الاستخبارات الأميركيّة تضع يدها على شرائح الهواتف المحمولة حول العالم
أظهرت وثائق جديدة للمستشار السابق للاستخبارات الأميركية إدوارد سنودن نشرت في مجلّة «ذا انترسبت» الإلكترونية، قيام مركز «الاتصالات الحكومية البريطانية» بالتعاون مع «وكالة الأمن القومي الأميركية» بقرصنة أنظمة شركة «جيمالتو» الفرنسية وهي أضخم مصنّع للشرائح الذكيّة للهواتف المحمولة حول العالم المعروفة بـSIM cards».
وبحسب الوثائق تمّت العمليّة بين عامي 2009 و2011، وشملت سرقة بيانات الشركة التي قامت بعد تسريب التقرير الأسبوع الماضي بعملية تعقّب وبحث عن آثار عملية القرصنة، لكنها لم تجد ما يؤكّد وقوعها، وبما أنّ الشركة لا تستطيع إثبات الخرق حتى الآن، فإنّها نفت في بيان قرصنة نظامها، مؤكّدة إجراء عملية تحقيق كبيرة حالياً.
وفي التفاصيل، «قام مركز الاتصالات الحكومية البريطانية بسرقة مفاتيح التشفير الخاصة بالشرائح الذكيّة التي تنتجها جيمالتو Ki بالتعاون مع وكالة الأمن القومي الأميركية، وتسمح العمليّة لهما بالتجّسس على مستخدمي الشرائح حول العالم من دون ترك أيّ أثر خلفهما، وتقوم جيمالتو بإرسال شيفرة الـ Ki إلى الشركات المشغّلة عبر وسائل إلكترونية: البريد الإلكتروني، أقراص مدمجة، وللاستحواذ على تلك المفاتيح قامت وكالتا الاستخبارات باختراق عناوين البريد الإلكتروني لموظفي الشركة الفرنسيّة وحساباتهم الفايسبوكيّة».
وتمكّن تلك المفاتيح الوكالتين من سرقة المحتوى المحفّظ على الشريحة الذكيّة لحاملي الخلوي، أي قائمة المعارف والرسائل النصيّة، كما تمكنّهما من التنصّت على المكالمات الهاتفيّة من دون المرور بالشركة المشغّلة أو الحصول على إذن من أي حكومة خارجية أو أمر قضائي، وتمكنهما من استنساخ الشريحة الهاتفيّة للشخص المستهدف وبالتالي إجراء اتصالات أو إرسال رسائل نصيّة عنه كما تلقي اتصالاته ورسائله.
اختراق بيانات «جيمالتو»، وهي العملية التي أطلق عليها اسم «دابينو غامّا»، كانت بمثابة «الجائزة الكبرى» للاستخبارات الأميركيّة والبريطانيّة، إذ إنّ منتجات الشركة متوافرة في 190 بلداً، ولديها أكثر من 40 مصنعاً حول العالم تنتج ملياري شريحة ذكية في العام الواحد، ويشمل عمل الشركة مشغّلي شبكات الهاتف المحمول وشركات عالمية كبرى وبطاقات مصرفيّة ومرافق حيوية وشرائح لجوازات السفر. ويلحظ «مركز الاتصالات الحكومية البريطانية» في التقرير الذي سُرّب أنّه «سعيد جداً بالداتا وأنّه يعمل على الكمّيات الكبيرة التي تصله منها».
كذلك يبيّن التقرير أنّه خلال الأشهر الثلاثة الأولى، استهدفت القرصنة موظّفي شركة «هواوي» الصينيّة، تليها «أم تي أن إيرانسل» أحد مشغّلي شبكات الهاتف المحمول في إيران. ويذكر أنّ مركز الاتصالات الحكومية البريطانية كان يعدّ لاختراق مماثل لمنافس «جيمالتو» الألماني Giesecke and Devrient.
ولم تبدأ قصّة «جيمالتو» مع الاستخبارات الأميركية مع قرصنة أنظمتها، بل إنّ القضية أكبر وأخطر من ذلك بكثير، تأسّست الشركة تحت اسم «جيمبلوس» عام 1998 على يد الفرنسي مارك لاسوس، وكانت أوّل من تخصّص في صناعة وتطوير الشرائح الذكيّة. عصفت بـ«جيمبلوس» مشاكل مالية، فاستحوذت على 27 في المئة من أسهمها الشركة الأميركية «تكساس باسيفيك غروب» عام 2000 لتصبح بذلك المالك للعدد الأكبر للأسهم في الشركة، عام 2002 نشرت صحيفة «لو موند» الفرنسيّة تقريراً بعنوان «هل تسعى الاستخبارات الأميركية لوضع يدها على تكنولوجيا الشرائح الذكيّة؟». ونقلت أنّ أجهزة الاستخبارات الفرنسية حذّرت السياسيين الفرنسيين من أنّ استحواذ الأميركيين على «جيمبلوس» سيؤدي إلى وصولهم وسيطرتهم على تكنولوجيا الشرائح الذكيّة الحسّاسة.
وتطوّرت الأزمة، حين صرّح مؤسس الشركة لاسوس لمجلّة «لا تريبون» عام 2004 قائلاً: «أنا مقتنع أنّه كان بين تكساس باسيفيك غروب وحكومة دولتها نوع من الاتفاق لنقل مركز الشركة الرئيسي إلى كاليفورنيا».