أوروبا: «ليبيا اولاً»… وأميركا: «أوكرانيا أولاً»
يوسف المصري
اجتماع مجلس الأمن لبحث التطورات الخطرة في ليبيا التي استفحلت بعد ذبح «داعش» المواطنيين المصريين القبطيين وقيام سلاح الجو المصري بشنّ غارات انتقامية على مواقع الأخيرة في ليبيا، لم تسفر عنه قرارات ترضي القاهرة او حتى السعودية او حتى الأوروبيين وخصوصاً أولئك المجاورين لليبيا على الضفة الاخرى من المتوسط، كمثال إيطاليا وغيرها. سبب الاحباط العربي – الاوروبي يعود الى موقف واشنطن المصرّة على أنّ الوقت لم يحن بعد لقسم ظهر «داعش» في المغرب العربي. وبديل روزنامة التوقيتات الأميركية المتمهلة في ضرب «داعش» في ليبيا، هو روزنامة عمل مصرية مؤيدة من دولة الإمارات والسعودية وروسيا ودوّل أوروبية ليست فرنسا خارج نطاقها. ويريد هؤلاء تجريد حملة برية – جوية ضد «داعش» في ليبيا يكون لجيش حفتر الدور الأقوى فيها. وهذا الاتجاه في غايته الأساسية هو الدعوة الى تشكيل ائتلاف أوروبي – عربي لمكافحة الارهاب، تكون سمته الاساسية انه متوسطي الطابع، اي انه يجمع جهد كل الدول المتشاركة في التواجد على ضفتي المتوسط العربية والاوروبية.
والواقع ان مهمة ستيفان دي ميستورا الأخيرة في سورية والتي حملها الى مجلس الأمن لإطلاعه على حيثياتها، كان ذات صلة بفكرة «الحرب المتوسطية» المقترحة إن جاز التعبير ضد الإرهاب التكفيري الداعشي وغير الداعشي في الشرق الأوسط. وفي آخر اجتماع لوزراء الاتحاد الأوروبي في الشهر الأخير من العام الماضي، برز اقتراح داخل كواليسه من قبل بعض دوله ومن بينها فرنسا، لإطلاق ما يعرف بخيار «ليبيا اولاً». مفاد الفكرة ان يتم إنشاء جهد دولي يضم كل العالم من أميركا حتى روسيا مروراً بدول منطقة الشرق الأوسط، وذلك باتجاهين تكون ليبيا نقطة انطلاقتهما: توجيه دولي لمكافحة الإرهاب عسكرياً في الشرق الأوسط انطلاقاً اولاً من ليبيا. وتوجيه جهد سياسي دولي مماثل لحل كل الأزمات الناشئة عن نثر مسار الثورات العربية، وايضاً انطلاقاً من ليبيا.
لماذا ليبيا؟
لأنها الأقرب الى أوروبا، وبالتالي تعاظم شرور التكفيريين فيها سيطاول لا محالة القارة العجوز.
لأن ليبيا أيضاً وأيضاً هي المكان الأنسب لإعادة جمع رأسي موسكو وواشنطن على وسادة واحدة ضد الإرهاب ولمصلحة إنشاء تسويات للأزمات المتعاظمة في معظم دول الشرق الأوسط.
وفي ذهن القائلين بهذا الخيار وفي صلبهم باريس المتوجسة من انتقال ارهاب «داعش» اليها، هو ان العمل الدولي في ليبيا بمسودته الأوروبية بعض دوله الجديدة المقترحة سيفيد في إعادة الثقة بين اميركا وروسيا لتعزيز مشاركتهما في مكافحة الإرهاب. معروف في هذا السياق ان موسكو تعتبر ان واشنطن كانت خدعتها عندما طلبت منها مساندة قرار لمجلس الأمن بالتدخل في ليبيا على نحو محدود، لكن «الناتو» استغل هذا القرار ونفذه على نحو ابعد مما قصده التفاهم الروسي – الأميركي بخصوصه. وخلق ذلك لدى الرئيس الروسي بوتين ما يسمى «بعقدة الخداع الأميركي في ليبيا»، وعليه فهو حرص على ألا يسمح للرئيس الأميركي باراك اوباما بتكرار خدعته الليبية في سورية، وهذا ما يفسّر جانباً مهماً من إصرار موسكو على عدم تغطية اي قرار في مجلس الأمن بالتدخل الدولي في سورية. وبنظر دول في الاتحاد الاوروبي فإنّ إفساح المحال امام تجربة دولية شاملة لمكافحة الإرهاب في ليبيا لن يؤدي فقط الى استباق الخطر الإرهابي الآتي من شواطئ المشرق العربي الى أوروبا، بل سيؤدّي أيضاً الى جعل روسيا تخرج من عقدة خدعة «الناتو» لها في ليبيا، وسيؤسّس هذا لتصحيح العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية على مستوى ملف مكافحة «داعش» في كل الشرق الأوسط. بمعنى آخر فإن مقولة «ليبيا اولاً»، تقصد إرساء تجربة تعاون جديد روسي – اميركي ضد الارهاب وذلك في الساحة عينها التي فشلت فيها تجربة تعاونهما لحل الازمة الليبية قبل اسقاط القذافي وقادتهما لحالة الفراق الكبيرة بخصوص مقاربتهما للازمة السورية.
وتستبطن خطة «ليبيا اولاً» كما عرضت في كواليس آخر اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي، ان يمهّد التوافق الدولي على مقاربة موحدة للازمة الليبية وكيفية كبح الإرهاب هناك، للقيام بخطوة تالية تتجه بموجبها قافلة هذا التوافق الدولي الى سورية، حيث يفترض ان تبني على نجاحات منتظرة لمبادرات دي ميستورا الخاصة بإبرام مصالحات متدحرجة تبدأ من حلب بين المعارضات المحلية والحكومة في المناطق السورية. طبعاً على ان يلحظ هذا المسار تصحيح خطأ «الناتو» في ليبيا، الذي أشار اليه الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي علانية حينما قال لقد اسقط «الناتو» النظام في ليبيا لكنه لم يكمل مهمة بناء دولة تمنع الفوضى ومع الاعتراف بأن الأسد هو جزء من الحل.
وقبل ايام عاد دي ميستورا من مهمته السورية وأعلن موافقة الحكومة السورية على خطته عن هدنة حلب. وفي التوقيت نفسه تقريبا اجتمع مجلس الأمن لبحث خيار ليبيا اولاً، وان لم يتم طرح هذا المصطلح علناً. ولكن المشكلة تبقى في ان واشنطن لديها رزنامة توقيتات مغايرة في شأن توجيهها لمنسوب حدة المعركة ضد «داعش» سواء في سورية او في العراق أو في ليبيا وايضاً مصر:
التوقيت الأول يتعلق بأنه لا يوجد لها مصلحة في هذا الوقت بإعلان اعترافها بخطئها في ليبيا كثمن لتصحيح العلاقة مع موسكو وفتح صفحة تعاطي جديدة مع المشهد الثاني من الثورات العربية الذي اصبح يتصدره عنوان ضرورة اسقاط «داعش» بعد ان كان ضرورة اسقاط الأنظمة. وفي هذا السياق تناور واشنطن من اجل تطوير المشروع الاوروبي ليتضمن نوعاً من المقايضة بين ليبيا وأوكرانيا. بمعنى آخر جعل المصطلح «ليبيا واوكرانيا اولاً»!.
التوقيت الثاني المؤجل بالنسبة الى اميركا يتعلق بإبطاء القضاء على «داعش»، وجعل مسار حرب الائتلاف الدولي ضده يسير على إيقاعات مفاوضاتها مع ايران بخصوص ملف الاخيرة النووي.
باختصار واشنطن تؤجل حسم المعركة مع الارهاب في الشرق الأوسط في مقابل أنّ أوروبا بدأت تشعر بأنّ الإبطاء الأميركي يمنح الإرهاب وقتاً ثميناً والتشظي باتجاهها.