هل يجد الإرهابيون أنفسهم في بطالة…؟

راسم عبيدات

من الوضح جداً أنه بعد ما سمّي بـ«الربيع العربي» نشطت سوق العمل بالنسبة إلى المجموعات الإرهابية على مختلف مسمّياتها، فهي ترجع إلى المنبت نفسه والمتعهّد الرئيسي ومجموعة من المقاولين الفرعيين. كلّ يدعم بطريقة أو أكثر تلك المجموعات، وعلى كلّ منها أن تؤدي دورها على أكمل وجه، وإلا فهي لن تتلقى أتعاباً ولن يكون لها دور أو نفوذ أو حماية، لقاء ما تقوم به من أعمال وخدمات القتل والذبح والتدمير والتخريب والاقتلاع والطرد والتهجير والتفتيت.

إنّ الأميركيين هم أصحاب هذا المشروع، مشروع الفوضى الخلاقة، ولكي ينجح مشروعهم ويتمدّد ويستمرّ في خدمة مصالحهم وأهدافهم، فتبقى المنطقة تحت سيطرتهم ونفوذهم وتبقى «إسرائيل» قوية ومسيطرة، لا بدّ من تجنيد العصابات الإرهابية وإيجاد أدوات وتوابع عربية وإسلامية تتولى تنفيذ هذا المشروع، بحيث ينتج عنه تقسيم وتجزئة الجغرافيا العربية، ومن ثم إعادة تركيبها مرة ثانية، على أساس المذهبية والطائفية والثروات، ما ينتج كيانات اجتماعية هشة وهزيلة مرتبطة بأحلاف أمنية مع أميركا و«إسرائيل» والغرب الاستعماري ولا تملك سيادة ولا قراراً.

ضمن هذه الرؤية طبخت مطابخ «سي آي أي» ومراكز الأبحاث والدراسات، الاستراتيجية الأميركية المتمثلة بهذا المشروع، وحدّدت واختارت المقاولين الفرعيين للتنفيذ، بحيث يشارك مشايخ النفط في الخليج، في تمويل وتسليح الإرهابيين وضخّ احتياط بشري زائد عن حاجة كلّ الدول من «إرهابيين» و«مجرمين»، فيما تعدّ تركيا قواعد تدريب وتقدم المساعدة من جوانب استخباراتية ولوجستية وتفتح الحدود لدخول هؤلاء الإرهابيين المتأسلمين المتسترين بالدين من أجل تشريع ما يقومون به من ممارسات لا تمت إلى أي دين بصلة.

بدأ ضخّ المجموعات الإرهابية إلى ليبيا، بالاستعانة بالقوات الأطلسية، فتمّ القضاء على نظام القذافي وسيطرت تلك القوات على النفط والغاز، وتحولت ليبيا إلى ساحة للصراعات تسيطر عليها الميليشيات والعصابات والمافيات السياسية والقبلية، لم تعد هناك دولة مركزية، بل ميليشيات تتصارع على السلطة والنفوذ والمراكز والثروات. ثم جرى ضخّ احتياط بشري كبير، وصرفت مئات الملايين من الدولارات، وتمّ شراء أحدث أنواع الأسلحة وتسخير أساطيل الإعلام، من «جزيرة» و«عربية» وغيرها، من أجل كسر الحلقة المركزية التي يستهدفها هذا المشروع، ألا وهي سورية. ورغم كلّ الإمكانيات والطاقات والقوات والمجموعات الإرهابية التي استقدمت إلى سورية، على مدار أربع سنوات، فإنّ كلّ ذلك لم يؤدي إلى كسر تلك الحلقة، رغم كلّ التغييرات التي طالت المتعهدين الرئيسيين الذين أوكلت إليهم مهمة الإجهاز على سورية، ورغم تغيير الأدوات والمسميات من ما يسمى بـ«الجيش الحر» إلى «جبهة النصرة» فـ»القاعدة» فخلافة «داعش» التي حصلت على الدعم الخارجي وتم مدّها بكلّ مقومات القوة من أجل تحقيق مشروع الفوضى الخلاقة وإعادة تركيب الجغرافيا العربية وفق المخطط المرسوم.

لكنّ تلك المجموعات الإرهابية تراجعت بعد ما حققته من تقدم في البداية، حيث نشهد الآن أنّ الجيش السوري والقيادة السورية يستعيدان زمام المبادرة والسيطرة على الأرض، ويقومان بتطهير الأرض السورية من المجموعات الإرهابية. وفي العراق نشهد أنّ القوات العراقية بدأت إعادة تنظيم وهيكلة نفسها وطرد قوات «داعش» من المدن والبلدات التي سيطرت عليها، وهذه مؤشرات جدية على أنّ تلك المجموعات التي ستعيش بطالة في العراق وسورية، بعد تمكن النظامين من القضاء عليها، وهذا يتطلب أن تجري عمليات توظيف جديدة لتلك المجموعات لكي تستمرّ في تنفيذ المخطط المرسوم لها في تدمير الوطن العربي، والقضاء على جيوشه المركزية من أجل تدمير أي حالة نهوض عربي نحو إعادة توحيد العرب وصهرهم ضمن مشروع قومي عربي واحد.

لذلك جرى التحرك نحو الجبهة المصرية، وتحديداً سيناء، حيث المكان الآمن لكلّ المجموعات الإرهابية والقتلة والمجرمين، فاتفاقية «كامب ديفيد» تحدّ من حرية الحركة للجيش المصري في سيناء، وتمنعه من الدخول إليها بالأسلحة الثقيلة والدبابات من دون تنسيق معها وموافقتها، ومن هنا رأينا كيف استغلت تلك المجموعات الإرهابية هذا الوضع، وشنت هجمات عسكرية واسعة ومنظمة ومدعومة على العديد من مقرات وثكنات الجيش المصري مخلفة عشرات الشهداء والجرحى في صفوفه، وهذا ما جعل القيادة المصرية تتخذ سلسلة من الإجراءات والخطوات الحاسمة نحو شنّ حرب شاملة على أوكار ومراكز تلك العصابات الإرهابية، حتى القضاء عليها.

هناك متغير هام جداً سيجعل الإرهابيين يعانون من بطالة، هو عملية مزارع شبعا التي نفذها حزب الله والتي أعادت تصويب البوصلة نحو فلسطين ونحو العدو المركزي «إسرائيل»، لأنها تقضي على الخطة الأميركية بتدمير المشرق العربي وتجزئته لمصلحة «إسرائيل» وتسحب من التداول مشاريع الفتن الطائفية والمذهبية، وتؤسّس لانتهاء عصر التنظيمات السلفية التكفيرية لانتفاء الحاجة إلى خدماتها، فتصبح تلك التنظيمات أهدافاً سهلة للأنظمة العربية. وقد يجد الإرهابيون أنفسهم في موسم بطالة، مسبق، إذا ما تعثر مشروعهم في الشرق الأوسط. فأوروبا تراقبهم وأميركا تطردهم وكذلك روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، من دون نسيان مصر. حتى الدول الداعمة لهم ليست في وارد استقبالهم بعد انتهاء وظائفهم.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى