مصر وسورية: جسر نهضة العرب

روزانا رمال

بمعزل عن كلّ ما تقوله التجربة التاريخية للعرب، حول دور كلّ من سورية ومصر، وخصوصاً ارتباط تعاظم دور مصر بمشاركتها لسورية، وارتباط كلّ قوة لسورية بقوة استنادها إلى مصر، فمنذ الأمويين لم تتمّم الخلافة بسط سلطانها إلا عندما صارت مصر بوابتها إلى أفريقيا ومن بعدها إلى الأندلس وعبرهما إلى أوروبا، إلى أيام صلاح الدين الأيوبي الذي ما دخل القدس إلا بعدما جعل رحلته من الشام إلى القاهرة عنواناً لمشروع دولته التي ضمّت البلدين الأهمّ بين العرب وممرات الربط والوصول إليهما، ولما أراد محمد علي باشا وابنه إيراهيم باشا التأسيس لدولة عربية حديثة في القرن الثامن عشر ومواجهة نابوليون والسلطنة العثمانية معاً انطلاقاً من مصر، لم يجدا بداً من الذهاب إلى الشام ليكتمل قوس المناورة الاستراتيجية جغرافياً، وتتكامل القدرات القتالية، وهكذا في حرب تشرين التي كانت أول حرب عربية على «إسرائيل»، كانت سورية ومصر، وقبلها في أول مشروع وحدة جدية بين بلدين عربين كانت مصر وكانت سورية.

بمعزل عن كلّ ذلك، تبدو التحديات التاريخية والاستراتيجية وحدها ما يصنع التنسيق والتلاقي، وليست الرغبات ولا العقائد، ويبدو اليوم أنه بسبب الردع المقاوم لـ«إسرائيل» وتحجيم دورها الإقليمي، تراجعت أهمية اتفاقيات «كامب ديفيد» كعامل يسبّب الفراق بين سورية ومصر، ليتقدّم تحدّي الإرهاب، الذي يتفاوت تشخيصه بين بلد وأخر في العالم ولا يبدو متفقاً عليه بتحديد قواه بمثل ما هو حال سورية ومصر، حيث التوافق بالمطلق حول ثنائية «جبهة النصرة» و«داعش»، ومعهما حكماً «الإخوان المسلمون».

ورغم التباين في النظر إلى كلّ من دول الخليج وعلى رأسها السعودية من جهة وإيران من جهة أخرى، إلا أنّ دمشق ترى العلاقة المصرية بالسعودية مفهومة بسبب الحاجات المادية، وترى القاهرة علاقة دمشق بطهران أمراً تاريخياً وفّر لسورية السند في زمن لم تجد فيه سنداً سواها، لا بل ترى مصر أنّ علاقة سورية بإيران رصيد يمكن توظيفه للتفاهم مع إيران، كما ترى سورية أنّ علاقة مصر بالسعودية قد تكون المدخل لخروج السعودية من الحرب في سورية والتموضع لدعم مبادرات مصرية عقلانية تجاه الأزمة السورية.

لكن مصر وسورية تلتقيان على اعتبار تركيا وذيلها القطري سبباً لكلّ المصائب الحالية، والتحدّي الذي يجب تجميع كلّ القدرات لتحجيمه وبالتالي كسره. تركيا وقطر تتقاسمان التمويل والدعم الاستخباري والإعلامي لمثلث «داعش» و«النصرة» و«الإخوان المسلمين»، وتركيا وقطر هما العنوان الذي يجب أن تتوجه نحوه المشاريع الكبرى، ومثلما تتعايش سورية مع إمارة «داعش» في جزء من جغرافيتها وتقاتلها موضعياً بهدوء، بمستطاع مصر ان تفعل الشيء نفسه في ليبيا حتى ينضج العالم كله والعرب في قلبهم لحرب صادقة لإنهاء «داعش»، وحتى ذلك التاريخ الاختبار الحقيقي للجميع، في العرب والعالم هو الموقف من تركيا وقطر، وبتعاون سورية ومصر يمكن صدّ الهجوم التركي القطري وتأديب القيادتين بتعاون عسكري أمني سياسي ديبلوماسي، يحتاج إلى مبادرات شجاعة من مصر بدأت القاهرة ببعضها في فضح وحصار الدور القطري، لكن المطلوب أكبر بكثير، ومثلما تتجه العين إلى القاهرة لانتظار مبادرات تاريخية تتجه العين إلى سورية لمتابعة حرب الحدود مع تركيا التي توشك ان تشتعل.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى