هدف «داعش»… مكة والمدينة والبحر الأحمر المتوسط!
د. حسام الدين خلاصي
تقترب المعارك من عامها الرابع وتكاد تنهيه، المعارك وليس الحرب، إنها كرة النار الملتهبة التي دحرجتها الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني أو ما اصطلح على تسميته كرة الثلج والتي توضحت انطلاقاً من بداية الربيع العربي.
كان من المفترض أن تنهار سورية كدولة ومن ثم حزب الله ومحور المقاومة، لكنّ ذلك لم يحصل كما يعلم الجميع وانحرف مسار كرة النار فعمدت الصهيونية العالمية إلى التحكم من جديد بهذه الكرة الملتهبة ومسارها، فتارة الدنمارك وتارة الولايات المتحدة وتارة تركيا وتارة فرنسا ومؤخراً الأردن ثم مصر وليبيا… كي تبدو الصورة عالمية أكثر فأكثر، ولكي ينقسم العالم من بعدها بصورة أوضح ما بين محارب «داعش»، ومحارب لـ«داعش»!
نعم لا غرابة أن تنقسم الدول في ما بينها على طريقة محاربة «داعش»، فهناك فريق أميركي خليجي صهيوني يحارب «داعش» علناً بطريقة الدعم والتقليم وصولاً إلى الهدف الصهيوني من استعمال «داعش»، وفريق يحاربه وحلفاؤه مع كامل الوعي لخطورته ولمشروع داعميه وأهدافهم العالمية، وهذا الفريق هو محور المقاومة العالمية للصهيونية والإمبريالية الصهيونية.
إنّ الخطاب العالمي لـ»داعش» والعداء المتدحرج لدول شرق أسيا وأوروبا يخبرنا عن هدف «داعش» ولا يخبرنا عن حجم القوة الحقيقية لهذا التنظيم، والتي بات القاصي والداني يعرف أنها تراكمية.
هنا سأشير إلى نقطة في غاية الأهمية، عندما دخل «داعش» إلى الموصل سُلّم وتسلم كلّ العتاد العسكري الموجود، وبالتالي تكون الرسالة الواضحة أنّ سلاح «داعش» تراكمي مستولى عليه ومبرّر لوجود القوة العسكرية المتنامية له، وعندما استولى «داعش» على الرقة استعرض قدرته الصاروخية بصاروخ مسروق من العراق في رسالة واضحة ضحك العالم عندها بأنّ هؤلاء الرعاع لن يعرفوا أن يفرّقوا بين زر الإطلاق وزر الكهرباء في الحمام، وأما التمويل فهو أيضاً مبرّر وذاتي ويعتمد على سرقة النفط والآثار والخطف وسواه… طبعاً هذا متروك لعناصر «داعش» كي يستمرّوا في ما هم عازمون عليه من خلال تغطية دولية وتطنيش عالمي لا يتعدّى قراراً دولياً في مجلس الأمن لا يلزم أحداً.
من هنا نستطيع فهم أهمية تكديس السعودية وقطر للأسلحة على أراضيهما منذ فترة طويلة من الزمن والتي سينقض عليها «داعش» في لحظة ما نظرية لتشكل قوة ضاربة تحارب بها إيران ومحور المقاومة ولأنّ «داعش» عالمي، وهذا ما روجوا له بأن ظهر داعشيون بريطانيون وألمان وفرنسيون، سنجد بينهم الطيارين ورماة الصواريخ عبر مجموعات مدربة بعناية متسللة إلى صفوف «داعش»، وخاصة بعد تعيين أمراء لمكة ولبعض دول الخليج من قبل البغدادي، وبعد تحذير السيد حسن نصر الله حكام الخليج وحقيقة الأمر أنّ الخطاب كان موجهاً إلى الشعوب الخليجية بأنّ الهدف النهائي لـ«داعش» هو مكة والمدينة، أي بعبارة أوضح قيام دولة «إسرائيل» الكبرى التي لم تعد خافية على أحد في حلمها التلمودي المعلن اعتماداً على «داعش» والحلول مكانه بعد أن يستفحل شره ويستبيح دول المنطقة، وخصوصاً السعودية بعد أن حصل على امتداد جغرافي ما بين النهرين وظهر في سيناء.
من يعتقد بأنّ السعودية وقطر، سترتعد مفاصلهما من تحذير السيد حسن نصر الله مخطئ، لأنّ تاريخ حكام المملكة وقطر في الأصل والنسب الصهيونيين، يدلّ على ذلك فعلهما فهم من رعى في الماضي قيام «إسرائيل» ودافع عن وجودها بلجم الفعل المقاوم وتشجيع السلام مع الكيان الصهيوني. واليوم تدخل قطر الحظيرة برعاية كاملة وتدعيم كامل لمشروع الإخوان والبيئة الحاضنة للإرهاب منذ عشر سنوات وأكثر في كلّ من مصر وسورية وتونس معتمدين على الخزان البشري من الإرهابيين المتواجدين على الأراضي التركية والحدود المفتوحة والرعاية الأردوغانية .
وبعد إذكاء نار الحرب السنية ـ الشيعية وفصل العالم الإسلامي إلى سني وشيعي يتلهى بحرب مديدة، وبعد أن تخلو الساحة من المدافعين عن الإسلام والعروبة وذلك بفعل الانشغال، ستقوم السعودية وقطر رغم الصراع الوهمي بينهما بتسهيل مهمة «داعش» في الوصول إلى مكة والمدينة، لتصبح الخلافة الإسلامية، من هناك، أوضح وأشمل وليبرز نظرياً من هناك الحلم الإسلامي «الداعشي» بدولة الخلافة وبهدم الكعبة وانطلاق حملة تحرير العالم وضمّه تحت لواء «الإسلام» نظرياً وإعلان العداء للعالم الغربي المسيحي، والذي أطلق «داعش» نداءه الأول من الشواطئ الليبية عندما ذبح 21 مواطناً مصرياً قبطياً، في رسالة واضحة إلى الفاتيكان، وبذلك لونت البحر الأبيض المتوسط ليصير البحر الأحمر المتوسط من خلال الشواطئ الشمالية له، بعد أن استعصت على «داعش» الشواطئ الشرقية سورية ولبنان ، ليتعالى الخطاب إلى هرقل عظيم الروم القابع في روما وفق الرواية «الداعشية» فتنغمس أوروبا لاحقاً وبقوة في الحرب على «داعش» ولكن بخطة «إسرائيلية».
تسير أميركا بمخططها على نار هادئة، ويسير الكيان الصهيوني برعاية بريطانية من الحديقة الخلفية إلى نشوء دولة «إسرائيل» الكبرى والتي ستقوم على أنقاض دول المنطقة وتعب حلفاء محور المقاومة. وفي المقابل، فإنّ خطاب الخارجية السورية وكلمة الرئيس بشار الأسد والسيد حسن نصر الله أعادت بوصلة الصراع نحو العدو الصهيوني في حين يغفل الحكام العرب وشعوبهم، ما يدل على خطورة الوضع وذهابه إلى حرب مفتوحة مع الكيان الصهيوني، وقد حدّد نتنياهو مؤخراً أنّ السنوات الأربع المقبلة هي سنوات عجاف وستحدّد مصير المنطقة. إذاً نتنياهو بدأ يراهن على الزمن، وأكد السيد حسن نصر الله، من جهته، أنّ مصير العالم يصنع في المنطقة، أو ليس ذلك أقرب إلى قرع طبول الحرب؟ انتبهوا أيها العرب ولو أنّ الصوت هذا لن يصل إلى عقولكم ولكن أطلت الأفعى «الإسرائيلية» برأسها ونصف جسدها. ألا يكفي ذلك لنقول إنّ مكة والمدينة باتتا قاب قوسين أو أدنى، كي يتم تسليم مفاتيحهما إلى بني صهيون الراعي الرسمي للربيع الصهيوني بتسهيلات ملكية سعودية؟