الحريري وجنبلاط: تحفظ على تفاهم عون ـ جعجع… والحكومة إلى الوراء درّ
كتب المحرر السياسي:
خلط الأوراق الذي يجري على ساحات الملفات المفتوحة، يتمّ تحت سقوف تجعلها دليلاً على تقدّم مسار السياسة والتسويات، وليست سياقاً تصاعدياً نحو مواجهات أوسع كما يوحي ظاهرها، فالذي جرى أنه منذ أشهر كان المحور الوحيد الذي يعرف استقراراً تفاوضياً، هو المحور الأميركي – الإيراني، تحت غطاء المفاوضات ضمن مجموعة 5+1 مع إيران حول ملفها النووي، بينما كانت الساحات الملتهبة في المنطقة، وخصوصاً سورية واليمن تشهد ما يبدو اقتراباً من التسويات، سواء في ما يخصّ سورية، من خلال حوارات موسكو التي حظيت بتأييد أميركي علني من جهة، ومن جهة أخرى بتأييد المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، الذي كان يستعدّ لإطلاق خطته لتجميد القتال في مدينة حلب، أو في ما يخصّ اليمن، من خلال المفاوضات التي كان يديرها المبعوث الأممي جمال بنعمر، والتي أفضت مراراً إلى ما يشبه الاتفاق على تشكيل مجلس انتقالي كبرلمان موقت، أو تشكيل مجلس رئاسي كرئاسة موقتة، أو الإثنين معاً، وفي المقابل كانت جبهة اوكرانيا تشهد اشتعالاً غير مسبوق، والعلاقات الروسية الغربية في ذروة التصعيد.
كان السؤال الطبيعي، هو كيف يمكن التسويات ان تسير كالهرم المقلوب وتقف على رأسها وتستقرّ، فالذين يتابعون ويعرفون المعادلات، كانوا ينظرون بعين الترقب لما سترسو عليه جبهة أوكرانيا والعلاقات الروسية – الغربية، لتقرير المدى الزمني والسياسي لإقلاع التسويات الراسخة، ويرون في ما يجري على ساحات المواجهات من تهدئة، وخصوصاً، التأكيد على حلّ سياسي في كلّ من اليمن وسورية، وعلى قاعدة أولوية الحرب على الإرهاب من جهة، وارتضاء أن يكون الحلّ في سورية تحت سقف رئاسة الرئيس بشار الأسد من جهة مقابلة، والحلّ في اليمن من بداية التسليم بسقف الحرب على «القاعدة» ومكانة حاسمة للثوار في التركيبة الجديدة للدولة اليمنية، تأكيداً للمسار السياسي وليس تعبيراً عن بلوغه خط النهاية.
الذي يجري اليوم هو الطبيعي، فقد ترسّخ وقوف الهرم على قاعدته، ويتمّ بناء طوابقه بالتدريج، القاعدة هي إنهاء الحرب الأوكرانية، وتحت سقف التسليم بمكانة روسيا وشروطها، ووقف حرب الاستنزاف المفتوحة عليها، ومواصلة التفاوض مع إيران الحلقة الحاسمة بين المستويين، الدولي والإقليمي، ليعود ترتيب أوراق التفاوض في الملفات الساخنة وخصوصاً سورية واليمن وترسيم حدود الأدوار الإقليمية وتوزناتها.
