«لمّا يفلت ملقّ المحامي»!

أحمد طيّ

«آلو، كيفك صديقي؟».

«ماشي الحال كيف إنت؟».

«تمام، حابب اسألك…».

«كيف العيلة؟».

«تمام… كنت بدي اسألك إذا فيك…».

«وكيف شغلك منيح؟».

«شغلي تمام… كنت بدي ادعيك…».

«بعدك عم تكتب قصص للأطفال؟».

«يا صديقي شبك مش على عادتك، ما بعرفك بتقاطع حديث…».

«حلوة الكتابة للأطفال، وعم توفّي معك»…

ليست هذه الأسطر، سوى بداية مكالمة هاتفية استمرت لأكثر من نصف ساعة، أجريتها مع صديق لي، اتخذ من المحاماة عملاً له بعد تخرّجه الأكاديمي.

كان المفترض أن أدعوه لحضور إحدى المسرحيات الجديدة، إذ حظيت بعددٍ من البطاقات، وكان المفترض أن يكون جوابه حاسماً سريعاً: نعم أو لا. و«إذا كتّرت»، يمكنه اختراع حجّة لعدم الحضور، أو السؤال عن المسرحية في حال الموافقة، وكلّ ذلك، لا يتجاوز الدقائق القليلة من الحديث.

إلّا أنّ الصديق المحامي استرسل في الأسئلة المتوالية، مقاطعاً إيايّ كلما هممت بسؤاله، إلى أن استشطتّ غيظاً منه، بعد ثلاث وثلاثين دقيقة من «اللت والعجن» عبر الهاتف. لا هو سمع دعوتي، ولا أنا أعرت المجيب الآلي الذي أعلمني لدى اتصالي بصديقي، أنّ ثمّة تعرفة سيحصل عليها الصديق، وأخرى تحصل عليها نقابته. وإذ كنت مستعجلاً في دعوته، ظننت أنّ كلام المجيب الآلي ليس إلّا دعاية ما، أو ترويجاً لتحصيل حقوق المحامين.

أنهيت المكالمة، وجلست أفكّر في التغيير الطارئ على صديقي، وعزمت أن أهاتفه لاستفسر منه ما يجري. وعندما طلبت رقمه، أنصتّ لكلام المجيب الآلي، وفوراً أغلقت هاتفي كوني… عرفت ما يجري.

وبدأ البحث عن آخر ابتكارات وزارة الاتصالات، التي ـ للصدفة ـ يتولّاها اليوم محامٍ!

«كاش إن»، تطبيق أطلقته وزارة الاتصالات و«نقابة المحامين»، يتكلف بموجبه المتّصل بالمحامي، دولارين عن كل دقيقة اتصال في الفترة الممتدة بين السابعة صباحاً والثامنة مساءً، وأربعة دولارات بعد الثامنة ليلاً.

قد تكون هذه الخطوة كابحة لجماح مستشيري المحامين، لكنها توقع المتّصلين العاديين بالفخ، خصوصاً إذا «فلت ملقّ المحامي»، واسترسل في حديثه الذي يخترع تفاصيله الآنية بكل حرفية.

تخيّلوا معي المشهد: المحاكم والمكاتب الاستشارية خالية من المحامين، الذين استساغوا مصلحة «الردّ على الهاتف»!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى