مدارات مصير المسيحيين في ظل «الخلافة الداعشية»
ناديا شحادة
بعد مرور أكثر من أربعة أعوام على ما يُسمى ثورات الربيع العربي، أصبح واضحاً أن التيارات الإسلامية المتشددة في بلدان الربيع العربي حاولت العمل على تعزيز دورها السياسي، وبعد الفشل الذريع الذي تلقته هذه التيارات في كل من مصر وتونس وسورية، دخل المتطرفون الإسلاميون الساحة وبدأوا يدعون إلى إنشاء الخلافة الإسلامية ويقتلون باسم الإسلام كل من يقف ضد دعوتهم ومبادئهم، ومن هنا بدأ السؤال على مصير المسيحين في عالمنا العربي الذين هم من بناة المنطقة العربية وتعايشوا بسلام لسنين طويلة مع جميع الديانات، ولكن مع دخول التيارات الإرهابية وعلى رأسها «داعش» بدأ التحريض على المسيحيين في الشرق الأوسط والعمل الدؤوب من أجل تهجيرهم ولتذكير بقدرات تنظيم «داعش» الإجرامية…
ويؤكد المتابعون أن ما يقوم به هذا التنظيم من جرائم بحق المسيحيين وما يجري في منطقتنا ليس صدفة، إنما عمل مدروس ومخطط له لتهجير المسيحين من منطقة الشرق الأوسط، فبعد سيطرة تنظيم «داعش» على مدينة الموصل فرض على المسيحيين في تاريخ 23 حزيران 2014 الذين لا يزالون في المدينة دفع الجزية وهي ضريبة أو الإسلام أو مغادرة المدينة، الأمر الذي دفع أغلب سكان الموصل من المسيحيين إلى المغادرة نحو إقليم كردستان وبخاصة أربيل، إضافة إلى هروب 11 مسيحياً من أهالي سنجار في 2 شباط 2015 إلى محافظة دهوك على حدود إقليم كوردستان خوفاً من ظلم تنظيم «داعش» حيث أعلن النائب عن التحالف الوطني الكردستاني ماجد شنكالي أن 11 مسيحياً من أهالي سنجار تمكنوا من الهرب إلى حدود إقليم كردستان عن طريق بعض العشائر.
وما قام به هذا التنظيم من إعدام 21 قبطياً مصرياً في ليبيا في 13 شباط 2015 بعد عملية خطفهم، وكان مسلحون تابعون للتنظيم نفسه خطفوا في 13 كانون الثاني 2014 مصرياً في مدينة سرت الليببة وكانوا قد خطفوا 7 آخرين في كانون الأول من العام نفسه وجاء خطفهم في ظل تكرار وقائع قتل مصريين أقباط في ليبيا.
ونشهد هذا التحريض والإجرام بحق المسيحيين الموجودين في سورية والعمل الدؤوب من أجل تهجيرهم فتنظيم «داعش» خطف تسعين آشورياً من قريتي تل شاميرام وتل هرمز في محافظة الحسكة شمال شرقي سورية التي تشهد نزوحاً كثيفاً للمسيحيين خوفاً من الخطر التكفيري الذي يمثله هذا التنظيم، فبعد الهجوم الذي شنه هذا التنظيم على القريتين الآشوريتين في محافظة الحسكة حيث جرت اشتباكات مع وحدات حماية الشعب الكردي التي فرضت سيطرتها على مساحة واسعة من القرى وصولاً إلى محافظة الرقة، تمكن التنظيم من خطفهم، وإثر عملية الخطف جرت عمليات نزوح للمدنيين من القريتين المذكورتين، وعمد مسلحو التنظيم إلى إحراق 4 كنائس آشورية في ريف مدينة تل تمر بعد طرد أهلها والتمركز فيها، ويؤكد المتابعون أن ما يقوم به هذا التنظيم هو تدمير للتاريخ المسيحي في المنطقة.
ويؤكد المراقبون أن ما يحصل اليوم في الحسكة التي تمثل نموذجاً للتعايش المشترك بين كل مكوناتها من عرب وكرد وآشوريين وأرمن ومسيحيين إضافة إلى كونها ملئية بالمعالم الحضارية تعيد إلى أذهاننا ما حصل في دير الزور والرقة، وتجعلنا نشهد لحظة تاريخية تتمثل بإفراغ مكون أصيل وتحثنا على قرع ناقوس الخطر حيال تهديد الوجود المسيحي في المنطقة
ويتساءل المراقبون، هل ما يقوم به هذا التنظيم وما يجري في منطقة الشرق الأوسط هو عمل مخطط له تدعمه وتغذيه وتموله قوى إقليمية ودولية هدفها تمزيق وتفتيت النسيج الوطني للدول العربية وتحويلها إلى دويلات مسيحية وسنية وشيعية متناثرة، وإرغام غالبية المسيحيين الذين كانوا ولا يزالون حدائق نابضة بالحياة والتنوع على العيش في أوروبا وأميركا حفاظاً على حياتهم لتسهيل مرور الفتنة السنية ـ الشيعية المخطط لها والتي يعرقلها الوجود المسيحي في الشرق الأوسط؟