الواضح أنّ سورية نجحت في إخراج العامل السعودي، من الداخل السوري، عبر معاركها المدروسة في الغوطتين، ونتائج عملها العسكري والأمني في عاصمة الغوطة، دوما، المعقل الأهمّ لأتباع السعودية، حيث كانت النتيجة، بعد المواجهة الدامية بين «جيش الإسلام» و«جيش الأمة»، خروج قرابة الألفي مسلح منها وتسليم أنفسهم للجيش السوري، ومعهم عائلاتهم، أيّ قرابة الخمسة آلاف مواطن، وخروج جيش الأمة من الحرب واستعداده للقتال مع الجيش السوري ضدّ بقايا جماعات السعودية، والواضح أنّ ما بعد معادلة الردع التي أرستها المقاومة في عملية مزارع شبعا، تكرّست معايير وقواعد جديدة في جنوب سورية يتأكد معها يوماً بعد يوم، نجاح سورية وحلفائها، في فرض الانكفاء أيضاً على الحضور «الإسرائيلي» الذي حاول رسم خطوط حمراء تحمي مشروع إقامة حزام أمني داخل الأراضي السورية.
بقيت تركيا اللاعب الإقليمي الذي يحاول جعل شمال سورية مدى حيوياً يفرض عبره خصوصيته، وصولاً إلى طموحه بقلب قواعد اللعبة في سورية، وتأكيد مشروعه بإسقاط كلّ ما يقال عن حلّ سياسي تحت سقف التسليم برئاسة الرئيس بشار الأسد، فجاءت عملية الجيش السوري في الريف الشمالي لحلب لتضع الاختبار أمام التدخل التركي، وحدوده، وتدخله في اللحظات الحاسمة، وما ظهر حتى الآن هو إصرار تركي على عدم التسليم بالإنكفاء، من دون امتلاك الأدوات التي تسمح بذلك، طالما توحي المداخلات التركية وخصوصاً طريقة نقل رفات سليمان شاه، واختيار منطقة الحركة العسكرية التركية الخاضعة لقوات «داعش»، واختيار عنوان ذي صلة بقضية تركية مباشرة، والدخول والخروج السريعين، والإبلاغ المسبق للقنصلية السورية في إسطنبول، كلّ ذلك يقول بأنّ تفادي الحرب لا يزال عنوان الحركة التركية، لذلك نجحت سورية في رسم حدود اللعبة التركية، وبدأت بتحديد قواعد الاشتباك الجديدة للشمال السوري، لكن من خلال حركتها في الجنوب، حيث يرى الخبراء العسكريون أنّ غارات الطيران الحربي السوري على خط الاشتباك الفاصل مع الجولان، يرسم نموذجاً للطريقة التي سيجري عبرها إنهاء المواقع العائدة للجماعات المسلحة في ريف شمال حلب، ووضع الحكومة التركية بين خياري المواجهة أو الانكفاء.
في اليمن، يبدو تجميع القيادات العسكرية والسياسية المعارضة للثوار في عدن وحول رئاسة الرئيس المستقيل منصور هادي، وصرخات الحرب على صنعاء حيث يتمركز الثوار، وكأنه يضع اليمن على حافة حرب أهلية، أو خيار التقسيم، لكن الخطر المترتب على هذين الخيارين مع استحالة إسقاط صنعاء والمحافظات الواقعة بيد الثوار، أنهما يعنيان تسليماً ضمنياً للمجموعات التابعة لتنظيم «القاعدة»، بالسيطرة على محافظات الجنوب، بصورة تستعيد مشهد المعارضة السورية، التي لم تشكل أكثر من واجهة لسيطرة «جبهة النصرة» و«داعش».
الطريق البديل الذي سيحتاج بعض الوقت للظهور مجدداً، هو التسليم بخيار التسوية والعودة إلى التفاوض.
السعودية تراهن على لعب ورقة منصور هادي إلى النهاية لتجميع أوراقها اليمنية، فيما واشنطن التي تدعم المسعى السعودي ترسم خطها الأحمر بمنع تحقيق أرباح لـ«القاعدة»، ليصير الممرّ الإجباري للسعودية هو العودة بجماعتها إلى طاولة التفاوض، على مجلس رئاسي، بعدما صار الرئيس المستقيل طرفاً، ومجلس انتقالي، حيث البرلمان لا يرضي أيّاً من الفريقين، ويعود الإعلان الدستوري للثوار خريطة طريق حتمية.
في لبنان، رغم الكلام الكثير عن دنو اللحظة الداخلية من الاستحقاق الرئاسي، لا تزال المؤشرات، بين مدّ وجزر، بعد عودة الرئيس سعد الحريري ووقوفه مع النائب وليد جنبلاط بتحفظه على تفاهم «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر»، واقتسام المعادلة المسيحية، ما بدا أنه أعاد الحوار بين العماد ميشال عون وقائد «القوات» سمير جعجع خطوات إلى الوراء، ليعود البحث مجدّداً في إحياء الحكومة، وتعويم نشاطها وفقاً للآلية القديمة.
رئيس مجلس النواب نبيه بري، وجد في حوار عون ـ جعجع فرصة التأكيد على المسؤولية التوافقية المسيحية للاستحقاق الرئاسي، بينما اكتفى الرئيس سعد الحريري، بالدعوة لرئيس، وجاءت من طهران الدعوة لرئيس بأسرع وقت.
الحكومة: إلى الوراء در
بقي الشلل متحكماً بالمؤسسات بانتظار حل موضوع آلية عمل الحكومة المستبعد حالياً، وانتخاب رئيس الجمهورية الذي بدوره معلق على الاتفاق بين رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بحسب ما أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمس.
وكان رئيس الحكومة تمام سلام استأنف لقاءاته لإيجاد حلّ لإعادة تفعيل عمل الحكومة من خلال البحث الدائر في الآلية. واستقبل لهذه الغاية رئيس تيار المستقبل سعد الحريري وبحث معه في الأوضاع والتطورات في لبنان والمنطقة.
لا حسم ولا طريق مسدوداً
وأكدت أوساط رئيس الحكومة لـ«البناء» «أن لا جديد في الملف الحكومي»، وأن لا جلسة لمجلس الوزراء هذا الأسبوع على رغم استمرار الاتصالات والمشاورات بين الرئيس سلام والقوى السياسية». ولفتت الأوساط إلى «أن الامور لم تحسم بعد في شأن تغيير آلية العمل، وفي الوقت عينه لم نصل إلى طريق مسدود».
لا تغيير في الآلية
وقالت أوساط وزارية في 8 آذار لـ«البناء»: «يبدو أن آلية العمل الحكومي لن تتغيّر طالما أن لا إجماع على ذلك، على رغم أن رئيس الحكومة يريد من هذا الإجراء معالجة وقف العرقلة». وأشارت الأوساط إلى أنه أمام ذلك، لا خيار أمامنا إلا العمل وفق الآلية الحالية التي يريد البعض الإبقاء عليها للاستفادة منها».
وفي السياق، أكدت مصادر وزارية في 14 آذار لـ«البناء» رفض «تعزيز المؤسسات في الدولة على حساب رئاسة الجمهورية، داعية إلى انتخاب رئيس في أسرع وقت ممكن».
وكان هذا الموضوع محور لقاء الرئيس الحريري ورئيس حزب الكتائب أمين الجميّل في بيت الوسط. وأشار وزير الاقتصاد آلان حكيم لـ«البناء» إلى أنّ اللقاء «روتيني وممتاز، تمّ التطرق خلاله إلى آلية العمل الحكومي، والى موقف حزب الكتائب المؤيد للآلية الحالية القائمة على الإجماع الحكومي»، داعياً: «إلى تطبيقها وشطب البند الخلافي من جدول الأعمال، والاتفاق على البنود المتعلقة بالقرارات السيادية مسبقاً».
وأشار حكيم إلى «أن الرئيس الجميّل لمس من الحريري تطلعه إلى تسهيل عمل الحكومة، لا سيما أن لا توجه خاصاً عنده في هذا الشأن، وأن الرجلين اتفقا على استكمال المحادثات في هذا المجال».
