دمشق تطلق مشروع توثيق الأضرار التي لحقت بالآثار في ندوة «واقع الآثار السوريّة» وتحتفي بكتاب «المحنة السوريّة… لماذا أخطأ الغرب؟» للكاتب الفرنسيّ فريدريك بيشون
شكلت ندوة «واقع الآثار السورية خلال الأزمة» التي عقدت في القاعة الشامية في المتحف الوطني في دمشق فرصة لإطلاق مشروع توثيق الأضرار التي لحقت بالآثار السورية، وفق خريطة تفاعلية سوف تنشر على موقع المديرية العامة للآثار والمتاحف لتكون شاهداً موثقاً بالصور والأرقام والدلائل للانتهاكات التي لحقت بالتراث الأثري السوري خلال سنوات الأزمة.
وزير الثقافة عصام خليل قال في كلمته الافتتاحية للندوة: «إن تراثنا السوري الإنساني لم يكن مجرد ظاهرة فنية أو تعبيراً عن أنماط حياة مجتمعية سادت في مراحل مختلفة، لكنه تحول بفعل أسبقيته وأولويته إلى وثيقة تاريخية تقدم إجابات حاسمة تثبت عروبة المنطقة وتهدم المشروع الصهيوني من أساسه. هذه الأسباب جعلت من الآثار السورية هدفاً للإرهابيين الذين يعملون على تخريبها وسرقتها في سياق العدوان الكوني على سورية لأجل إعادة تركيب المنطقة بما يفضي إلى استقرار المخطط الصهيونى نهائياً، وفق منظومة سياسية عنصرية تحول الدين إلى قومية وتستدعي الغرائز الطائفية لتفكيك وحدة المجتمع العربي وإنهاكه بحروب عبثية»، منوّهاً بصمود الشعب السوري الذي أجهض هذه المؤامرة العدوانية وكسر أمواج الإرهاب العاتية بوعيه ووحدته الوطنية، وبالتفافه حول جيشه العربي المقدس حارس التاريخ وفادي التراب الطاهر، معتبراً أن السوريين أنقذوا مستقبل الحياة حين أنقذوا تراثهم من النهب والعبث والتخريب، خاصة مع جهود العاملين في مديرية الآثار والمتاحف الذين كانوا عاملاً حيوياً في حماية آثارنا وتاريخنا. ودعا خليل إلى بذل المزيد من الجهد في مشروعنا الوطني لإعادة ترميم ما تضرر من آثارنا كي تعود مثلما كانت قبل العدوان شاهداً على حقائق التاريخ وهوية الجغرافيا وعظمة السوريين. وتوجه باسم عائلة وزارة الثقافة بالشكر إلى جميع السوريين الذين حموا آثار بلادهم وكانوا بحسهم الوطني العالي على مستوى المسؤولية في صون هذه الأمانة ومنع الإرهابيين من تدميرها، وكانت جهودهم النبيلة خير مساعد للعاملين في المديرية العامة للآثار والمتاحف لحماية التراث السوري على امتداد الوطن، مؤكداً أن الوزارة ستكون بجميع إمكاناتها رافداً للجهود المبذولة في هذه المهمة الوطنية النبيلة.
الدكتور مأمون عبد الكريم، المدير العام للآثار والمتاحف، رأى أن أهمية الندوة تكمن في أنها عقدت لتقديم خلاصة عما يحصل في سورية لناحية حصر الأضرار بالمواقع الأثرية السورية وأنواع الأضرار التي حصلت بسبب الاشتباكات والسرقة وتدمير الآثار لأسباب أيديولوجية. وأعلن عبر الندوة الانتهاء من توثيق الأضرار التي لحقت بالآثار السورية وفق خريطة تفاعلية ستطلق على موقع المديرية العامة للآثار والمتاحف قريباً جداً.
واعتبر الندوة فرصة لتقديم خلاصة عن الإجراءات التي اتخذتها مديرية الآثار والمتاحف في الفترة الماضية لإخفاء القطع الأثرية وترحيلها وتحصين المباني في المحافظات والتواصل مع المجتمع المحلي وإطلاق حملة وطنية عنوانها «سورية بلدي» لتوعية المجتمع السوري كشريك ومالك حقيقي للتراث الثقافي وأداء دوره في وجه المجرمين وعصابات الآثار التي عاثت فساداً في سورية، موضحاً أن الندوة تشكل مناسبة لإطلاق جميع الأعمال التوثيقية من مخططات، فضلاً عن توثيق مئات الآلاف من القطع الأثرية وإنجازها وعرضها في الندوة لتعي الأطراف الشريكة في المجتمع الدولي أهميتها. وعرض عبد الكريم لما قام به الموظفون في المديرية في ظل الأزمة، مشيراً إلى بقاء أكثر من 2500 عامل في عمله في مختلف المحافظات، حتى في المناطق غير الآمنة، وظلوا على تواصل مع المديرية العامة. وركز على أهمية التعاون الدولي مع المؤسسات والأفراد والمنظمات والمؤسسات الثقافية وفي مقدمها اليونيسكو للتعاون وإقامة نشاطات ثقافية كي تكون الأمور واضحة لمعرفة الواقع والمتوقع من المستقبل.
في عرض شامل للواقع التراثي الأثري السوري، لفت عبد الكريم إلى أن سورية هي من «الدول العظمى» في قضية الغنى بالتراث الثقافي، قياساً بعدد المواقع واللقى الموجودة في متاحفها ونوعية مواقعها الأثرية التي يتجاوز عددها عشرة آلاف موقع، خاصة في حلب ودمشق.
الدكتور أحمد ديب، مدير شؤون المتاحف، عرض لواقع المتاحف في سورية والإجراءات التي قامت بها المديرية لحماية متاحفها، معتمدة في ذلك على شركاء محليين هم المجتمع المحلي ووزارتا السياحة والأوقاف وجامعة دمشق وشركاء دوليون متمثلون في المنظمات الدولية المعنية. وأشار إلى اتخاذ إجراءات حماية مثل إغلاق بعض المتاحف كاملاً ووضع القطع الاثرية في أماكن آمنة وتشديد أجهزة المراقبة والإنذار في المتاحف، فضلاً عن إطلاق حملة لتوعية المجتمع المحلي بالتعاون مع وسائل الإعلام والمراكز الثقافية وتفعيل العمل على الأرشفة والحفظ والتوثيق.
المهندس عبد السلام الميداني شدّد في مداخلته على أهمية إنشاء أنظمة قواعد للبيانات الموجودة في مديرية الآثار والمتاحف نظام التوثيق المتحفي ، ففي سورية أول قاعدة بيانات تضم المباني والمواقع المسجلة عبر مديرية الآثار ودوائر الآثار في المحافظات لتوثيق التراث وحصر الأضرار في كل محافظة، لأهمية ذلك علمياً وتقنياً، ما يساعد أصحاب القرار في معرفة ما يحصل للمواقع وللمتاحف في سورية وإتاحة ذلك للمهتمين على موقع المديرية.
الباحث أحمد فرزت طرقجي تطرّق إلى أعمال مديرية التنقيب وسياساتها خلال الأزمة، بينما تناول محمد نظير عوض الأضرار التي طالت المواقع الأثرية المسجلة وغير المسجلة، وعرض أيمن سليمان للحماية القانونية للممتلكات الثقافية السورية.
وتحدثت لينا قطيفان عن تعرض التراث الثقافي لأضرار جسيمة نتيجة التدمير والتخريب وممارسات التنظيمات الإرهابية في مختلف المواقع الأثرية في المحافظات السورية والتي طالت أكثر من 600 موقع ومبنى أثري. وبيّنت قطيفان أن المواقع الأثرية السورية المسجلة لدى منظمة اليونيسكو كمواقع أثرية عالمية، إضافة إلى المواقع المسجلة على اللائحة التمهيدية، تعرضت جميعها للتخريب بنسب متفاوتة.
احتفت وزارة الثقافة السورية بكتاب «المحنة السورية… لماذا أخطأ الغرب؟» لمؤلفه الفرنسي فريدريك بيشون، ترجمة عدنان عزام.
يتناول بيشون في كتابه الأخطاء الغربية حول الأزمة في سورية ودور الغرب في إشعال تلك الأزمة والمؤامرة الغربية والخليجية على سورية، كما ينتقد سياسة بلاده الخارجية إزاء الحرب الإرهابية التي تشن على سورية، مؤكداً أن فرنسا كانت الأسوأ في إدراك خطورة هذا الأمر بسبب قصر نظر قادتها.
في الكتاب الصادر لدى الهيئة العامة السورية للكتاب، يندرج المؤلف ضمن منظومة الاستشراق الإيجابي، مقدماً وثائق وشهادة حق ناصعة عما يحصل في سورية والعالم العربي، مظهراً أن فرنسا والغرب اعترفا بفشل المؤامرة على سورية، وموضحاً أن الغرب لم يفهم طبيعة الشعب السوري الذي ينتمي بشكل حقيقي إلى وطنه وهو شعب علماني بما تعنيه الكلمة لناحية الحالة الاجتماعية الثقافية الواعية، من غير المساس بأي هوية إنسانية.
وزير الثقافة عصام خليل صرّح قائلاً: «إن اهتمامنا بهذا الكتاب يعود إلى دوره في كشف الموقف الفرنسي والسياسة الفرنسية التي لحقت بالسياسة الأميركية وتسليط الضوء على ما فعله الغرب وفرنسا خاصة، ومحاولة اشعال نار الفتنة في سورية.
الكتاب وثيقة منهجية تسلط الضوء على حوادث سورية والمؤامرات والدسائس والرشى التي تلقاها الفرنسيون، إضافة إلى انتقاد الكاتب السياسة الفرنسية الخارجية، لافتاً إلى أن فرنسا فقدت خصوصيتها وأن ما تطلقه من شعارات هي وأميركا والدول الغربية ليس سوى أوهام يراد بها الباطل وأذى سورية وشعبها.
المدير العام للهيئة العامة السورية للكتاب الدكتور جهاد بكفلوني قال: «إن إشراف وزارة الثقافة على الكتاب والاهتمام به تمّ بدافع وطني، فالكتاب ينصف سورية إذ قاومت لسنين طويلة وتصدت لمؤامرة شرسة من فرنسا والدول الغربية الأخرى، فالكتاب يوضح كيف تدخل المال الخليجي ليقضي على سورية شعباً وقيادة، وكيف تحولت السفارة القطرية في باريس الى محج لكبار الساسة الفرنسيين»، مشيراً إلى أن ما يذهب اليه هذا الكتاب دلالة على بقاء سورية شامخة فمؤلفه فرنسي ويعترف بخذلان بلاده أمام اعترافاتها بمدى قوة سورية وشعبها.
مترجم الكتاب عدنان عزام ذكّر بأن الغرب دأب على الاحتلال منذ مئات السنين لرغبته في السيطرة الدائمة على الشرق الأوسط، بدءاً من الحروب الصليبية إلى يومنا هذا، وارتكب لهذا المخطط الجرائم، الجريمة تلو الأخرى، مثل حرق الأطفال في أنطاكيا، عدا الجرائم التي ارتكبها في القارة الهندية، واحتلال أفريقيا. ورأى أن الثورة الفرنسية خلفت بعدها مرحلة تزاوج فيها الفكر الإمبريالي الغربي والفكر اليهودي الصهيوني أسفرت عن إرسال نابليون بونابرت بجيش من المحاربين وجيش من المتعلمين لاحتلال المغرب العربي، وتلت ذلك اتفاقية بين سليمان القانوني وملك فرنسا وتقسيم الشرق العربي وسورية الطبيعية، ثم جاءت الحرب العالمية الأولى التي خطط لها اليهود والحرب العالمية الثانية لإكمال الدولة الصهيونية، إذ قال برنار ليفي مهندس ما يسمى بـ«الربيع العربي» في بداية الحرب على سورية: «نحن اليهود يحق لنا أن نقيم إمبراطوريتنا مثلما أقام العرب إمبراطوريتهم».
الجدير ذكره أن فريدرك بيشون هو مستشرقوباحث يزور دول الشرق الأوسط باستمرار، خاصة سورية التي خصها برسالة الدكتوراه التي وضعها حولها، وله العديد من المقالات التي تشرح أسباب الحرب الارهابية على سورية.