الجيش السوري: إخراج «إسرائيل» وعزل تركيا

عامر نعيم الياس

عملية مفاجئة قام بها الجيش السوري والقوات الحليفة في مدينة حلب. تقدّم في الريف الشمالي باتجاه فكّ الحصار عن بلدتَي نبّل والزهراء المحاصرتين منذ تموز 2012، ودخول مجموعات من القوات المسلّحة إلى البلدتين الأسطورة. ضربةٌ عسكرية ومعنوية لعصابات مرتبطة بتركيا حاولت إنهاء أسطورة نبّل والزهراء المنسية في وجه تطبيل غربي إعلامي لعين العرب، لأسباب تتعلق بتقسيم سورية وتطويع أكراد «وحدات الحماية» في الجيش الأميركي المعتدل لسورية. استكمال لتطويق حلب أو حصار الأحياء الشرقية التي تتموضع بها عصابات تدمير البشر والحجر في العاصمة الثانية للبلاد. فالجيش السوري حرّر باشكوي وحردتنين وريتان ويتقدّم باتجاه تطهير كلٍّ من تل مصيبين ودير الزيتون كفرتونة ومسقان وبيانون عاصمة الإخوان المسلمين في حلب.

جبهة جديدة فُتِحَت بقوة وباستعداد يتجاوز عنصر المفاجأة إلى العملية العسكرية المنسّقة بتوقيت سياسي صائب سبق بساعات بيان ستيفان دي ميستورا، المبعوث الأممي الخاص إلى سورية، أمام مجلس الأمن الدولي الذي أعاد فيه التأكيد على أن «النظام السياسي في سورية جزء من الحل»، رابطاً عبارته بدليل عمليّ على «موافقة الحكومة السورية على خطة تجميد القتال في حلب عبر وقف القصف الجوي على المدينة مدة ستة أسابيع». دليلٌ ينقل الكرة إلى ملعب القوة المعادية لسورية وعلى رأسها أنقرة التي يعزلها طوق حلب أو بالأحرى حصار الأحياء الشرقية، عن ميليشياتها بالقدر ذاته الذي يعزلها فيه عن محيطها. هنا برز تطور إعلان الرئيس الأرمني سيرج سركيسيان إلغاء الاتفاقات الموقعة مع تركيا، وتوضيح واشنطن أن الاتفاق مع أنقرة يشمل فقط «تدريب» لا «تسليح» المجموعات المرتبطة بالغرب على الأراضي التركية وبهدف محاربة «داعش». هنا تدخل واشنطن على خط تطويع استراتيجية أنقرة ولو على الصعيد العلني في خط محاربة «داعش» لا إسقاط الدولة في سورية. إذاً في الشمال، وتحديداً شمال العاصمة الثانية للبلاد، نحن أمام مشهد عزل تركيا وحزبها الإسلامي. فالأمم المتحدة تريد تجميد القتال في المدينة، والحكومة السورية أعطت الضوء الأخضر المعزّز بتطوّر ميداني ينقل تجربة الحصار من حمص إلى حلب وبرعاية أممية. الأمر الذي يفتح المجال امام إسقاط سيناريو حمص على حلب إن أمكن، أو العودة إلى الخيار العسكري عبر القضم المتدرج لمناطق تموضع الميليشيات القاعدية والإخوانية في الأحياء الشرقية لحلب تمهيداً أيضاً لتسوية على الطريقة السورية تكون فيها الأمم المتحدة راعياً مراقباً كما جرى في مدينة حمص.

في الجنوب، وقبل عشرة أيام من مفاجأة الشمال، تحرّكت القوات السورية معززةً بحلفائها في المقاومة على خطّ ريف دمشق ـ درعا القنيطرة كاسرةً قواعد الاشتباك، مستغلةً المأزق الاستراتيجي للكيان الصهيوني الذي استنجد هو الآخر بالأمم المتحدة. تغييرٌ للواقع الميداني في المنطقة الجنوبية أو الجبهة الصغيرة يمهّد لإخراج «إسرائيل» من المعادلة السورية. فالمنطقة العازلة فشلت، والعصابات المرتبطة بـ«تل أبيب» ستتحول إلى عبء ليس إلا. وبالتالي، الواقع الميداني المتدحرج سيفرض على «تل أبيب» حياداً على طريقة فريق الرابع عشر من آذار في لبنان بعد معركة القصير.

تحرّك الجيش السوري على جبهتين هما الأكثر حساسية وخطورةً على الاستقرار في سورية. هما روح الاستنزاف المستمر منذ أربع سنوات والذي يدرك محور المقاومة قبل غيره استحالة استمراره. وهو ما أدّى إلى التحرك السريع والهجوم المركّز على «تل أبيب» وأنقرة. الأولى لإخراجها من المعادلة، والثانية لعزلها ليس فقط عن الداخل السوري، بل لعزلها على مستوى الرؤية السياسية الجديدة لشكل الحل المؤجَّل في سورية، حلٌّ مع الأسد.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى