اليمن: امتحان عسير للسياسة الأميركية

حميدي العبدالله

يمثل اليمن ساحةً لامتحان عسير للسياسة الأميركية. فمن المعروف أنّ الولايات المتحدة والحكومات الغربية، لا تقبل بأقلّ من السيطرة الكاملة على أيّ منطقة أو دولة تمثل موقعاً جيواستراتيجياً أو جيوسياسياً مهماً. واليمن من الدول التي تحتلّ مثل هذا الموقع المزدوج، فهو من جهة يمثل موقعاً جيواستراتيجياً كونه يتحكم في مضيق باب المندب الذي يربط البحر الأحمر بالبحر الأبيض المتوسط والمحيط الهادي. ويحتلّ موقعاً جيوسياسياً مهماً كونه يقع على تخوم الممالك والإمارات الخليجية حيث الثروة النفطية والمصالح الغربية الضخمة، ولأنّ اليمن يمثل أكبر تجمّع سكاني في منطقة شبه الجزيرة العربية، فإنه مهيّأ موضوعياً لأن يلعب دوراً هاماً في أحداث المنطقة، لا سيما أنّ القوى المؤثرة والفاعلة فيه ليست قوى منضبطة بالسياسة الغربية.

فالحراك في اليمن الجنوبي يسعى إلى إحياء دولة الجنوب، ويحتل الحزب الاشتراكي اليساري الثقل في هذا الحراك، ومعروف أنّ الحزب الاشتراكي، و«جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية» التي كانت قائمة قبل الوحدة، هي حليفة للاتحاد السوفياتي وليس للحكومات الغربية، وهناك تنظيم «القاعدة» الذي يشكل تهديداً للسعودية نظراً إلى كثرة السعوديين فيه ولقربه من المملكة، ويسيطر على أجزاء واسعة من الجنوب، فضلاً عن اللجان الثورية التي تجاهر بسياسة مستقلة عن السياسات الغربية والتي كانت تردّد شعار «الموت لأميركا الموت لإسرائيل» تسيطر على غالبية أجزاء اليمن الشمالي.

ويمكن القول إنّ الجماعات والقوى التي تؤيّد سياسة الولايات المتحدة هي الأضعف في اليمن، بل إنها غير موجودة على الأرض فعلاً.

هذا الواقع يضع السياسة الأميركية والغربية أمام خيارات صعبة، فدعم قوى ضعيفة ضدّ خصوم أقوياء مثل الحوثيين والحراك الجنوبي و«القاعدة» لن يقود إلى أيّ نتيجة عملية، والقيام بغزو عسكري خارجي أمر صعب ومستحيل وسوف يصطدم بالأطراف القوية الثلاث في بلد عُرف عنه تاريخياً أنه عصيّ على الغزو الخارجي، سواء الغزو العثماني أو الغزو الأوروبي، والاكتفاء بضربات جوية على غرار الضربات التي تقوم بها الولايات المتحدة منذ أكثر من عشر سنوات ضد تنظيم «القاعدة» لن يؤثر على الأوضاع الميدانية. أما التعاون مع السلطة الثورية الجديدة فدونه الكثير من العقبات، أبرز هذه العقبات أنّ الدول الخليجية، حليفة الولايات المتحدة والدول الغربية، تعارض ذلك، وكذلك الكيان الصهيوني الذي يعتبر سيطرة قوى ثورية على مضيق باب المندب تهديداً لمصالحه الحيوية، وإحكام الطوق حول الكيان الصهيوني، وسهولة وصول الأسلحة الإيرانية إلى قوى المقاومة في منطقة المشرق العربي، إضافةً إلى أنّ الولايات المتحدة والحكومات الغربية، عادةً لا تستطيع التعامل مع حكومات مستقلة.

في ضوء كلّ ذلك فإنّ جميع الخيارات التي تواجه الولايات المتحدة هي خيارات صعبة، وبالتالي فإنّ الإدارة الأميركية أمام امتحان عسير.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى