجيشها، سرقة موصوفة للرؤية السورية الوطنية التي يحاول إفراغها من محتواها وتحويلها إلى فرصة لمحاولة اختراق النسيج الوطني السوري، بعد سقوط أوهام الإسقاط التي يعترف الأميركيون بأن زمانها ولى ولم تعد واردة بعد كل ما جرى. وهم يعترفون مداورة بفشلهم وعجزهم عن النيل من الرئيس والزعيم الشعبي المقاوم الذي أقر مستشار الأمن القومي السابق زبيغنيو بريجنسكي أبو «القاعدة» مؤخراً بأنه يحظى بمساندة غالبية المجتمع السوري، بينما ظهرت تقارير وتحقيقات ومقالات عدة في الصحف الغربية وفي مواقع مراكز الأبحاث تعترف للرئيس الأسد بأنه يقود حرباً ضد «القاعدة» بجناحيها «داعش» و«النصرة» وما بينهما من تجمعات من المرتزقة واللصوص الذين لا مكان بينهم للاعتدال الخادع الذي يرطن به الرئيس الأميركي باراك أوباما، ويجتر معاونوه وشركاؤه في العدوان الكلام عنه، ومن يطلق عليهم هذا الوصف ويجري تدريبهم في تركيا والأردن والسعودية وقطر تحولوا في الميادين إلى فصائل «القاعدة»، ونقلوا معهم عتادهم الحربي المتطور الذي تسلموه من حكومات العدوان بقيادة الولايات المتحدة أو تبخروا وتحول قادتهم إلى تجار للمعونات والأسلحة، كما تبين تحقيقات نشرتها مؤخراً صحيفتا نيويركر ولوس أنجليس تايمز وغيرهما من الصحف الأميركية وأعدها المراسلون مباشرة من مدينة غازي عينتاب التركية، المقر الذي يضج بالجواسيس وتجار الأسلحة والمواد الغذائية المسروقة من إرساليات صناديق المعونات الدولية والإقليمية.

ثانياً: طرحت الدولة السورية منذ البداية رؤيتها التي تنطلق من أولوية محاربة الإرهاب التكفيري وتطهير سورية من العصابات المسلحة متعددة الجنسيات، التي ألقى الحلف الاستعماري الصهيوني الرجعي بثقله لدعمها بالمال والسلاح، وقدم لها التغطية الإعلامية بواجهات العملاء السياسيين الذين حشدتهم أجهزة الاستخبارات العالمية، وكانت حكومات الخليج سخية في تجنيدهم وتجميعهم وتحريكهم بقيادة تنظيم الإخوان المسلمين، ورسمت لهم في إمبراطورياتها الإعلامية صورة الجماعات الثورية طيلة السنوات الأربع المنصرمة.

تعاملت دول العدوان بوقاحة الإنكار، وادعت أن عملاءها يقودون حراكاً سلمياً، ورفضت التسليم بوجود الإرهاب الذي راهنت عليه في خطتها لتدمير سورية وتفكيكها. وهي لم تعترف بهذه الحقيقة إلا عندما راحت تتزايد مخاطر ارتداد الإرهاب إلى نحور مصدريه الدوليين والإقليميين. وهكذا بعد تعاظم المخاطر إثر عملية «داعش» في الموصل، سرق أوباما شعار الأسد عن مكافحة الإرهاب الذي رفضه جون كيري في «جنيف 2» واستحق يومها الرد الرادع بلسان الوزير وليد المعلم.

حلف أوباما يرفع شعار مكافحة الإرهاب ويضم جميع الدول الداعمة للإرهاب كما قال الرئيس بشار الأسد في حواره مع قناة «بي بي سي» مؤخراً. والحقيقة أن هذا الحلف اللصوصي سرق شعاراً بالأصالة هو شعار الأسد، وغاية هذا الحلف هي إفراغ المواجهة مع التكفيريين من محتواها الفعلي وتحويلها إلى عملية احتواء بدلاً من أن تكون تصفية واستئصالاً. ولذلك لا يزال الأميركي البشع يعطل مع شركائه في هذا الحلف الإجرامي جميع المحاولات الهادفة لتجفيف منابع الإرهاب.

ثالثاً: الحوار بين السوريين هو وصفة الرئيس الأسد من أول أيام ما يسمى بالأزمة السورية، وهي تسمية غير علمية في الواقع. وقد سرق الأميركيون فكرة الحوار وانتحلوها ليحاولوا تفخيخ مستقبل سورية بعملائهم عبر تحويل ائتلافهم العميل إلى ممثل وحيد وحصري للمعارضة. وبعدما تكفل وفد الدولة الوطنية السورية بفضح هذه اللعبة في «جنيف 2»، ونتيجة تحول التوازنات في الميدان السوري لمصلحة الدولة وقواتها المسلحة، وتحول المعادلة السياسية والشعبية بعد الانتخابات الرئاسية، تفاقمت مظاهر الانحلال والتفكك في الواجهات العميلة وكانت النتيجة السياسية في مشاورات موسكو تأهيلاً لمعارضة تلتزم بالحوار مع الدولة الوطنية على أنقاض الخطة الغربية الرجعية وتدميراً لما سعى الأميركيون إلى فرضه.

أما المصالحات المحلية التي تمثل محور تحرك دي ميستورا، فهي مسروقة من منجزات واقعية حققتها الدولة الوطنية في تفكيك منصات العدوان، وتجريد عصابات الإجرام والعمالة من أي حاضن اجتماعي، واسترداد آلاف العناصر المغرر بها إلى حضن الدولة. والموفد الأممي يسعى لتفخيخ الفكرة التي سرقها، وهي من إبداع الرئيس بشار الأسد الذي كان الراعي الأول لمبادرات المصالحة، ووفر لها الزخم والضمانة والحماية سياسياً وميدانياً في عدد من المناطق السورية، وحرك بواسطتها دينامية عالية موازية لعمليات الجيش العربي السوري. والسرقة المفضوحة لفكرة المصالحات تهدف إلى تمرير احتفاظ العصابات بأسلحتها تحت تغطية التجميد من دون أي التزامات دولية وإقليمية بوقف توريد المال والسلاح والمسلحين من تركيا والأردن، ومن غير تعهدات واضحة، حيث يحور ويدور موفد الأمم المتحدة ولا يحمل عنها شيئاً. وربما يعترف لاحقاً على طريقة الإبراهيمي بعد انتهاء مهمته بأن حكومات تركيا وقطر والسعودية رفضت أي تعاون في تجفيف منابع الإرهاب بدعم أميركي أطلسي.

في الحصيلة سورية تشق طريق خلاصها بتضحيات جيشها وبصمود شعبها، أما لصوص المبادرات فعبثاً يحاولون اختراق الدولة التي عجزوا عن إسقاطها. ويضيق الهامش أمام الغرب وعملائه مع التحولات الميدانية المتسارعة ليقترب يوم لن تنفع فيه المكابرة لتأخير الاعتراف بالهزيمة أمام الأسد وشعبه العربي السوري العظيم.

عضو المجلس الوطني للإعلام

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى