العلاقات السورية ـ الفرنسية من القطيعة وإلى بداية تلمس طريق العودة
ناديا شحادة
على رغم أن العلاقات الفرنسية السورية كانت قد وصلت إلى مستويات متميزة بين البلدين في عهد الرئيس جاك شيراك حيث سعى إلى التقارب مع الرئيس بشار الأسد، ولكن هذا التقارب لم يدم طويلاً فقد وصل إلى القطيعة إثر اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري يوم 14 شباط 2005، وفي عام 2008 سعى الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى قطع سياسة العزلة التي فرضها سلفه شيراك وتجلى ذلك في إرسال الرئيس ساركوزي موفدين رسميين إلى دمشق ودعوة الرئيس بشار الأسد إلى حفل افتتاح مشروع الاتحاد من أجل المتوسط في باريس في تموز 2008 ولكن هذا التقارب الفرنسي من سورية لم يلقى الصدى من دمشق بخاصة مع المطالب الفرنسية في ما يتعلق بطبيعة علاقاتها مع إيران وحركة حماس، ومع بدء الأحداث في سورية عام 2011 لا يمكن لأحد أن ينكر سياسة فرنسا تجاه الأزمة من مراقبة للأحداث منذ البداية عن كثب إلى الدعوات لضبط النفس ومن ثم الإدانة لتنتقل في ما بعد إلى التحريض واستضافة المعارضين وعقد مؤتمرات وتقديم العون والمساعدة لهم ومن ثم سحب سفيرها، إضافة إلى بذل باريس جهوداً لإصدار قرارات من مجلس الأمن تدين النظام السوري.
وسعت الدبلوماسية الفرنسية من أجل التوصل إلى قرار بتوافق الآراء للتحرك ضد نظام الرئيس بشار الأسد، فوزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أعلن أن الحكومة السورية فقدت شرعيتها في أيار 2011، ويؤكد المتابعون أن أخطاء الدبلوماسية الفرنسية قد تواصلت خصوصاً في سوء قراءة الأزمة السورية والتسليم بأن نظام الأسد يوشك على الانهيار.
استمرار فرنسا في دعمها المعارضة وإصرارها على لعب دور في محاربة النظام السوري يراها المتابعون تعكس الطموح الفرنسي للعب دور مؤثر في الساحة الدولية، ومحاولة لرد الاعتبار للدبلوماسية والسياسة الخارجية الفرنسية التي أساءت تقييم وقراءة الأحداث التي جرت في تونس ومصر.
والمتابع للعلاقات الفرنسية ـ السورية يرى أن صمود سورية وبقاء الأسد والانتصارات التي يحققها الجيش السوري سيدفع باريس للتغيير من سياسيتها المقبلة وتجلى ذلك من خلال تأكيد فرنسا دعمها لمشروع القرار الذي طرح إلى التصويت عليه في مجلس الأمن في تاريخ 12 شباط 2015 والقاضي بقطع التمويل عن الجماعات الإرهابية في سورية والعراق، وإدانة تدمير التراث الثقافي والديني في سورية، وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال في تصريح إنه سيتم تشديد الالتزامات التي تقع على عاتق الدول لوقف تمويل الإرهاب، وشدد نادال على أن بلاده تجند كل طاقتها لمكافحة الإرهاب على جميع الأصعدة فضلاً عن البحث عن حلول سياسية للنزاعات.
باريس ما زالت تتبع سياسة سلبية بشكل علني تجاه دمشق وتعمل على تدريب ما يسمى مسلحي المعارضة المعتدلة وتسعى فقط للتعاون في المجال الاستخباراتي مع دمشق بعد الاعتداء الذي تعرضت له مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية وحاولت سابقاً التنسيق أمنياً مع دمشق في تشرين الثاني عام 2013، ولكن الحكومة السورية اشترطت أن يكون التنسيق الأمني عبر السفارات، وأول من أمس قام رئيس مجموعة الصداقة الفرنسية السورية في البرلمان الفرنسي الاشتراكي جيرار بابت بزيارة دمشق، ويؤكد المتابعون أنه على رغم أن الزيارة تأتي تحت عنوان إنساني، فإن توقيتها يلمح إلى نية فرنسا في أن تعيد علاقاتها مع الحكومة السورية وإن هذه الزيارة يكمن وراءها اختراق كبير للعلاقات السورية ـ الفرنسية، وإنه على رغم ما أشيع عن أن وزارة الخارجية الفرنسية لا تؤيد هذه الزيارة إلا أنه من غير الممكن القيام بهذا التحرك من دون ضوء أخضر وموافقة السلطات الفرنسية حتى وإن لم تكن علنية.