ليبيا: الجبهة الجديدة

عامر نعيم الياس

في موقف لافت، وعقب الغارات الجوية المصرية الانتقامية على تنظيم «داعش» في ليبيا، دعت باريس والقاهرة مجلس الأمن الدولي إلى اجتماع طارئ بهدف «إقرار معايير جيدة لمواجهة داعش»، بالتوازي مع حملة إعلامية مكثّفة في الصحافة الفرنسية باتجاهين: الأول، تضخيم خطر «داعش» في ليبيا والحديث المفاجئ المدَعًم بتقارير إعلامية حول هذا التمدد، أما الاتجاه الثاني فإنه يخص العلاقات الفرنسية المصرية المميزة التي يبدو أن العمل يجري على تعويمها بصيغة تحالف دولي جديد عبر الأمم المتحدة من جهة، ومن جهة أخرى التوجّه إلى تعزيز العلاقات الفرنسية المصرية والغمز من قناة الولايات المتحدة الأميركية بعد الصفقة التي وقعتها باريس مع القاهرة في خصوص 24 من طائرات «رافال». هنا لوحظ إجماع الإعلام الفرنسي على «الصفعة» التي وجهتها الصفقة لواشنطن، بالتوازي مع تصريحات رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أمام مجلس الشيوخ يوم الخميس الماضي والتي وُجهت للمرّة الأولى لمهاجمة تنظيم الإخوان في فرنسا، إذ قال: «نحن قلقون من تأثير الإخوان المسلمين كما عدد من الجماعات السلفية التي تنشط في عدد من الأحياء والمدن الفرنسية». قلق يتجاوز العامل الداخلي، إلى التماهي مع وجهة النظر المصرية حول الإسلام السياسي ومنظماته وعلى رأسهم الإخوان.

باريس والقاهرة تريدان التوجه إلى مجلس الأمن الدولي، هنا قد يرى البعض افتراقاً عن واشنطن في الجبهة الجديدة للحرب على الإرهاب، لكن الحالة الليبية، أو الجبهة القديمة الجديدة سلّمت بكامل تفاصيلها للأوروبيين في بداية الحملة لتدمير ليبيا بحجة إسقاط نظام العقيد معمّر القذافي، حتى استنجدت أوروبا بواشنطن التي أمّنت بطائراتها ونفوذها داخل الأطلسي العمليات العسكرية للتحالف بطرابلس. ولعل في دخول واشنطن على لسان الناطقة باسم الخارجية الأميركية على خط العمليات المصرية والتشديد على «عدم علم أميركا بالغارات الجوية على لبيبا» ما يعكس الحال الذي ينتظر التوجه الفرنسي الأميركي داخل مجلس الأمن الدولي. فأي قرار لا يمكن أن يمر من دون رضى واشنطن، بالتالي تجيير العمليات العسكرية في ليبيا إلى تحالف أوباما الانتقائي المتحوّل الذي يلعب دور المايسترو في قيادة الحرب على تنظيم «داعش»، لكن من دون أن يكون التدخل الأميركي في ليبيا بالقوة ذاتها كما في العراق وسورية. فالجبهة الليبية لها دورها ووظيفتها في عملية تبادل الأدوار وتوزيع الحصص والمكاسب في منطقة متغيرة الحدود من شرقها إلى غربها، تدفع القوى العالمية والإقليمية إلى الدخول بقوة على خط تحصيل مكاسب استرتجية وسياسية واقتصادية من عملية إعادة صوغ المنطقة وفق مشهد تميزه الفوضى والرهان على كسر الإرادات بين محاور متناحرة إقليمياً. فالصراع المصري مع قطر وتركيا صار واقعاً على الأرض الليبية في بلد لا دولة فيه، فيما الموقف السعودي حتى اللحظة يكتفي بالمراقبة. وأخرى قلقة دولياً من الضبابية التي تميز السياسة الأميركية ابتداءً من العالم العربي وساحات المواجهة مع الإرهاب الجديد، وليس انتهاءً بأوروبا التي تحاول لجم التصعيد في شرقها والحفاظ على اتفاقية يالطا ورمزية النورماندي في عالم ما بعد «داعش» الذي يبدو أنه ليس كما قبله.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى