من موسكو إلى القاهرة رحلة انتصار القيصر…!

محمد ح. الحاج

لم تأخذ القاهرة موقعها القيادي عبر التاريخ الحديث إلا عندما حصلت على الدعم الروسي زمن الاتحاد السوفياتي، ولم تفقد هذا الموقع في عالمها العربي ومحيطها الأفريقي إلا عندما سقطت في الفخ الأميركي، فأضحت مجرّد دولة تابعة تنتظر المعونات، وترضخ لمطالب قادة دول البترودولار أو تحقق رغباتهم، هذا ما يدركه قيصر الكرملين في زمن الصراع على استعادة ثنائية القطبية في قيادة العالم على الأقلّ، أو خلق قوة منافسة لوحيد القرن الأميركي، كان القيصر يعلم أنه سيكون موضع ترحيب في القاهرة، فالظروف مثالية وحاجة القيادة المصرية في أوجها.

الهجوم الاستباقي الأميركي على موسكو لمنعها من استعادة موقعها العالمي في أوجه، والقيصر بحاجة إلى أوراق جديدة وقوية، لن يتجه إلى الحديقة الخلفية في أميركا الجنوبية أو الشمالية، بل سوف يقصد الواجهة، خط المجابهة الأول، البوابة الأفريقية العربية، مقابل الخرق في أوكرانيا، مصر بحاجة إلى الأسلحة المتطورة الحديثة، وموسكو مستعدة لتوفيرها غير مبالية بعمليات كشف الأسرار فما عاد في عالم التسليح أسرار… الأهمّ هي السرعة في التطوّر والإنتاج، وحشد المزيد من الأوراق في اللعبة واسعة النطاق… الناتو يحيط بجدران موسكو، ولا بدّ من فتح أكثر من ثغرة… القيصر يتحرك، ولافروف يفتح أمامه الأبواب.

الجيش العراقي انتهى، ومصر لن تعود إلى ساحة الصراع، والجيش السوري فقد 50 من قوته المعروفة قبل سنوات… «إسرائيل» تنتصر…! هذا ما يقوله رئيس مركز أبحاث صهيوني ويؤكد أن لا خطر في المدى المنظور على كيانه وحرب 1973 لن تتكرّر…! تل أبيب هي الواجهة وهي الخط الأمامي للصراع مع واشنطن، وإذ تشكل الورقة الإيرانية الجوكر في اللعبة مع الأميركي، تكون أوكرانيا اصبع الألم بالنسبة إلى الكرملين، القيصر منع تكرار اللعبة الأميركية في العراق من تطبيقها على دمشق، فاستحق أن يعاقب، لكن حلفه لا يقلّ شأناً عن حلف الناتو الذي بدأت تتضارب مصالح أقطابه… العقوبات على موسكو لم توفر الألمان ولا الفرنسيين، آلاف الوظائف وفرص العمل فقدها الألمان، وساد شيء من الركود في السوق الفرنسية خصوصاً والأوروبية عموماً بعد امتناع موسكو عن استيراد ما تحتاج من أسواق أوروبا عقاباً لها على مجاراتها الموقف الأميركي… المستشارة الألمانية ملزمة بالإصغاء إلى صوت من تضرّرت مصالحهم من شركات وأفراد على امتداد بلادها، بل وأوروبا أيضاً، هكذا تجد نفسها ملزمة بالبحث عن حلول لمشكلة الصراع في أوكرانيا، الصراع الذي أشعلته الاستخبارات المركزية الأميركية… هولاند لم يتأخر في الالتحاق بها، وينتصر القيصر إلى حدّ ما على الأقلّ…

لكن وزن مصر خصوصاً في عالمها العربي والأفريقي له دوره المستقبلي، الانفراد الأميركي بمصر ليس واقعاً مفروغاً منه، يمكن تحييد مصر على الأقلّ واستمالتها إلى جانب مصالحها الأمنية… اللعبة مكشوفة، وكان «الإخوان» هم الجوكر في يد الناتو، لكنه جوكر سقط… ليس في مصر فقط، بل في كلّ المنطقة والخليج على وجه الخصوص، التركي في دوامة من الضياع، والاستقرار لن يستمرّ طويلاً… انتصار العدالة والتنمية ممثلاً بأردوغان وداوود أوغلو لا يعبّر عن نجاح فعلي، فالنار تحت الرماد وبحاجة إلى النفخ في موقدها ليتداعى الهيكل من الداخل.

