مجلس التعاون الخليجي: الانفصال عن الواقع
حميدي العبدالله
بعد اجتماع استثنائي عُقد على عجل في مدينة جدة في المملكة العربية السعودية، حضره وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، صدر بيان عن المجلس يطالب مجلس الأمن بإصدار قرار تحت الفصل السابع حول التطورات الأخيرة التي جرت في اليمن، ولا سيما بعد الإعلان الدستوري الجديد.
كان يجدر بوزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي أن ينسّقوا خطواتهم مع المبعوث الأممي لليمن الذي ما يزال يحاور الأطراف اليمنية المختلفة من أجل الوصول إلى حلّ سياسي يجنّب اليمن المزيد من الخضّات السياسية والأمنية، ويوحّد اليمن ودول المنطقة في مواجهة الخطر الذي يمثله تنظيم «القاعدة» الذي يسيطر على مناطق واسعة في جنوب اليمن، وفي بعض المحافظات الواقعة في وسطه، لأنّ ممثل الأمين العام للأمم المتحدة جمال بن عمر هو أقدر من وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي على تقدير الموقف وتحديد الخطوة المطلوبة، أو على الأقلّ، الانتظار إلى أن يصل ابن عمر إلى طريق مسدود، ويرفع تقريره إلى مجلس الأمن، ويعلن فيه فشله، وبالتالي تقديم طلب مشترك من مجلس التعاون الخليجي وابن عمر لاستصدار قرار حول اليمن تحت الفصل السابع. لكن وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي أقدموا على موقف متسرّع، يشبه المواقف التي اتخذتها الجامعة العربية في بداية الأزمة السورية رهاناً على استعجال صدور قرار في مجلس الأمن تحت الفصل السابع يبيح تدخلاً عسكرياً خارجياً لا تتوفر الدول المستعدّة له، لا على مستوى المنطقة، ولا على المستوى الدولي، وبالتالي بدا وكأنّ بيان مجلس التعاون الخليجي في توقيته وفي الطلب الذي حمله موجهاً ضدّ اللجان الثورية، وضدّ مساعي ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، وشكّل ذلك نوعاً من التهوّر، أو على الأقلّ غياب الديبلوماسية الحصيفة.
أكثر من ذلك، حتى لو أنّ المبعوث الأممي قد شارك وزراء خارجية مجلس التعاون الخليجي رأيهم في ضرورة صدور قرار عن مجلس الأمن تحت الفصل السابع، فإنّ الحصول على مثل هذا القرار متعذّر في ظلّ الوضع القائم في اليمن، وفي ظلّ الوضع الدولي الراهن، إذ من المعروف أنّ مجلس الأمن قد عدَّل مشروع القرار الذي قُدِّم له، وحذف عبارة انقلاب من المشروع واكتفى بالطلب إلى اللجان الثورية الانسحاب من المؤسسات الحكومية والإفراج عن رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة والمشاركة في الحوار، وكان القرار تحت الفصل السادس وليس السابع، وبديهي أنّ الظروف غير ملائمة لإصدار قرار تحت الفصل السابع، أولاً نظراً لأنّ المبعوث الأممي لا يزال يواصل جهوده، وثانياً، لأنّ أيّ قرار تحت الفصل السابع لا إمكانية لوضعه موضع التنفيذ، لا سيما في دولة كانت تاريخياً عصيّة على أيّ غزو عسكري أجنبي، بما في ذلك الغزو العثماني والغزو الأوروبي، وثالثاً، لأنّ صدور هذا القرار مستحيل في ظلّ التباعد القائم الآن بين روسيا والصين من جهة، والحكومات الغربية من جهة أخرى حول تقييم الأوضاع في اليمن.
في ضوء كلّ ذلك، يمكن الاستنتاج بوضوح أنّ قرار وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي يعبّر عن انفصال واضح عن الواقع.