مدارات «النصرة» حصان رهان أخير بعد سقوط «الجيش الحر»
ناديا شحادة ولمى خيرالله
تساؤلاتٌ مشروعة تطرق أبواباً مفتوحة فيما تبدو معطيات المواجهة على الساحة السورية هي الأبرز منذ بداية الحرب على سورية، إذ ظهر العديد من المجموعات الإرهابية من أبرزها ما يسمى بـ «الجيش الحر» وتنظيم «داعش» التي اتخذت قرارها بحصر نشاطها في الشمال والشرق السوري، فيما عززت «جبهة النصرة» وجودها ونشاطها العسكري في مناطق عدة باتجاه مدينة حماة وسط سورية وتزايدَ نشاطها في منطقة الحدود اللبنانية نتيجة ضغوط الجيش السوري في منطقة القلمون التي دفعت بالإرهابيين باتجاه لبنان، ويرى المتابعون أن هذه التطورات لا تشكل خطراً وشيكاً على الدولة السورية أو العاصمة دمشق غير أنها تكشف عن صعود «جبهة النصرة» باعتبارها الجماعة المسلحة الكبرى والأكثر قدرة في الجنوب.
وفي ضوء سلسلة انتصارات الجيش السوري في أماكن تموضع قوات المعارضة يبدو أن ثمة توجهاً لدى داعميها لتنشيط الجبهة الجنوبية لسورية بعد استكمال الاستعدادات اللوجستية والتدريبات التي أجريت على الأراضي الأردنية بإشراف القوات الخاصة الأميركية وحلفائها الغربيين.
وتردد مطلع عام 2014 أن وزارة الخارجية الأميركية أبلغت معارضين سوريين أن قراراً سعودياً أميركياً مشتركاً قد اتخذ بفتح الجبهة الجنوبية مجدداً بتنسيق سعودي ـ أردني ـ أميركي بعد زيارة العاهل واشنطن وقبل توجه أوباما إلى الرياض في 22 آذار العام الماضي ووصفت المعركة بأنها الأخيرة للسعودية للسيطرة على دمشق.
ويرى المراقبون أن «إسرائيل» العدو الأكبر لسورية وجدت في هذه الحرب ضرورة وجود مقاتلين لها على الأرض يأتمرون بأمرها لتكون صاحبة كلمة فصل في أي حل يُطرح للمعضلة السورية… ويؤكد المتابع للشأن السوري أن «إسرائيل» هي المستفيد الأكبر من تحركات «جبهة النصرة» وقد ذكرت صحيفة «ورلد تريبيون» الأميركية أن «إسرائيل» على علاقة وثيقة بـ»جبهة النصرة» واشارت الصحيفة إلى أن تقرير الأمم المتحدة يؤكد علاقة «إسرائيل» بهذا التنظيم. ولفتت الصحيفة إلى أن قوات الأمم المتحدة تراقب منطقة الجولان منذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 1974 بين سورية و«إسرائيل».
كذلك كشفت صحيفة «هآرتس الإسرائيلية» أن «إسرائيل» تتعاون مع مقاتلي «جبهة النصرة»، ونقلت عن المحلل العسكري «الإسرائيلي» تسفي برئيل قوله إنه وفقاً لتقارير استخبارية فإن «إسرائيل» تتعاون مع المعارضة السورية في جبهة الجولان الذين يوفرون لها معلومات استخبارية.
لذلك تتابع «إسرائيل» المعارك الضارية التي يخوضها الجيش العربي السوري ضد المعارضة المسلحة على مختلف فئاتها في الجزء المحرر في هضبة الجولان. وهذا ماجاء في سعيها إلى إقامة منطقة عازلة على امتداد الشريط الحدودي على جبهة الجولان السوري المحتل، بهدف حماية أمن «إسرائيل» ولتوفير معبر أمن للمجموعات الإرهابية بغية الوصول اتجاه الجنوب اللبناني عبر جبل الشيخ.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» عن مصادر عسكرية رفيعة في جيش العدو قولها إن الأخبار الواردة من هناك لا تبشر بالخير لـ «إسرائيل» وأعربت عن قلقها الشديد من الانتصارات التي يحققها الجيش السوري من انتصارات على «جبهة النصرة» وتزعم أن مقاتلي حزب الله اللبناني باتوا أقرب من أي وقت مضى يقتربون من حدود الجولان المحتل. فمصلحة «إسرائيل» تكمن في بقاء «جبهة النصرة» موجودة وبقوة في الساحة السورية…
قواسم ومصالح مشتركة جمعت «إسرائيل» بـ»جبهة النصرة» والمجموعات المسلحه في عدائهم لسورية العدو الأول لـ «إسرائيل»، والمواجه الأكبر للإرهاب المدعوم من دول عربية وغربية وإقليمية وتجمعهم جميعاً غرفة عمليات مشتركة تدعم مخطط «إسرائيل» لإنشاء منطقة عازلة في القنيطرة السورية وهذا ما تحدث عنه سابقاً وزير الخارجية المعلم السوري وليد المعلم داعياً الحكومة الأردنية إلى التنسيق مع سوريا لمكافحة الإرهاب على رغم معرفة بلاده المسبقة بأن الأردن لا يملك قراراً مستقلاً لاتخاذ مثل هذا القرار، فكيف للأردن أن تعلن حربها على الإرهاب و«داعش» غداة إحراق تلك التنظيمات للطيار معاذ الكساسبة فيما تفتح الحدود وتدعم وتمول الإرهابيين؟ فهل كانت الأردن تنتظر أن تحرق بلظى نارها لتعلن ذلك؟
ومن جانب آخر، «لم يعد خافياً ما تقدّمه السعودية للإرهابيين، سراً وعلانية من دعم بالمال والسلاح لعناصر القاعدة وحلفائها وتدريبهم في بلدان مجاورة لسورية على غرار ما صرح به سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي في القاهرة بأن بلاده تسلح المعارضة السورية من دون أن يكترث للأعراف الإنسانية أو لرد فعل القانون الدولي.
إضافة إلى التصريحات التي فجرها نائب الرئيس الأميركي جو بايدن في كلمة ألقاها 2 تشرين الأول 2014 عندما اتهم صراحة بعض حلفاء أميركا في الشرق الأوسط بأنهم هم من دعموا ومولوا وسلحوا «داعش» و«النصرة» والتنظيمات التكفيرية الأخرى التي تقاتل في سورية.
وفي السياق ذاته، تنتهج الولايات المتحدة وبعض الدول الأطلسية سياسة رياء تجاه واقع ومستقبل سورية، إذ تعلن أنها مصممة على محاربة الإرهاب في العالم وعلى حل المسألة السورية دبلوماسياً ولكنها تقوم عملياً بعرقلة الحل بالتواطؤ مع السعودية وقطر وتركيا وتستمر بدعم ومساعدة المجموعات الإرهابية المسلحة.
ففي عام 2003 أجرت صحيفة «يو إس نيوز آند وورلد ريبورت» دراسة موسعة بعنوان «العلاقة السعودية» وتوصلت إلى استنتاجات مفادها أن السعودية حليفة الولايات المتحدة والدولة الأغنى بالنفط في العالم أصبحت ومنذ زمن بعيد «مركزاً» لتمويل الإرهاب في العالم.
وبالنظر إلى الواقع الميداني لا يخفى أن هذه التصاريح من الدول الداعمة للإرهاب ماهي إلا تصريحات إعلامية وأن هذه الدول تمارس سياسية النفاق المزدوج وكلما تمادت في دعم الإرهاب تصاعدت أبواقها مدعية أنها تحارب الأرهاب.
وفي زحمة التساؤلات والتي ربما نجد لبعضها إجابات وربما يبقى بعضها الآخر رهن المقبل من الأيام ومنها السؤال المشروع: لماذا تدعم السعودية «جبهة النصرة» وتحارب «داعش»؟