مات الملك… عاش الملك، قد تتماهى المصالح الملكية السعودية مع المصالح الصهيو أميركية، ولكن ليس في المطلق، لا بدّ من وجود تضارب، وإذ يستثمر المشروع الصهيو أميركي في تنظيم «الإخوان» فإنّ المحيط العربي، والسعودية بالذات لا يمكنها التماهي مع هذا الاستثمار الذي أسّست له السياسة البريطانية، ونذكر أنّ البريطانيين هم أول من دعم عائلة آل سعود وجمعوا بينها وبين بن عبد الوهاب ونظريته، لكنهم غير مخلصين إلا لمصالحهم، الأميركيون أيضاً يمارسون نفس السياسة… التحريض الصهيو أميركي وإثارة النعرات المذهبية وتوجيه الأنظار لخلق عدو جديد للعرب والسعوديين قد ينجح إلى حدّ ما، لكنه نجاح موقت يتكفل الوعي العام والمخلصين للحدّ من أضراره والوقوف في وجه امتداده… الموت المجاني من بيشاور إلى المتوسط لا يخدم إلا أمن العدو الصهيوني… تتشكل هنا بداية الوعي، يتحوّل الخطاب باتجاه الحوار ووقف الانهيار… مع ذلك لا يستطيع الحريري الصغير الخروج من خطاب هو أقرب إلى تابو انتهى زمنه.

بيروت التي لم تكن بعيدة عن حسابات القيصر، طالها من العناية ما تستحق، هي ليست خارج اللعبة، أن تكون هادئة ومستقرّة تشكل ورقة ساقطة من اليد الصهيو أميركية…! صراخ سمير جعجع لا يتجاوز المستمعين إليه ولا يخرج بعيداً من معراب، المقاومة تأخذ أبعادها، تعمل بحرية وتؤدّي واجبها، وحده سعد يسأل ما الفائدة من قتال الشباب اللبنانيين في سورية ولماذا التضحية بهم…؟ سؤال كان عليه أن يطلقه منذ 2011… وبعدها في معارك بابا عمرو والغوطة والزارة وقلعة الحصن… وسقوط العشرات ممن بعث بهم نواب الشمال، موّلوهم وقدّموا لهم السلاح من أموال الحريري، يومها كان يعيش حالة انتظار نصر قريب موهوم، «يسقط النظام السوري» وتهبط طائرة سعد في دمشق ليعلن النصر…! يومها كانت التضحية بالشباب اللبناني والسوري ذات فائدة… ولكن، لمن؟ الجواب عند سعد… قبل أن تدخل المقاومة إلى ساحة المعركة.

من طرنجة في سفوح جبل الشيخ إلى داعل ومنخفض اليرموك في الجنوب الشامي تنتشر عصابات تحت مسمّيات عدة، «النصرة» «لواء الإسلام» «أحفاد الرسول» و«فدائيو حوران» الخ… وكلهم يعملون بالتعاون مع العدو الصهيوني! هؤلاء جيش لحد جنوب لبنان أيام زمان، المقاومة والجيش السوري وأعني بالمقاومة كلّ من يقف إلى جانب الجيش السوري من أبناء المنطقة، لبنانيين كانوا أم سوريين لا يستهدفون أبناء هذه المناطق المخطوفة، بل يستهدفون جيش لحد الجديد وسيلحقون به الهزيمة، وما على قيادات المعارضة، ومن يقف إلى جانبهم من ساسة في لبنان وخارجه إلا أن يعترفوا بالحقيقة فلا يمارسوا النفاق في القول وهم يدركون، بل عليهم أن يقولوا بوضوح هل هم مع أدوات العدو الصهيوني أم لا، بذلك وحده يستعيدون ثقة أبناء الأمة، بل، يستعيدون حقيقتهم المغيّبة، وما على سعد الحريري، إنْ كان مع الجيش والوطن حقيقة إلا أن يعلن موقفاً من بعض نوابه أمثال خالد الضاهر وعقاب صقر وكلّ من وقف إلى جانب تخريب سورية، أن يطالب برفع الحصانة عن هؤلاء وإحالتهم إلى التحقيق والمحاكمة لينالوا عقاب ما جنته أيديهم بحق اللبنانيين والسوريين على حدّ سواء، على الأقلّ على ما فعلوه في طرابلس، وما لحق بأبنائها من أضرار نتيجة التحريض وتوريط أبناء المدينة في صراع لا ناقة لهم فيه ولا جمل بعد أن ورّطوا الكثير من أبنائهم وأرسلوهم إلى موت حتميّ على يد القوات السورية في صراع لم يخدم إلا العدو باعتراف قياداته ومفكريه وإعلامه على الملأ.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى