الأبعاد السياسية الداخلية لطلب التفويض بالتدخل العسكري

تضاربت ردود الفعل على تقديم الرئيس الأميركي باراك أوباما مشروع قرار يفوّضه الكونغرس بموجبه استخدام القوات العسكرية الأميركية في الحرب ضدّ «داعش» الأمر الذي نادى به معظم قادة وزعماء الكونغرس في السابق.

سيستعرض قسم التحليل تلك المسألة، وانْ كان لها تداعيات على مسار الحرب الدائرة، وكذلك انعكاساتها على حملة الانتخابات الرئاسية المقبلة لعام 2016. يُشار الى انّ إدلاء بعض أعضاء مجلس الشيوخ بأصواتهم تأييداً له يشكل حرجاً امام القاعدة الانتخابية التي تعارض التدخل الخارجي، بيد انّ أهمّ دوافع التصويت يكمن في استعراض النواب المرشحين والطامعين بالحملة الانتخابية تجربة السياسة الخارجية التي باستطاعتهم ترويجها امام القواعد الشعبية.

السياسة الخارجية الأميركية

رصد المجلس الأميركي للسياسة الخارجية ما اسماه «نزعة الإدارة للتضليل» في ما يتعلق بالسياسة الخارجية الأميركية، مطالباً باإدخال تعديلات على آلية صنع القرار التي تستدعي كفاءات «لا تغريها خطاباتها الرنانة والحملة الإعلامية،» والتي ينبغي ان يتوفر فيها «دراية بجذور الأزمات الراهنة في أوروبا والشرق الأوسط… وتتمتع بنظرة واقعية غير منحازة». واكد المجلس على اقتراحات نظيره مجلس الشؤون الخارجية حديثاً التي تتمحور حول ضرورة استبدال الطاقم الحالي لشؤون الأمن القومي نظراً «لعدم كفاءته». ولم يسلم الرئيس أوباما من الانتقاد اللاذع «مايسترو اللاواقعية».

حث معهد كاتو «جناح اليمين في الحزب الجمهوري وجناح اليسار في الحزب الديمقراطي» العمل سوياً على قضايا ذات اهتمام مشترك، لا سيما «انتهاك الأجهزة الحكومية للحريات الشخصية… والتي ستتعاظم مع اقتراب موعد التجديد لقانون الباتريوت الوطنية». وذكر المعهد السلطة التشريعية بأنّ إقرار الباتريوت تمّ «استناداً إلى فرضية خاطئة» في تحديد الثغرات الأمنية التي أدّت إلى هجمات 11 ايلول 2001، والتي تمّ «دحضها في تقرير لجنة الكونغرس المشتركة» لتقصّي الهجمات. والنتيجة التي تمّ التوصل إليها آنذاك رهنت التقويم العلمي «لمشاعر العاطفة الجياشة، وسيادة الحملة الدعائية على الحقائق المادية… ولا يزال الاستمرار في ذلك النهج على الرغم مما كشفه ادوارد سنودن» من تجاوزات وانتهاكات الاجهزة الأمنية المختلفة.

تنظيم «داعش»

تناول معهد كارنيغي أساليب «الصدمة والرعب» التي ينتهجها التنظيم «بغية حث الشعوب الضغط على حكوماتها للانسحاب من التحالف » ومن ضمنها شريط الفيديو لقتل الطيار الأردني الذي أوضح انّ كافة التفاصيل ومكوّنات الشريط «كانت مدروسة بعناية فائقة… للدلالة على القدرات المرئية والمسموعة واستراتيجية التواصل الاستثنائية التي يتمتع بها التنظيم». واوضح انّ التنظيم «سينحو الى ارتكاب مزيد من العنف… بل من المؤكد بما لا لبس فيه».

انخراط الأردن ضدّ «داعش»

أعرب معهد أبحاث السياسة الخارجية عن اعتقادة بأنّ تصعيد الأردن لغاراته الجوية ضدّ «داعش» يرمي من ضمن مراميه الأخرى الى «ابتعاد مؤيدي التنظيم عنه بطريقة تذكرنا بما جرى لتنظيم الصحوات في العراق 2007-2008..». كما يدلّ على رسالة الأردن الى «القوى الإقليمية تعزيز جهودها لمناهضة تنامي قوة ونفوذ» التنظيم.

اعتبر معهد واشنطن تعميق انخراط الأردن ضد «داعش» فرصة للملك «عبد الله للانتقام من داعش في سورية… وتوسيع هامش الاجراءات الداخلية لشن حملة قمع شاملة ضد انصار داعش في بلاده». واضاف انه في المدى المنظور «سيبقى الاردن قاعدة عمليات جوية ضد داعش ومرافق تدريب للمسلحين السوريين،» لاعتقاده ان «داعش يمثل خطراً داهماً لاستقرار الاردن، وكذلك الاستياء الشعبي العام».

تنامي التطرّف

اعرب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عن اعتقاده ان ظاهرة التشدّد الديني «ازدهرت في اعقاب الربيع العربي… في تعارض مع توقعات الخبراء بأنّ الازمات والصراعات قد شارفت على الحلّ بل ستزداد زخماً». وحث الدول الاقليمية على «التسخير الماهر للأدوات المتاحة» لتقويض التهديدات الراهنة «ومراجعة الأدوات السابقة غير المجدية وتحديد سبل وأدوات جديدة في متناول يدها» لتحقيق الهدف.

المملكة السعودية

دق معهد كارنيغي ناقوس الخطر للتهديد الماثل أمام استقرار المملكة السعودية الآتي من «التهديدات عند حدودها الشمالية مع العراق، تُضاف اليها التهديدات عند الحدود الجنوبية مع اليمن،» مطالباً مراجعتها لسياساتها السابقة التي «ركزت الرياض طوال سنوات على الحؤول دون حدوث اي تحوّل كبير في ميزان القوى» على حدودها المشتركة مع اليمن. وقال انّ علاقات المملكة تضرّرت عقب «خسارة آل الأحمر لنفوذهم،» الحليف التقليدي القوي للرياض. واوضح انّ خيارات «السعودية» محدودة «وقد لا يكون امامها الآن من خيار سوى الانخراط مع الحوثيين… القوة السياسية والعسكرية الأكثر تماسكاً في اليمن،» بصرف النظر عن قلق الرياض من التداعيات المحتملة لذلك على «ميزان القوى السعودي الايراني في المنطقة » خاصة في ظلّ تقدم غريمتها قطر التي «فتحت قناة اتصال لها مع الحوثيين».

ليبيا

حذر معهد واشنطن من استمرار «داعش» بالتمدد في ليبيا، لا سيما مع «تبلور اجماع» بين المراقبين والاخصائيين بأن «داعش يستقطب اعضاء تنظيم انصار الشريعة… نظراً إلى جملة الانتصارات التي حققها في شرقي المتوسط». واوضح ان «التنافس بينهما يعكس التحوّلات التي طرأت على مجاميع الجهاديين في سورية والعراق، خاصة لخسارة جبهة النصرة بعض مواقعها ومقاتليها الذين انضمّوا الى داعش المتطرف». واشار الى رصد «عدد من المؤيدين والمتحدثين باسم داعش في ليبيا والذين ايضا تحدثوا نيابة عن انصار الشريعة والاشادة بمقاتليه» مناشدين اعضاءه بان «الوقت قد حان للانضمام الى دولة الخلافة».

اشار معهد كارنيغي الى لجوء المواطنيين الليبيين الاعتماد على «الدعم القبلي والعمق الديني والهويات المحلية،» في ظل غياب اطر ومؤسسات الدولة المنشودة، والتي برزت بقوة في مصراتة «مهد الثورة». اقلية من المعنيين لا زالت تؤمن بمستقبل افضل لليبيا يستند الى «لحمة الترابط والمشاركة» بين الفئات المعنية «بدلا من المواجهات المستمرة».

ايران

اتهمت مؤسسة هاريتاج الرئيس اوباما تقديم جملة من التنازلات «والذهاب الى ابعد الحدود لضمان التوصل الى اتفاقية نووية مع ايران… اذ وافق على جهود ايران غير المشروعة لتخصيب اليورانيوم، وتقبّل امكانية تحوّل مفاعل آراك للمياه الثقيلة الى منشأة لصنع القنبلة النووية..». واوضح ان «تلك التنازلات تتعارض مع سلسلة قرارات لمجلس الأمن الدولي، واثارت قلق الكونغرس و«إسرائيل» والسعودية، وعدد آخر من حلفاء الولايات المتحدة تهدّدهم سياسة ايران الخارجية». كما اتهمت المؤسسة ادارة الرئيس اوباما «بالسذاجة… لاعتقادها انّ عرضها لتخفيف العقوبات يشكل إغراءات مرضية لطهران تفضي بقبولها فرض قيود معقولة على برنامجها النووي » فضلاً عن «رغبويتها في امكانية إنشاء تعاون استراتيجي مع ايران لمواجهة داعش في العراق وسورية».

تستمر وتتصاعد وتيرة العمليات العسكرية الأميركية ويتعزز الاعداد لها، لا سيما في العراق وسورية واليمن واماكن اخرى من العالم، ويسقط الضحايا دون عناء تحمل المسؤولية، بينما تنشغل المؤسسة الحاكمة في ادارة جدل حول سَنّ قرار جديد يتناول التفويض القائم للسلطة التنفيذية حق استخدام القوات العسكرية في عمليات عدوانية خارجية، بدواعي فرض قيود تحدّ من استغلال الرئاسة للثغرات القائمة تورّط البلاد في حروب قد تطول.

تجاوب الرئيس أوباما مع «مطالب» قادة الكونغرس من الحزبين، الذين امطروه بسلسلة ضغوط وتهديدات بغية «إشراك» السلطة التشريعية في التحكم بقرارات مصيرية ناجمة عن «ممارسة الرئيس لسلطته الدستورية في تطبيق السياسة الخارجية». وارسل مشروعه المقترح، بعد انقضاء نحو ستة اشهر على شنّ أميركا غارات جوية في العراق وسورية، لمناقشته والتصويت عليه تحت عنوان محاربة تمدد «داعش» في العراق والشام، يحدّث التفويض السابق لسلفه الرئيس جورج بوش الابن، 16 تشرين الاول 2002، بغزو واحتلال العراق ويستثني تفويض الكونغرس لعام 2001 الخاص بتعقب ومحاربة الإرهاب والارهابيين.

اللافت انّ مشروع التفويض لا ينصّ على فترة زمنية تحدّد إنجاز مهمته، والذي يمكّن الرئيس اوباما، والرئيس المقبل، الاستناد اليه كما هو للاستمرار في المغامرات العسكرية الخارجية لما ينطوي عليه من غموض وإبهام وثغرات تحجب مساعي استبداله. فترة السنوات الثلاث المذكورة في التفويض وفرت فرصة لمناهضي التدخل داخل الحزب الديمقراطي للمطالبة بإخضاع قرار التفويض لعام 2001 أيضاً لنهاية متزامنة، كما دعت زعيمة الأقلية الديمقراطية في مجلس النواب نانسي بيلوزي.

طالبت قيادات الحزب الديمقراطي مراراً بإلغاء «تفويض بوش» المذكور، لا سيما في الفترة الزمنية بين حزيران 2011 وآب 2014، والذي تبناه الرئيس اوباما معلناً نيته «انهاء التورّط في حرب العراق » وطالب بالمقابل استصدار تفويض جديد «يتضمّن أطراً وصلاحيات قانونية لاستمرار العمليات العسكرية الجارية، ويلبّي احتياجات المرحلة بيد انه تباطأ في صياغة مسودّته خشية تحمّل تبعاته المتعدّدة، وترحيل المسؤولية لخصومه في تركيبة الكونغرس الجديد.

وسرعان ما واجه المشروع انتقادات حادة ليس من خصومه الجمهوريين فحسب، بل من قادة في الحزب الديمقراطي عينه، كلّ لدوافعه واعتباراته الخاصة. رئيس مجلس النواب جون بينر قال إنه وزملاءه الجمهوريين يريدون منح «القيادة العسكرية المرونة والصلاحية الكافية لهزيمة التنظيم المتشدّد أينما وجد،» مشيراً إلى تضمين النصّ تعهّداً انه لا يرمي إلى تورّط «طويل الأمد» للقوات العسكرية الأميركية. واضاف بينر السياسة الأميركية بحاجة إلى «صياغة استراتيجية عسكرية شاملة وتفويض متين لا يفرض قيوداً على خياراتنا» المتاحة متوجهاً بانتقاد الرئيس اوباما «لعدم التيقن من انّ استراتيجيته المقدّمة ستنجز المهمة الذي طالب بها الرئيس».

محور انتقاد «صقور» الحزب الجمهوري انّ مسودّة المشروع «تضع قيوداً متعدّدة على شنّ عمليات عسكرية». وتطوّع رئيس مجلس النواب جون بينر للتشكيك مرة أخرى بأهداف الرئيس الذي «يرمي لتفكيك وتدمير داعش، ولم ار خطة استراتيجية للحظة اعتقد انها باستطاعتها تحقيق ذلك».

مشروع فضفاض

بعض زعماء الحزب الديمقراطي اعتبر المشروع «فضفاضا» ينطوي على جملة ثغرات قد تؤدّي بالبلاد الى الانزلاق في حروب شبيهة بالحرب على فييتنام، اذ انّ الصيغة النهائية للمشروع قد لا تضع اي قيود او اشتراطات على مغامرات عسكرية، بل تمهّد الاجواء للمضيّ في حروب مفتوحة الأمد خاصة ان الصيغة الاولية تفوّض الرئيس «استخدام قوات برية في ظلّ ظروف محددة،» لمدة 3 سنوات، بما فيها استخدام القوات الخاصة والقيام بعمليات إنقاذ. مشروع التفويض خلا من ايّ قيود جغرافية تحدّ من تمدّد رقعة الانتشار ضدّ «افراد او قوات مرتبطة» بـ«داعش» مما يعيد الى الاذهان «تفويض بوش… لملاحقة اي كان له علاقة بهجمات 11 ايلول».

الصديق الوفي للرئيس اوباما وعضو مجلس الشيوخ عن ولاية فيرجينيا، تيم ماكين، اصدر بياناً عاجلاً أعرب فيه عن «قلقه من أبعاد وغموض استخدام القوات البرية الأميركية،» كما نصّت مسودة المشروع والتي تتعهّد بعدم السماح «للقوات البرية تنفيذ عمليات هجومية مستدامة » المصطلح الذي أثار حفيظة العديد من المسؤولين لضبابيته.

المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية، هارولد كول، اوضح انّ استناد الرئيس اوباما الى التفويض السابق «يخالف وعوده بإنهاء الحروب مفتوحة الأجل». بعد انقضاء نحو 13 عاماً على التفويض الأساس، لا زالت القوات الأميركية تشنّ حروبها في افغانستان وباكستان واليمن والصومال ومالي وتشاد، فضلاً عن العراق وسورية. العضو الديمقراطي في لجنة الاستخبارات التابعة لمجلس النواب، آدم شيف، اوضح انّ الغموض المقصود يسمح للرئيس «امداد نحو 100،000 جندي للتدخل في سورية ويبرّره بأنه «تدخل غير مستدام».

وصفت صحيفة «نيويورك تايمز» مشروع التفويض المقدم بأنّ غموض المضمون كان مقصوداً وشكل «حلاً وسطاً لتهدئة خواطر أعضاء الكونغرس في معسكري رفض التدخل الخارجي وانصار التدخل..».

جدير بالذكر ان «السيناتور اوباما»آانذاك وجه انتقادات حادة للكونغرس لميوله إلى إصدار «شيك مفتوح» للرئيس جورج بوش الابن شنّ عدوان على العراق، استناداً الى نص التفويض المذكور 2002 . مسودة اوباما تنطوي على جملة «استثناءات» لتوسيع نطاق العمليات العسكرية، من بينها اخراج مجموع القوات الأميركية الراهنة في العراق، من الامتثال للنص وباستطاعته ايضا نشر قوات عسكرية اضافية في صيغة «مستشارين، وقوات خاصة، ووحدات تحكم مشتركة لإسناد الغارات الجوية وطواقم البحث والانقاذ.

يأخذ الجمهوريون على الرئيس اوباما ميله إلى الإقلاع عن صياغة «حازمة او هجومية» تفوق صيغة التفويض الراهن. واوضح احد قادة الحزب الجمهوري عشية تقديم المشروع انه «استناداً الى جلسة مناقشة خاصة، فإنّ البيت الابيض يستخدم تفسيرات تقيّد بشدة مصطلح «عمليات هجومية مستدامة» أبعد مما كان متوقعاً، الأمر الذي يشكل عقبة كبيرة محتملة». غنيّ عن القول انّ المصطلح الفضفاض ايضاً يثير قلقاً داخل اوساط الحزب الديمقراطي ليس لعدم دقته فحسب، بل لمضمون الأمد المفتوح.

التفويض والمناكفات الحزبية

الابعاد والتداعيات السياسية للتفويض دائمة الحضور في المشهد السياسي، لا سيما أنّ الحملة الانتخابية على الابواب. ان استطاع الرئيس اوباما استصدار موافقة الكونغرس عليه بصيغته الحالية، وهو امر مستبعد، فانّ الرئيس المقبل سيجد نفسه مقيّداً في شن حرب برية ضدّ «داعش» إلى حين انتهاء مفعوله عام 2018، على الاقلّ.

اولى التداعيات، استناداً لتلك الفرضية، ستصيب المرشحة المحتملة للرئاسة هيلاري كلينتون وخفض حظوظ نجاحها الى الحدّ الادنى، اذ سيستمرّ العمل بالسياسة الراهنة «والاستراتيجية غير الفاعلة» لنحو عام بعد مغادرة الرئيس اوباما. في هذا الصدد يشار الى إدراك البيت الابيض مبكراً لمواطن ضعف المرشحة كلينتون لا سيما تدني شعبيتها امام عدد من خصومها في الحزب الجمهوري.

الجمهوريون الطامعون في الترشح لمنصب الرئيس سارعوا بانتقاد مسودّة التفويض نظراً «لهشاشته والقيود التي يفرضها على ايّ إجراء محتمل» يتطلب قراراً رئاسياً للتدخل العسكري وتوجيه اللوم للرئيس اوباما لخلو المسودة من خطوات واضحة مفصلة لشن الحرب «بغية الفوز بها».

المرشح المتشدّد تيد كروز أوضح امام جمع في مركز السياسة الأمنية انه «يأمل ان يؤدّي الجدل حول المسودّة الى الضغط على الإدارة لصياغة أدق وأوضح للأهداف والإجراءات التي تنوي تحقيقها». واضاف انّ السؤال البديهي يتمحور حول طلب الادارة «استصدار تفويض من اجل ماذا، ماذا ينبغي فعله وآلية تحقيق ذلك». وشدد كروز على ان الرئيس اوباما اخفق في ترك انطباع «بجدية الهدف».

ازدواجية الآراء والمعايير

وكعادة الساسة الأميركيين تحديداً في ازدواجية الآراء والمعايير، طالب تيد كروز بلاده بتسليح اكراد العراق على الفور واستدرك محذراً أقرانه في الكونغرس من ضرورة التوجس بمنح القائد الأعلى للبلاد «تفويضاً مفتوحاً» لشن الحرب. ويسخر كروز من خصومه الديمقراطيين معتبراً السياسة الخارجية هي ثمة ثلاثية «اوباما وكيري وكلينتون».

في الطرف المقابل، معسكر صقور الحرب، اوضح السيناتور ليندزي غراهام عضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، انه يتعيّن على الكونغرس المصادقة على «تفويض لا لبس فيه» للرئيس اوباما لمحاربة مسلحي «داعش».

يشار عادة الى العلاقة الوطيدة بين الثنائي «جون ماكين وليندزي غراهام،» وتطابق مواقفهما السياسية المتشدّدة من مجمل القضايا الداخلية والعالمية. اعتبر جون ماكين ان زميله غراهام سيصعد نجمه في السياسة الخارجية «اضطراداً مع تردّي الاوضاع» وازدحام المشهد الانتخابي، ممهّداً بذلك لاحتمال دخول غراهام السباق الرئاسي عن الحزب الجمهوري.

سياسات غراهام المتشدّدة وميله إلى التدخل العسكري لقي امتعاضاً من مرشحين محتملين للانتخابات، اذ قال السيناتور راند بول انه «غير متحمّس» لإرسال قوات أميركية إلى الشرق الاوسط، ويطالب الكونغرس بتقييد التفويض لشنّ الحرب لسنة واحدة. يدرك بول وآخرون عزوف الجيل الناشئ عن دعم سياسات الحزب وجهوزيته للتدخل العسكري، متوسلاً تأييد ذلك الجيل بإعلانه «لست من انصار إعلان حرب عبر العالم… اناهض اعادة 100.000 جندي الى الشرق الاوسط».

في الطرف المقابل والمقامر يبرز السيناتور المتشدّد ماركو روبيو اعلان جهوزيته «لإرسال قوات برية إلى تلك المنطقة، انْ تطلب الفوز بالمعركة ذلك». روبيو يشاطر غراهام سياساته وتطلعاته، بيد انّ ما يفصلهما عن بعضهما البعض «الخبرة الطويلة،» التي يتمتع بها غراهام، كما أشار ماكين.

الحزب الديمقراطي ايضاً يواجه امتحاناً قاسياً لو تمّت المصادقة على التفويض بشن الحرب. وعمدت السيناتور اليزابيث وورين، المعروفة بميولها الليبرالية، الى الابتعاد المبكر عن سياسات الرئيس اوباما وخصمها المحتمل هيلاري كلينتون اذا دخلت السباق الرئاسي. وقدمت مشروع قرار في الكونغرس يلغي التفويض السابق للعدوان على العراق الشهر الماضي. واوضحت وورين انّ الغاية من «المشروع هي للتذكير بتفويض الكونغرس لاستخدام القوات العسكرية وانّ العمل العسكري ينبغي ان يلجأ اليه كخيار أخير» امام الرئيس.

قاعدة الحزب الديمقراطي تشاطر وورين معارضتها للحروب، مقارنة مع ميل هيلاري كلينتون إلى الخيار العسكري، لا سيما في العدوان على ليبيا اثناء توليها منصب وزيرة الخارجية. التصويت لصالح المشروع سيكلف المرشح خسارة قاعدة انتخابية معتبرة.

استطلاعات الرأي التي اجريت حديثاً أشارت الى تفوّق وورين على كلينتون في «ولايتي جسّ النبض الانتخابي،» ايوا ونيو هامبشير، على الرغم من تصريحات وورين العلنية والحازمة بأنها لا تنوي دخول السباق الرئاسي.

ايضاً من بين «الأقلية» المناهضة للحرب في الكونغرس يبرز السيناتور المستقلّ بيرني ساندرز والذي صوّت ضدّ قرار التفويض عام 2002. واوضح ساندرز لجمع في معهد بروكينغز للأبحاث ان «هناك بعض الزملاء في الكونغرس يحبّذون الحرب اللامتناهية. انني غير راغب في رؤية حرب مفتوحة الآفاق في الشرق الاوسط » لكن ساندرز لم يفصح عن وجهة تصويته المقبلة.

جدير بالذكر انّ التفويض الراهن ساري المفعول يخوّل الرئيس اوباما المضيّ في حربه وفق المستويات الحالية، واشدّ ما يخشاه زعماء الحزب الجمهوري ان تصبح الحرب ضدّ «داعش» متلازمة معه اي الكونغرس بدلاً من توصيفها بحرب الرئيس اوباما. كما يجتاح القلق الطامعين في الترشح لمنصب الرئيس خاصة في حال تدهور الحرب الى الأسوأ، مما يتعيّن على المرشح الجمهوري الذي صوّت لصالح التفويض الشعور بالحرج والتزام موقف الدفاع.

تداعيات سلبية

كما من شأن مصادقة الأغلبية الجمهورية على قرار التفويض ترك تداعيات سلبية على عدد من أعضاء الكونغرس المرشحين لدخول السباق الرئاسي، لا سيما انّ اوفرهم حظاً يتبوّأ منصب حاكم ولاية ويوفر لهم مادة لانتقاد المشروع دون الخشية من تداعياته كما هو الحال مع المرشح جيب بوش وحاكم ولاية ويسكونسن، سكوت ووكر.

في نهاية المطاف، وبعد انقشاع ضباب الجدل والمزايدة بين الحزبين، سيجد الرئيس أوباما أقلية من النواب تؤيد مشروع اقتراحه. وعليه باستطاعتنا القول انّ غرض الرئيس اوباما ليس في الحصول على تفويض جديد، بل لاستخدامه كغطاء سياسي يمتدّ إلى ما بعد انتهاء ولايته الرئاسية يرث تداعياتها الرئيس المقبل. عقلاء الحزب الجمهوري يرون انه لا لزوم للمشروع المقدم خاصة أنه لا يتميّز عما هو ساري المفعول به لتنتفي ضرورة المصادقة عليه بأكملها فضلاً عن انّ مستقبل مرشحيهم السياسي يعتمد كلياً على كيفية ادارة الرئيس اوباما للحرب، اذ انّ فشلها سيتحمّل مسؤوليته المرشحين الجمهوريين الذين صوّتوا ضدّ المشروع وحكام الولايات المرشحين لتفاديهم المشروع برمّته.

الحزب الديمقراطي ايضاً امام مأزق التفويض اذ سيسعى مرشحوه إلى القفز عن المسألة بالكامل طمعاً باسترضاء القاعدة الانتخابية المناهضة للحرب. يدرك الحزبان جيداً، خاصة النخب السياسة في كليهما، انه من غير المرجح ان يحالف النصر الرئيس اوباما في الحرب ضدّ «داعش»، وهم ليسوا في عجالة للمصادقة في المرحلة الحرجة الراهنة.

بالنظر الى «احتمال» المصادقة المطلوبة، تجدر الإشارة الى ان الأمر سيستغرق فترة زمنية قد تطول، مع امكانية خضوع المسودة لتعديلات واضافات من الطرفين بعد عقد جلسات مناقشة في الكونغرس، وتشاطر الحزبين في تفادي المحظور قبل الانتخابات المقبلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى