شهادة بريجينسكي أمام الكونغرس: فوضى المنطقة سترسم خرائطها
يوسف المصري
قبل عشرة أيام مثل زبيغينيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي الأميركي في عهد الرئيس جيمي كارتر أمام الكونغرس الأميركي وقدم شهادة استمرّت ما يزيد على الساعة، وتحدث فيها عن مجمل أوضاع الشرق الأوسط وما يجب على أميركا فعله حيالها. وفي بعض المحافل اللبنانية تمّ الاستماع إلى هذه الشهادة بالصوت والصورة مسجلة على كاسيت خاص، وذلك بعد أن نصحوا بالاستماع إليها لأهميتها. ما هي أبرز أفكار هذه الشهادة:
أولاً: يقول بريجينسكي إن الدولة القومية بمفهومها الأوروبي كما صيغت خلال بدايات القرن الماضي فشلت وهي تدفن اليوم في الشرق الأوسط بفعل انهيار حدود سايكس بيكو وعدم قابليته للحياة بفعل التطورات الأخيرة. وهو ينصح أميركا ألا تتدخل في إعادة رسم حدود دول المنطقة، بل تترك تفاعلات الأرض هناك تنتج خرائط جديدة وحدوداً جديدة.
كلام بريجينسكي الآنف يؤشر إلى المعنى الذي قاله الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى شهداء المقاومة، حيث قال بالعامية ما معناه المنطقة «تُعجن طالع نازل وعلينا إثبات حضورنا بالميدان».
ثانياً: يقول بريجينسكي إنه يفهم توجّس تركيا من القضية الكردية، ولكن هذا معطى أصبح قائماً. وأضاف بما معناه بحسب ما نقله مرجع سياسي شاهد شهادته، إن تركيا تريد ما لا ترغبه أميركا وواشنطن ترغب ما لا تريده أنقرة. وعليه يجب العمل لإعادة تركيا إلى الدار التركي. أي عودتها إلى داخل تركيا.
تجدر الملاحظة هنا أن ديبلوماسياً أميركياً مخضرماً كان جاء إلى بيروت نهايات العام الماضي، وأبلغ مسؤولين لبنانيين جلهم من 14 آذار خلاصة تفيد أنه يوجد في أميركا نقاش استراتيجي حول الشرق الأوسط، وقد حسم لمصلحة ثلاث ثوابت توجه سياسة واشنطن عندكم أي في الشرق الأوسط وهي «تركيا متدخلة إقليمياً وإيران بنفوذ إقليمي محسوب وإسرائيل مطمئنة». بريجينسكي من جهته يعرض صورة مغايرة ويتحدث عن تركيا مدجنة داخل ديارها، وبالمقابل يقول علينا التعاون مع إيران لحل أزمات المنطقة، فهذه أفضل برشامة لحلّ مشاكلها التي باتت تشكل خطراً على الأمن الدولي وبخاصة قضية خطر «داعش». ويلاحظ أن بريجينسكي في إطار عرضه لوضع القوى الإقليمية الصاعدة في شهادته أنه لم يتطرق لـ«إسرائيل» بأي حرف. وسبب ذلك واحد من احتمالين إما أنه لم يعد يجد لها دور، أو أنه يخشى أن يقول كلاماً يثير غضب الكونغرس عليه، إذ إنه في شهادة سابقه له أمامه وصف نتنياهو بأنه لا يدمّر فقط مستقبل التسوية بل مستقبل «الإسرائيليين» على المدى الطويل، وأن «إسرائيل» لا تستطيع الاستمرار كدولة تقوم على فكرة أن أربعة ملايين يهودي يحكمون ثلاثة ملايين فلسطيني.
ثالثاً: ركز بريجينسكي على خطر «داعش» والإسلاميين الإرهابيين، وقال بما معناه لماذا تقاتل أميركا النظام السوري، فالرئيس الأسد لم يكن لمرة واحدة عنصراً لهز الاستقرار في المنطقة وقتاله الصلب اليوم ضد «داعش» والتكفيريين يعتبر من صمامات الأمان للاستقرار في المنطقة.
نفس فكرة بريجينسكي كان قالها المستشار في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى دينيس روس خلال شهادة أدلى بها قبل عامين أمام الكونغرس حول سياسة الولايات المتحدة تجاه سورية، معتبراً أن الحرب في سورية كان لها أثر على مصالح الولايات المتحدة، فـ«كلما تخطو سورية نحو الهاوية وتنهار الدولة بصورة أكثر ويزداد عدد اللاجئين الفارين إلى الدول المجاورة، يبزغ تهديد جديد بحصول المزيد من عدم الاستقرار في الدول المجاورة لسورية».