وأكد حكيم «أن لا أزمة حكومية، وأن الحكومة ستجتمع قريباً»، لافتاً إلى «أن المشكلة في مجلس الوزراء ليست حزبية أو طائفية، بل شخصية، فهناك بعض الوزراء يعطلون بعض الملفات لأسباب مناطقية».
وشدّد الرئيس الجميّل بعد لقائه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي، على ضرورة الوقوف بـ»المرصاد لكلّ من يحاول أن يصوّر غياب رئيس الجمهورية شيئاً مقبولاً». وأشار الى «اننا نتسلى في القشور فيما المطلوب هو انتخاب رئيس في أسرع وقت»، سائلاً: «هل تعيين محافظ أو مدير هو أهمّ من الاستحقاق الرئاسي»؟
بري: الرئيس بعد التصدّي للفتنة
وفيما ينتظر عقد الجلسة الجديدة من الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل مطلع آذار المقبل، أوضح الرئيس بري خلال استقباله مجلس نقابة الصحافة، أن البند الثاني من الحوار هو «انتخاب الرئيس بعد موضوع التصدي للفتنة الشيعية – السنية»، وقال: «كنا حرصاء بالإجماع أن نبحث كيفية الوصول لانتخاب الرئيس، ولكن من دون ان نسمّي رئيساً. لماذا؟ لأنه للأسف لدينا ديمقراطية في لبنان ولكنْ، فيها سرطان، وهذا السرطان الموجود فيها هو الطائفية». ورأى أنّ «الوهم الكبير الطاغي هو في اعتبار أنّ الفراغ هو فقط في رئاسة الجمهورية، لكن الحقيقة انّ كلّ المراكز أصبحت شاغرة ومعطلة، فالمجلس النيابي معطل،» وتساءل: «أوليست الحكومة أيضاً معطلة؟ بعد أن أصبح لدينا 24 رئيس جمهورية، و24 رئيس وزراء و24 وزيراً»؟
ورداً على سؤال اذا اتفق عون وجعجع على انتخاب الرئيس، فهل يحصل ذلك؟ أجاب بري: «نعم، وانا اعتقد ان العوامل الخارجية يمكن ان تؤثر 100 في المئة وصفر في المئة. اي عند اتفاق اللبنانيين لا مجال للأولى ويصبح تأثيرها صفراً».
من جهته، أكد الرئيس الحريري أمام زواره، «أن عدم انتخاب رئيس للجمهورية لا يؤثر على رئاسة الجمهورية فقط بل على البلد ككل، لأن البلد لن تستقيم أموره من دون رأس»، مشيراً الى أنه «يحاول من خلال الحوار والمشاورات تحقيق الاستقرار ولكن من دون رئاسة الجمهورية لا وجود لمؤسسة تجمع اللبنانيين وتحاول تسيير أمورهم».
طهران تدعم انتخاب رئيس في أسرع وقت
على صعيد آخر، التقى وزير التربية الياس بو صعب على هامش أعمال مؤتمر وزراء التعليم العالي لدول عدم الانحياز المنعقد في طهران، مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان الذي أكد أن طهران تدعم انتخاب رئيس جديد للبنان، وفق اتفاق كل القوى السياسية وفي أسرع وقت ممكن.
ووصف عبد اللهيان، الاستقرار والهدوء في لبنان بأنه يكتسب الأهمية لايران. وأكد استعداد الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتنمية العلاقات الثنائية مع لبنان على مختلف الصعد، وتشكيل لجنة عليا مختصة بشؤون التعاون بين البلدين.
وأشاد الوزير بو صعب من جهته، بمواقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية الداعمة للبنان في وجه الأطماع «الإسرائيلية»، لافتاً إلى أن لبنان يقف في خط المواجهة الأمامي للمقاومة في وجه الأطماع «الإسرائيلية» التي تطاول البلدان العربية.
وخلال اللقاء بحث الجانبان في التطورات على صعيدي العلاقات بين البلدين كما عرضا لمستجدات المنطقة.