عين العرب: الأكراد يشرفون على قاعدة سليمان شاه

عامر نعيم الياس

قاوم الأكراد أو ما يُسمّى بوحدات حماية الشعب الكردي في عين العرب، وتحوّلت المدينة الصغيرة إلى رمزٍ للحرب الأميركية على «داعش»، ومنطقة عمليات لا يعني أوباما سواها في سورية، تمّ التغاضي عن مدن كثيرة تقاوم الحصار في سورية في سبيل الأكراد، تحوّل صالح مسلّم من معادٍ للسياسات الأميركية واستطالة لعبدالله أوجلان وحزب العمال الكردستاني، الموضوع على لائحتي الإرهاب الأميركية والأوروبية، إلى ضيفٍ خفيف الظلّ في العاصمة الأميركية واشنطن، كما تحوّلت عين العرب ومحيطها الجغرافي إلى محجّ للنواب الأميركيين والفرنسيين الذين يقومون بزيارات رسمية إلى «كردستان سورية».

الرئيس التركي رجَب طيّب أردوغان أعلن فور تحرير عين العرب من «داعش» تخوّفه من إمكانية إقامة حكم ذاتي للأكراد في سورية، عبارةٌ فسّرها المراقبون على أنها صفعة أميركية لحكومة حزب العدالة والتنمية على موقفها الرافض للانضمام إلى تحالف أوباما للحرب على الإرهاب الجديد، فضلاً عن أنّ مخاوف أردوغان من كرد سورية هي مخاوف جدية في ما يخصّ إمكانية قيام إقليم كردي في سورية على النمط العراقي، فهل جاء التدخل العسكري التركي في سورية بحجة سليمان شاه في ذات السياق؟

أشمة في ريف عين العرب بديلاً لـ قرة قوزاق، كيلومتران غرب كوباني وتحت إشراف وحدات الحماية يرفع العلم التركي على المكان المفترض للضريح الجديد للمقبور سليمان شاه، فيما يحاول الجميع التركيز على أنّ العملية التركية تمّت في مناطق تسيطر عليها «داعش» دون إطلاق رصاصة واحدة فماذا عن رصاصات الأكراد؟

تحجّج الأكراد باحترام الاتفاقات الدولية ومنها تلك التي تحترمها الحكومة السورية والخاصة باتفاقية الضريح الموقعة عام 1921 بين وزير خارجية أتاتورك وسلطة الاحتلال الفرنسي، لكن ألا يحق لنا هنا التساؤل حول الاحترام المفاجئ للأكراد لعدوٍّهم التاريخي؟ هل الاتفاق حول الضريح أهمّ من الحفاظ على وحدة الأراضي السورية او حتى أراضٍ مفترضة لحلم إقليم مفترض؟ ألا يتعارض اللجوء إلى محاربة الجيش السوري في الحسكة ومحيط القامشلي مع أبسط مبادئ الانتماء؟ ألا يخالف هذا الأمر الدستور السوري ويتعارض مع مفاهيم السيادة وحتى الاتفاقيات الدولية التي حدّدت بموجبها حدود الجمهورية العربية السورية؟ هل أطلق كرد وحدات الحماية رصاصةً واحدة باتجاه العسكر التركي أثناء دخولهم إلى أشمة، أم أنّ وحدات الحماية مخصّصة فقط لقتال «داعش» والجيش السوري في شرق سورية؟ ألم يساعد مسلّم أردوغان في الإبقاء على مسمار جحا داخل سورية، ألم يساعده في تحويل الضريح إلى قاعدة عسكرية في قلب الريف الحلبي السوري؟

إنّ التدخل التركي في بعض أوجهه أو رسائله يوجّه تحذيراً إلى الأكراد من مغبة التمدّد لكن في أي اتجاه؟

يدرك رجب طيّب أردوغان قبل غيره أنّ مشروع إقامة إقليم كردي مستقلّ في سورية هو من الاستحالة بمكان، وما غمزه من قناة هذا الإقليم سوى رغبةً في توجيه رسالة إلى الداخل الكردي في تركيا بعدم الرهان على ما يجري في سورية لحصد النقاط كما جرى في العقد الماضي أثناء تدمير الدولة العراقية، وبهذا المعنى فإنّ التدخل التركي في سورية وعدم إطلاق رصاصة عليه لا من قبل الأكراد ولا من قبل «داعش» يأتي ليشير إلى:

ضبط إيقاع الحركة الكردية، أو الشطط الكردي، فالتجربة بين وحدات الحماية والجيش السوري في بدايات الأزمة السورية، وما يجري اليوم، خير دليل على الانتهازية السياسية والغدر الذي تدير به وحدات الحماية وحزبها اللعبة في سورية.

واشنطن تلحظ الأكراد في عين العرب باعتبارهم «قوّة معتدلة» في سورية، وبالتالي فإنّ الاتفاق التركي الأميركي على تدريب المسلّحين المرتبطين بالغرب يضع الأكراد تحت حمايته، ويستهدف «داعش» باعتبارها العدو، هنا من الواضح أنّ تركيا تضع في الحسبان احتمال الصدام مع بعض «داعش» في سورية، وبالتالي فإنّ الأكراد ضمن هذه المعادلة باتوا أقلّ عداءً لها من «داعش» نفسها.

التحوّل في الموقف الكردي في سورية ليس تحوّلاً تكتيكياً تفرضه بعض متطلبات السياسة والميدان، بل هو تحوّلٌ خطير يعيد تشكيل الورقة الكردية وفقاً للرؤى الأميركية والغربية، وبالتالي فإنّ «اللعب بالنار» بات أمراً واقعاً وخياراً كردياً استراتيجياً، كان قد نبّه منه وزير الخارجية السوري وليد المعلّم لكن من دون جدوى.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى