مشروع الدولة السورية ينتصر على أربعة مشاريع إقليمية ودولية

د. وفيق ابراهيم

أصبح واضحاً أنّ الميدان السوري يتصدّى ببسالة لأربعة مشاريع سياسية تحمل أسماء مختلفة، ولها ميليشيات إرهابية مستقلة، لكنها تترابط بوحدة الإيديولوجيا والمرجعيات. هذه المرجعيات التي تتبنى في كلّ مرحلة التوجه الأكثر ملاءمة. فهي تارة تكفيرية ترتدي جلباب البغدادي، وطوراً «إخوانية» تنهل من سيد قطب، وتتأثر حيناً آخر بعبقرية آل سعود، وعندما تتعقّد الأمور، تتسربل بلبوس مدني وديمقراطي.

مقابل هذه الألاعيب، هناك مشروع واحد للدولة السورية هو العربي والعلماني والقومي على قاعدة التحالف مع المتضرّرين من الهيمنة الأميركية في الإقليم والعالم وحليفتها «إسرائيل».

وبالعودة إلى المشروع الأول، فهو مشتقٌ من «أولادها» و«أحفادها» في «داعش» و«النصرة» ومئات الشلل المتشابهة التي تفتك بقيم الإنسان قتلاً وحرقاً واغتصاباً، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذا المشروع ليس ناتجاً من تعقيدات الأزمة السورية فقط، بل إنه ابن الإرهاب الأفغاني والسعودي وكلّ ما يمتُّ إلى الوهابية بصلة، وشقيق الزرقاوي مؤسّس «دولة العراق الإسلامية».

لقد جرى دعم هذا المشروع من قِبل تركيا والسعودية وقطر، حسب إفادات الديبلوماسيات الأميركية والأوروبية والروسية، بزعم أنها معارضة مدنية إلى حدود التواطؤ الدولي معها في معظم الأوقات. ويريد هذا المشروع إحياء «خلافة إسلامية»، على مستوى العالم الإسلامي وبعض أنحاء أوروبا، ويرتكز على رفض الآخر بشعار الامتثال أو الذبح.

أما المشروع الثاني، فأصحابه «الإخوان المسلمون»، أقدم حزب إٍسلامي في التاريخ يعمل من أجل اتحاد إسلامي بزعامة تركيا ورئيسها أردوغان، مستخدماً الإرهاب وسيلة لتحقيق الأهداف، وهذه ليست تهمة بدليل ما يفعلونه في مصر وسورية والعراق وتونس وليبيا والصومال وبلدان أخرى من أعمال فتك وقتل وإرهاب. وتكمن خطورة هذا المشروع في تبنّيه ثلاث مسائل: إحياء العثمانية القديمة، الانصياع الكامل للسياسات الأميركية، وتأييد معاهدة «كامب دايفيد» مع العدو «الإسرائيلي».

هنا يجب الإشارة إلى دور قطر في دعم «الإخوان» بالسلاح والمال والتأييد السياسي، مع الإشارة إلى أنّ قاعدة «العديد» الأميركية في قطر هي أكبر قاعدة برية لواشنطن خارج أميركا، بحيث يزيد عدد أفرادها عن مجموع الجيش القطري الباسل. فهل يمكن لقطر تأييد «الإخوان» من دون التوجيه الأميركي؟

وبالنسبة إلى المشروع الثالث، فسببه الذعر السعودي من كلّ ما يهدّد استمرار آل سعود في الحكم الوراثي، والمعلوم أنّ «داعش» و«الإخوان» لا يوافقان على التوريث السياسي ومشاريعهم تؤيد الخلافة لا الملك، لذلك يصاب آل سعود بانفصام في السلوك السياسي، فهم يؤيدون الإرهاب التكفيري في سورية والعراق والصومال وأفغانستان واليمن وبلاد كثيرة في مشارق الأرض ومغاربها، لكنهم يصابون بذعر عندما تعود «داعش» إلى أصولها في السعودية، فتعلن الرياض حرباً محدودة على الإرهاب، وتسارع إلى ضخّ دعمها نحو جمعيات ومساجد ودول في محاولة لتطويعها في نظريات آل سعود السياسية.

لذلك يلجأ آل سعود إلى خيار التحالفات السياسية والاستعانة بالصديق الأميركي وسلاح أسعار النفط واتهام «الآخرين» بالإرهاب، في حين أنّ هذا الإرهاب يرشح من أقبية المخابرات السعودية والقطرية والتركية من دون حياء أو مداراة وبرعاية المعلم الأميركي.

ومع انكشاف هذا النوع من الإرهاب، وجدت المرجعيات الداعمة له ضرورة اعتماد سياستين: خلق معارضة «معتدلة»، حسب زعمهم، بتبديل أسماء التنظيمات فقط مع الاحتفاظ بالأيديولوجيات التكفيرية ومصادر الدعم والتمويل في تركيا وقطر والسعودية مع الاستمرار في الاستثمار في إرهاب «داعش» و«النصرة» كوسيلة لاستنزاف الأنظمة وتدمير الدول في سورية والعراق ومصر واليمن ودول أخرى.

هذا هو المشروع الرابع البديل كما تريده المخابرات الأميركية والمنصاعون لإرادتها في البلدان العربية. وإنّ هذه المشاريع الأربعة استباحت الأرض السورية باسم «ثورة مزعومة» تريد إرجاع المواطن ألفي عام إلى الوراء على مستوى التفكير والسياسة والاقتصاد والاجتماع… فهل هذه ثورة؟

ماذا الآن عن مشروع الدولة السورية؟

يقف نظام الرئيس بشار الأسد في وجه هذه المشاريع مع جيشه الباسل وشعبه المقاوم مدافعاً عن كامل الإقليم، مصرّاً على دولة مدنية فيها وحدة داخلية، وخط قومي ينظر إلى الإقليم كمتحد تاريخي وسياسي يستطيع المشاركة في مستقبل الإنسانية وتدمير أيديولوجيات الإرهاب التي تريد سلب هوية المنطقة وانتماءاتها الفعلية، لوضعها في خدمة العثماني و«الإسرائيلي» والأميركي.

ولا بأس من التنويه بتحالفات سورية مع روسيا وإيران والأحزاب القومية وحزب الله، لأنّ لها دوراً في معركة إجهاض مشاريع الخلافات التكفيرية التي لا تفعل إلا التمديد للسياسات الأميركية و«الإسرائيلية».

هناك إذاً مشروع مدني قومي في وجه «خوارج العصر»، وما معارك جنوب سورية وشمالها، إلا النماذج الأولى لتحرير الإقليم من الجنون التكفيري.

وفي المحصلة، فإنّ «المشروع الرابع» الذي يعتمد على الورقتين «الإسرائيلية» والتركية قد انكشف ومعه الدور الأردني. تُرى هل كان في وسع تلك الدول البقاء لو تعرضت لما تتعرض له سورية؟

هذا هو الجيش السوري وشعبه ونظامه، نماذج حية للتعامل مع أقسى نماذج التكفير والتطرف والسياسات العالمية الهوجاء. ومثل هذه الدولة لا تهزم لأنها مزيج من التاريخ والصلابة والعنفوان والدور، ولا يبقى إلا مشروع الدولة السورية المعبر الحقيقي عن تطلعات شعوب المنطقة والإقليم لمواجهة المستقبل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى