إيران دولة إقليمية عظمى بامتياز
محمد صادق الحسيني
من طهران التي لم أزرها منذ أشهر أكتب لكم صريحاً ومباشراً…
الوضع الداخلي تحت السيطرة تماماً، والخيارات الروحانية حيثما وكيفما تحركت تبقى تحت الكساء ، أحبّ البعض ذلك أم كره!
العلاقة مع واشنطن متعثرة، وجدار انعدام الثقة والمرارة لا يزال على حاله، رغم سعي أوباما الحثيث إلى كسب ثقة البعض المرتعش في محاولة لتقسيم الداخل إلى موال ومعارض للتسوية المجهولة الهوية والغامضة…!
التوافق على النووي لا يمكن أن ينجز البتة من دون تكريس حقوق إيران الأساسية المشروعة، ولن يجرؤ أيّ من أفراد الطبقة السياسية على تجاوز خطوط الكساء الحمراء.
ليس في الأفق حتى الآن سوى التوافق الإطاري العام ولن يجرؤ أحد، أي أحد، على التفريط بالثوابت ولا شيء في الأفق سوى التمديد ستة أشهر أخرى…!
إيران القيادة العليا تمارس الديبلوماسية البطولية بإتقان شديد، فلا هي تمنع المرتعشين والمتفائلين حتى الثمالة من الحراك، ولا هي تكبح موجات التذمّر الشعبي العفوي منه والمنظّم من شدة انبطاحية البعض.
ثمة حراك كبير، وكبير جداً، على امتداد تضاريس المجتمع الأهلي وشبه الحكومي في اتجاه الدفاع عن الهوية الاستقلالية الفكرية منها والاقتصادية والسياسية للدولة، ينبئ بدخول دماء جديدة في الطبقة السياسية، ما قد يفضي إلى تحوّل مهمّ في مطبخ صناعة القرار الإيراني خلال العام الإيراني الجديد.
ثمة في العلاقات الإقليمية ثبات إيراني استراتيجي في اتجاه حسن الجوار مع العرب والمسلمين في ظلّ تراجع دور منافسها الاقليمي التقليدي ونفوذه، اي المملكة السعودية، باعتراف وإقرار سفراء وديبلوماسيين غربيين وعرب وخليجيين مقيمين وسابقين…
أيضا في العلاقات الإقليمية، ورغم كلّ ما تحاوله دولة خليجية بارزة ومؤثرة هي الثانية بعد سلطنة عمان في تطبيع العلاقات بين طهران والرياض، فإن الأخيرة لا تزال تبعث الرسائل السلبية في هذا السياق، ما يؤكد بقاء المملكة مبهوتة أمام التحوّلات العالمية وانعدام القدرة لديها على استيعاب مواكبة هذا التغيير المخيف، مثلما كما عبر أوباما من جهة، واستمرارها في معاداة المحيط الإقليمي والإمعان في التورّط في المستنقع السوري من جهة أخرى.
ثمة في العلاقات الدولية اهتمام وسباق لافتان بين الدول الكبرى، لا سيما في مجموعة الخمسة زائداً واحداً بمقاربة التقرب من إيران، القدر المتيقن منه إجماعها بالإجمال على كون طهران باتت اللاعب الأقوى إقليمياً، وربما المحدّد الأساسي لمصائر كلّ الملفات الإقليمية في ظلّ غياب شبه تام للمجموعة العربية وتخبّط تركي وهزال إسرائيلي .
رغم إلحاح غربي وخاصة أميركي لافت لمناقشة ملفات المنطقة بتوسع خاص مع المفاوض الإيراني، في موازاة النووي أو حتى قبله، إلا أن القيادة العليا أمرت ولا تزال بمنع فتح أي مفاوضات أو حوارات قبل إثبات حسن النية حول النووي.
رغم الضغوط كلّها والتشويش الأجنبي الممنهج، وبعض ارتباك البعض من الطبقة السياسية الحاكمة حول شكل ونوع التعامل مع القضية السورية، فإنّ القرار الأساس والاستراتيجي لدى القيادة العليا لا يزال هو نفسه، سورية خطنا الأحمر، ومقبرة للغزاة، وهي جزء لا يتجزأ من قضية الدفاع عن فلسطين أياً تكن الأثمان ومهما طال الزمان.
رغم كلّ الكلام المتناثر وتخبّط البعض وتشويش الآخر البعيد والقريب، فإنّ المعلومات المؤكدة تفيد بأنّ طهران هي التي لجمت تركيا من التمادي في حربها المفتوحة ضدّ سورية، لا سيما بعد نقض أردوغان الوعود التي قدمها إلى طهران بأنه مستعدّ لتغيير موقفه من دمشق، وأنه سيبحث بعد عودته من زيارته الأخيرة إلى طهران عن كوريدور آمن لقصر الشعب السوري بما يفضي لفتح صفحة جديدة.
المتابع الجيد والعميق لسلوك القيادة الإيرانية العليا يستنتج أنّ إيران الثورة والدولة والمجتمع لا تزال عند ثوابتها الدينية والثورية والوطنية المعروفة، رغم تململ البعض أو ترهّل الآخر أو بروز تيارات تحريفية أو مراجعاتية لدى أناس هنا أو أناس هناك، والحراك على أشدّه في هذا السياق لمنع تبلور تكتل تحريفي سيبقى منبوذاً في هرم السلطة والمجتمع ما دام ربان السفينة هو الإمام السيد علي الخامنئي.
يبقى أخيراً وليس آخراً القول إنّ إيران من الداخل، وبعد أكثر من تجربة حراك مفتوح، متكئ على المبدئية والثورية من جهة، وعلى التغيير والإصلاح من ناحية أخرى، فهي ترسّخت في المسرح الخارجي بمثابة دولة إقليمية عظمى بامتياز يسعى العدو إليها قبل الصديق، ليضعها في جدول أعماله وترتيبات سياسته الخارجية القصيرة المدى والاستراتيجية، ولسان حاله يقول: إذا كان لا بدّ من طهران فما هي السياسة التي ينبغي التعامل بها معها على نحو لا يفقد الواحد من وزنه الكثير لمصلحة هذا الصاعد الجديد؟!