المواقع الجيوسياسية ترسم سياسات الدول
رئبال مرهج
ليس خافياً على أحد الأهمية التي تكتسبهما سورية واليمن من خلال موقعهما الجيوسياسي في المنطقة والشرق الأوسط، فسورية التي تطل على البحر المتوسط تشكل حلقة الوصل بين قارتي آسيا وأوروبا، أما اليمن الخاصرة الموجعة للمملكة العربية السعودية فتشرف سواحلها على باب المندب، المرفأ الحيوي والمهم للمنطقة منذ التاريخ وإضافة إلى الموقع الجيوسياسي، تشكل سورية واليمن قوة بشرية مهمة سياسياً واقتصادياً إذ امتاز شعب البلدين بالأفكار الوطنية المعادية لـ»إسرائيل» طيلة فترة الصراع العربي ـ «الإسرائيلي» فبعد حرب تموز وغزة والانتصار الذي حققته دول المقاومة، سعت الدول الغربية إلى إحداث التغيير في المنطقة لإضعاف قوة المحور الممتد من طهران عبر دمشق فبيروت وصنعاء، فعمدت تلك الدول وحلفاؤها المملكة السعودية وتركيا وقطر إلى إحداث الفوضى وتشجيعها بخاصة في سورية واليمن، حيث تم اعتبارهما جبهة واحدة تحاول من خلالها تلك الدول تسعير الفوضى وتشجيع الإرهاب، لعلها تنجح في إسقاط الدولة المقاومة في سورية وإبعاد الشعب اليمني من تحالفه مع إيران.
بدأت قطر وتركيا ومملكة آل سعود، باستخدام ورقة الإخوان المسلمين الذي شكل الجيش الحر الذراع السورية له بينما بقيت الجماعة في اليمن محدودة التأثير غير قادرة على «فعل قوة» يمكُن تلك الدول من إحداث الخلل في موازين القوى، فتم الاستغناء عن الجماعة بالخيار المر وهو التنظيمات التكفيرية التي شكل «داعش» فرعها السوراقي يقابله في اليمن تنظيم القاعدة. فمع تزامن العمليات الإرهابية التي قام بها تنظيم «داعش» في سورية، قامت القاعدة في اليمن في تنفيذٍ لأوامر مشغليها في السعودية وأميركا باعتماد استراتيجية التفجيرات الانتحارية، لمواجهة تمدد جماعة أنصار الله الحوثي كان أهمها التفجير الإرهابي الذي استهدف المئات من عناصر الجماعة وقوات الجيش اليمني في بداية الخريف الماضي، سبقته بفترة قصيرة الإعدامات التي قام بها توأم القاعدة «داعش» في شرق سورية بحق العشائر العربية وتلتها المجزرة التي نفذت بحق عشرات الجنود السوريين بعد الهجوم على الفرقة السابعة عشرة في ريف الرقة.
جاء التصعيد الأميركي ـ السعودي كنتيجة لانتصارات الجيش السوري وبسط سيطرته على أغلب المناطق الساخنة، فيما كان الحوثيون في اليمن يدخلون العاصمة صنعاء من دون أي نقطة دم، وفي وقت بدأت المفاوضات الإيرانية ـ الأميركية بشأن الملف النووي الإيراني تعطي أولى نتائجها الإيجابية معترفة بإيران كدولة نووية وعامل استقرار في المنطقة.
واليوم وبعد أن وقعت السعودية بين فكي التكفيريين من جهة، الذين ساهمت بتصنيعهم وبدأوا بالاقتراب من حدودها – والحوثيين من جهة ثانية، بدأت في إعادة ترتيب علاقتها مع تركيا في محاولة أخيرة للضغط على الجبهتين السورية واليمنية معاً، في ظل الأنباء عن قرب توقيع الاتفاق النهائي بين إيران والغرب نهاية الشهر المقبل، فقامت وبنية إعادة إدخال اليمن في الفوضى بتهريب الرئيس المستقيل منصور هادي وتموضعه في عدن لعلها تقيم وزناً لنفوذها في الجنوب اليمني – وإن كان غير مكافئ – للنفوذ الحوثي في صنعاء، في محاولة أخيرة منها لاستعادة نفوذها فتسقطه في ميزان التسوية المقبلة.
تساوق ذلك مع ما قامت به حكومة «الصفر أخلاق» في تركيا من تدخلات عسكرية سافرة في الشمال السوري وإن كانت استعراضية – من أجل إعادة التذكير بالقدرة العسكرية لتركيا وبما قدمته وتقدمه على جبهة سوراقيا سورية ـ العراق من خدمات للحلف الأميركي الخليجي «الإسرائيلي»، الرامي إلى تقويض الدولة السورية وإضعاف محور المقاومة.
ولكن هل تستطيع السعودية وتركيا إحداث الفارق بعد أن صمد الجيش السوري طيلة الأربع سنوات الماضية واستطاع الحوثيون أن يكسبوا ثقة أغلب الشعب اليمني بعد دخولهم صنعاء من دون عنف؟ يرى المراقبون أن الوقت قد مضى والربع ساعة الأخيرة قد شارفت على النهاية.