واشنطن دي سي… امرأة مجروحة بأنوثتها بفعل «الجنتل مان» الروسي 2
محمد احمد الروسان
… تعتمد روسيّا تكتيك النفس الطويل، وهذا هو نفسه سيناريو القرم الذي انتهجته موسكو، حيث الجيش الروسي تمترس خلف الحدود وترك الساحة للحلفاء في الداخل القرمي القرم ، مع دعم سياسي ومادّي ومعنوي وعسكري وإعلامي، وذات السيناريو سيكون مع مناطق شرق وجنوب أوكرانيا، وفي حال تفاقمت الأمور في الشرق الأوكراني وجنوبه، فإنّنا سنكون أمام قرم آخر ينظم للفدرالية الروسية، وأثر ذلك على أوروبا والعالم سيكون وخيماً، حيث تتشجّع الحركات الانفصالية وتطالب بالانفصال، مما يقود الى حالة من عدم استقرار وثبات الدول وحدودها الجغرافية… انّها لعنة اقليم كوسوفو مرةً أخرى.
وما مسألة انخفاضات في أسعار النفط في العالم الآن، ما هي الاّ أحد مظاهر الارتباط الوثيق بين الحرب المزعومة على الإرهاب وعروقه في المنطقة، وبين الأهداف الاقتصادية الأخرى لهذه الحرب المزعومة غير المقنعة إلاّ لمن هو شريك بها.
وتعتقد أميركا ومن يوحي لها بهذا الاعتقاد، أنّ تخفيض سعر النفط سوف يؤثر على إيران وروسيا وفنزويلا، وبالتالي على سورية، وأنّه شكل آخر من أشكال العقوبات الاقتصادية، وقد يكون ذلك صحيحاً في أحد مآلاته وله تأثيرات محدودة الى حدّ ما، مع استفادات صينية عميقة موقتة لهذا التخفيض حيث الأخيرة أخطر أعداء واشنطن هكذا تصوّرها أميركا، وحيث بكين أكبر دولة تستورد النفط لحاجاتها له ولنمو اقتصادها وصناعاتها، ثم ستعود واشنطن من جديد الى رفع أسعار النفط لضرب الاقتصاد الصيني من جديد، فتستفيد روسيّا وإيران وحلفاء واشنطن وهكذا دواليك، هذه لعبة أميركية مزدوجة بنتائج سلبية وإيجابية على الجميع بما فيها أميركا نفسها، للمحافظة على التوتر في العالم وجعل أميركا ضرورة شيطانية لا بدّ منها.
لكن في المقابل تناسى من يقف وراء هذا الانخفاض لسعر النفط، أنّ الكثير من الدول الحليفة لواشنطن تتكبّد خسائر فادحة بما فيه الاقتصاد الأميركي نفسه، حيث مشاريع الطاقة البديلة الكبرى في الداخل الأميركي والتي تمّ الترويج لها سابقاً، ستصبح غير ذي جدوى بالمعنى الاقتصادي مع انخفاض سعر النفط، وبالنتيجة الخسائر ستلحق تباعاً بالاقتصاد الأميركي الذي يعاني بعمق من ركود وحالات تضخم مالي كبير، كما سيتضرّر الجميع من الدول في منظومات العلاقات الدولية في الأمن والسياسة والديبلوماسية.
ومرةّ ثانيةً قامت أميركا بلعبة تخفيض أسعار النفط رغم خسارتها من الصخر الزيتي، لغايات ضرب روسيّا وايران وفنزويلا بضربة واحدة مع دفع دول المشيخات العربية إلى مواصلة ضخ النفط لإغراق السوق، حيث للولايات المتحدة الأميركية استراتيجية صامتة تسعى إلى تجربتها في المنطقة العربية والعالم، بعد أن فقدت استراتيجياتها الحالية أقدامها بما فيها استراتيجية الوقت التي تراهن عليها الآن في حربها المزعومة على الإرهاب، بأن ينتج عن ضرب مجتمعات الدواعش منظومات صديقة لها.
انّ مضمون استراتيجية الصمت الأميركية هي وقود بشري، ووسائل جاهلية، تستخدم الدين والمذهب، والقبيلة والاقتصاد والفقر، كقنابل في الحرب العالمية الثالثة أهمّ من النووي والكيميائي، عبر الصراعات الاثنية والعرقية والقوميات المختلفة في كلّ المنطقة الشرق أوسطية لإنشاء دويلات اثنية وقومية متصارعة.
تحاول كلّ من الولايات المتحدة الأميركية والسعودية إفلاس روسيّا، من خلال تخفيض سعر النفط، فنتائجها الإيجابية على واشنطن كما تعتقد في إطار السياسة والعسكر والاقتصاد والتأثير أكبر من السلبيات وممكن لها في الحدّ الأدنى وعبر لعبة الطاقة وأسعارها هذه، أن تجعل حياة الروس وإيران صعبة دون التمكن من إنهائها.
حيث الأهداف مزدوجة لكلا العاصمتين السعودية والأميركية، فالسعودية تدفع إيران الى حالة من الاحتضار والموت البطيء، بسبب خفض أسعار النفط ونوع من العقوبات لدفعها الى اتفاقات تسعى إليها الرياض في جلّ الملفات السوريّة واليمنيّة والعراقية واللبنانية والفلسطينية بما يتفق ومصالحها.
في حين تسعى واشنطن دي سي الى حالة من توتير العلاقات بين الرئيس فلاديمير بوتين، مع النخبة الروسية السياسية الحاكمة والمؤسسات التجارية كركيزتين أساسيتين من ركائزه السياسية الداعمة له ولمنظومة الحكم الروسية، بالرغم من أنّ مفاعيل وتفاعلات هذه الضغوط لن تغيّر شيئاً يذكر من آليات استراتيجيات الصراع الروسي الأميركي التي ينتهجها ويجيد عملها الرئيس فلاديمير بوتين، وان كانت تدفعه الى الميل نحو المزيد من الهدوء والبراغماتية السياسية دون التراجع قيد أنملة في ما يجري في سورية والمنطقة، وعن دعم النسق السياسي السوري والى آخر نقطة ولحظة حياتية.
ولا ثمّة خطب ومفارقة في تفضيل موسكو وايران لسعر برميل النفط في أن يكون بحدود مائة أو أكثر، لغايات المحافظة على التوازن المالي في ميزانيتهما، حيث قد تضطر إيران مثلاً في حال استمرّ سعر النفط بالتراجع الى رفع أسعار النفط ومشتقاته في الداخل الإيراني، وهذا من شّأنه أن يقود الطبقة الوسطى هناك الى مزيد من الدفع المالي كأثمان اقتصادية ومالية مقابل برامج الحكومة الاقتصادية المختلفة والتي يستفيد منها الفقراء.
بعبارة أخرى التعويض عن الخسائر الاقتصادية، مقابل نتائج سياسية في الداخل الإيراني ربما لن تكون الى جانب حكومة الرئيس حسن روحاني، إنْ لم تتداركها الدولة الإيرانية بحكمة وذكاء وصبر كحياكة السجّادة الإيرانية المشهورة، والتي تتطلب صبراً وحكمة وذكاء مع القدرة على تقطيع الزمن والذي هو نتاج مدرسة الوقت والزمن السورية.
من جهة أخرى، وفي ظلّ لعبة تخفيض أسعار النفط التي تلعبها واشنطن والبلدربيرغ الأميركي جنين الحكومة الأممية ، فإنّ الكثير من أمة اقرأ التي لم تعد تقرأ، وصارت في ذيل القوائم وتطالب بعنف وعبر ثقافة الموت بحق اللجوء الى العدم من جديد، بعدما أضحى موردها البشري العرب مجرّد خردة بشرية في مستودعات الأمم وثقافاتهم، ثقافة الديناصورات وجمهورياتهم عرجاء وعمياء، حتّى مملكاتهم ذوات حمل رضيع بالمعنى الآخر، فإنّ مستقبل الاقتصاد العالمي يا عرب مرهون بالتطورات في القطب الشمالي وليس هنا، فمع ذوبان الجليد هناك تتعزّز فرص الاستغلال الاقتصادي، حيث المعلومات تقول إنّه ومنذ عام 1979 خسرت المنطقة أكثر من 45 من جليدها القاري، والصراع بدأ هناك منذ بدايات التسعينيات من القرن الماضي، صراع ساخن على منطقة القطب الشمالي والتي تضمّ أطرافاً من أوراسيا وأميركا الشمالية بمساحات تزيد عن 27 مليون كم مربع، رغم صقوعة وبرودة الطقس، فمن يسيطر على أوراسيا يا عرب يسيطر على قلب العالم.
والجليد يذوب هناك نتيجة الاحتباس الحراري، وتضارب المصالح الاستراتيجية بين الدول المحيطة بالقطب الشمالي تتفاقم بين روسيّا وواشنطن وكندا والنرويج والدنمارك، وتجدر الإشارة الى أنّه في عام 1996 قامت الدول الخمس إلى جانب كلّ من فلنندا وايسلندا والسويد بتشكيل مجلس المحيط المتجمّد الشمالي، وتقول المعلومات يا عرب، أنّ الصين سوف تنضمّ اليه كعضو مراقب خلال الشهور المقبلة.
ويجري صراع عميق بين الدول الخمس وأخرى حول من يملك سلسلة لومونوسوف الجبلية المغمورة بالماء، وهي على طول مليون ونصف مليون متر مربع، حيث أكّدت الدراسات الأوليّة الجيولوجية أنّ هذه السلسلة الجبلية هي تتمة تركيبيّة للقاعدة القارية السيبيريّة التابعة لروسيّا، امتداد هذه السلسلة الغنيّة بالمواد الأوليّة وبالموارد الطبيعية تقريباً 20 كم مربع في القطب الشمالي لوحده والصراع يجري حولها بين الدول المحيطه بالمنطقة.
الروس عزّزوا وجودهم هناك في استمرار، فهذه المنطقة بالنسبة لهم هي مفتاح المصالح الوطنية والاستراتيجية الروسيّة، ومسألة توسيع الوجود الروسي هناك مسألة أمن قومي روسي، كما أنّه وأبعد من مسألة المواد الأولية في هذه المنطقة، تسعى موسكو الى تأكيد سيطرة عسكرية لها هناك بصدى سياسي، وهذه تعدّ أحد أوجه الحرب الباردة الجديدة بفعل الحدث السوري والأزمة الأوكرانية، وتعدّ ضمانة للأمن القومي الروسي ومجالاته الحيوية.
الفدرالية الروسية بنت مواقعها وعزّزتها في المنطقة القطبية الشمالية خطوة خطوة على مدى عقود يا عرب، وانتم مشغولون بفلان طويل وفلان قصير وبتجذير وتبني فكر ابن تيميّة الإقصائي التكفيري، ومدرسة الوهّابية الدين التلمودي الجديد. والهدف يا عرب بالنسبة إلى روسيّا ليس استعادة تلك المنطقة فحسب، بل تقويتها بشكل نوعي عبر الوجود العسكري والنووي والاستخباري.
ومقابل هذا التفاعل الروسي مع مجالات الأمن القومي للفدرالية الروسية قابله نشر واشنطن يا عربان لأكثر من 30 ألف جندي أميركي في ألاسكا لتوسيع الفهم الولاياتي الأميركي للبيئة القطبية الشمالية وتعزيز وجودها فيها.
وهل بدأت العاصمة الأميركية واشنطن دي سي وعبر نواة دولتها البوليسية العميقة البلدربيرغ جنين الحكومة الأممية ، بإعادة صناعة برّاداتها السياسية الخاصة ومكعبات ثلجها من جديد، لغايات إطلاق مسارات حربها الباردة الجديدة القديمة مع روسيّا؟ هل مسارات إنتاجاتها المخابراتية بدأت في خلق وتخليق مومياءات حكم للعديد من دول العالم الثالث ما بعد مرحلة ما سُميّ بـ«الربيع العربي»؟
في أي سياق سياسي وأمني وعسكري تجيء تصريحات رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي الأخيرة، بخصوص خطط ودراسات العسكريين الأميركيين لجهة خيارات تفعيل خطة عمل لم يكن يتضمّنها جدول الأعمال منذ حقبة الحرب الباردة، عبر تمركز العسكريين ونشر خطوط الاتصال والاتصالات البحرية بالتنسيق والتشاور مع حلف شمال الأطلسي، بجانب افتتاح طاولة جلسلت العصف الذهني ومناقشة تقديم مساعدات عسكرية لسلطات كييف الجديدة بصورة مكثفة؟ ولماذا أكّد وذكّر الجنرال مارتن ديمبسي على أنّ أساس وجود «الناتو» كحلف هو لتحقيق الاستقرار وقمع العدوان السوفياتي الفدرالية الروسية حالياً؟
هل نجحت واشنطن في جعل الأزمة الأوكرانية بمثابة طعنة نجلاء في خاصرة الروسي، رغم استقلال القرم عبر استفتاء شعبوي نزيه وعودتها الى الحضن الفدرالي الروسي من جديد؟ ولماذا كان الجنون الأميركي والغربي مركباً ومتعدّداً بعد عودة القرم الى الروسي؟ ألا يمكن اعتبار تسمية كييف رسمياً عضواً في الاتحاد الأوروبي الغربي بمثابة جنون مطبق لا متقطع، والاتحاد الأوروبي هو بمثابة الوجه المدني الناعم لحلف شمال الأطلسي؟ وألا يمكن اعتبار بريطانيا العظمى ودورها بمثابة حصان طروادة الأميركي و«الإسرائيلي» في الداخل الاتحادي الأوروبي؟
وهل نحن أمام ريح عقيمة هبّت لتحمل معها لفحات تنذر بحرب باردة، من شأنها ومآلاتها أن تجمّد كلّ التفاهمات والحلول في العديد من الساحات؟ ألا يمكن اعتبار سورية الصاعدة والعراق الساخن وغزّة النازفة وأوكرانيا غير المستقرة والصراع على ثروات آسيا الوسطى، والصراع على القطب المتجمّد الشمالي بمثابة السداسية القاتلة وستكون محور كلّ الحكاية الباردة؟ من سينتصر على من في النهاية، الجليد السيبيري أم ثلوج ولاية آلاسكا؟ وهل لنا أن نكيّف تذكير الجنرال العجوز مارتن ديمبسي بالهدف الذي أنشئ من أجله حلف شمال الأطلسي بمثابة إعلان عداء لنواة الاتحاد الروسي؟ ما هي مديات عدم سماح الأميركي للروسي بالتمدّد في العديد من الساحات؟
هل ستستثمر واشنطن وبلدربيرغها ومجتمع استخباراتها، وبالتعاون مع مجتمعات المخابرات الغربية و«الإسرائيلية» وبعض مجتمعات مومياءات الاستخبار العربي، في استغلال الجمهوريات الإسلامية أو التي يتواجد فيها مسلمون لإثارة القلاقل والمشاكل حول روسيّا؟ في المحصّلة ستلجأ الولايات المتحدة الأميركية وجلّ حلفائها من بعض غرب وبعض مومياءات الحكم العربي بإسناد «إسرائيلي» لدعم مكثف ومتعدّد لكييف عسكرياً وسياسياً ولوجستياً واقتصادياً وديبلوماسياً وإعلامياً، وسوف تزداد العقوبات على موسكو وستجهد أوروبا في البحث عن مصدر آخر للغاز إنْ أمكن، وستحسم بقوّة بعض الملفات داخل نواة الإدارة الأميركية وداخل المجمّع الصناعي الحربي الأميركي، كون أيّ تباطؤ هنا أو تلكؤ هناك سيعني تقدّماً وانطلاقاً روسيّاً الى الأمام خاصةً في سورية والعراق وأوكرانيا وإنْ شئت الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» حالياً الى حدّ ما ولاحقاً بعمق.
محام، عضو المكتب السياسي للحركة الشعبية الأردنية
www.roussanlegal.0pi.com
mohd ahamd2003 yahoo.com