اضطرابات معان… وبدء ارتدادات الحرب على سورية على الداخل الأردني
حسن حردان
ما جرى ويجري في مدينة معان الأردنية في الجنوب إنما هو شكل من أشكال ارتدادات تورط دول جوار سورية في تغذية ودعم الحرب الإرهابية عليها.
فالجماعات الإرهابية التكفيرية ضمت في صفوفها سلفيين أردنيين متطرفين، والأردن شكل ممراً لهم ولعناصر مماثلة قدمت من السعودية، ليبيا، أفغانستان وتونس وغيرها، وتسللوا عبر الحدود الأردنية إلى الداخل السوري، ولم يأبه النظام الأردني حينها لتحذيرات الدولة الوطنية السورية لمخاطر هذا التورط وانعكاساته عليه في المستقبل.
ومنذ بداية الأزمة كان النظام الأردني يعيش حالة انفصام وقلق دائمين، فهو من جهة يخضع للوصاية الأميركية ـ الخليجية وينفذ أجندتها الهادفة إلى تغذية الحرب في سورية، ومن جهة ثانية يشعر بالقلق من ازدياد قوة الجماعات السلفية المتطرفة في الأردن وسورية. ومن تنامي خطرها على استقرار الأردن في الحالتين: في حالة نجحت في تدمير سورية وإسقاط نظامها الوطني فإنها سوف تمد نفوذها إلى الداخل الأردني وتعمل على الإطاحة بالنظام ليصبح تحت سيطرة الإخوان المسلمين الذين يشكلون الغطاء السياسي لهذه الجماعات السلفية، كما هو مرسوم أميركياً وتركياً، خصوصاً مع وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر، قبل أن يسقط حكمهم ويتبدل المشهد في غير مصلحتهم.
وفي حالة فشلها، سوف تعود هذه العناصر الإرهابية من سورية إلى الأردن، ويتحول الأردن إلى مكان لتجمع هؤلاء، ما يعني أنهم سيبدأون بإثارة القلاقل والاضطرابات وبث وإشاعة أيديولوجيتهم المتطرفة التكفيرية، بخاصة في المناطق النائية الفقيرة والمهمشة التي تعاني من البطالة، والتي تشكل تربة خصبة لذلك، مثل مناطق الجنوب الأردني، الأمر الذي سيقود إلى تفجير الاستقرار والأمن وانتقال شرارة الإرهاب من سورية لتضرب في الأردن.
اليوم يمكن القول إن الحالة الثانية هي التي حصلت، حيث فشلت الجماعات الإرهابية في تحقيق أهدافها في سورية، والجيش السوري أصبح يتقدم في كل المناطق، مستعيداً سيطرته عليها، خصوصاً بعد أن حسم السيطرة على منطقة القلمون في ريف دمشق، وإسقاط خطة إقامة إمارة للقاعدة في هذه المنطقة المحاذية للحدود مع لبنان لجعلها نقطة ارتكاز أساسية لتقويض الدولة الوطنية السورية.
وأدى فشل الجماعات المسلحة إلى مزيد من التحولات السلبية على المشروع الأميركي الغربي ـ الخليجي التركي، وبدأت العناصر الإرهابية اليائسة من إمكانية استعادة زمام المبادرة في الميدان السوري، وتغيير ميزان القوى بالعودة إلى البلدان التي جاءت منها عبر دول جوار سورية، ومنها الأردن الذي شكل ممراً من الممرات الرئيسية لدخولها إلى سورية إلى جانب لبنان وتركيا والعراق.
وما يزيد من خطورة هذه الجماعات في الأردن اعتماد النظام الأردني سياسات لا وطنية متمثلة بالصلح مع العدو الصهيوني، وسياسات اقتصادية اجتماعية فاقدة للتنمية والعدالة الاجتماعية ومرتكزة إلى وصفات صندوق النقد الدولي والفلسفة الليبرالية الاقتصادية القائمة على تغليب الاقتصاد الريعي القطاع المالي والقطاع العقاري على حساب القطاعات الإنتاجية زراعة وصناعة .
وأدت هذه السياسات إلى إضعاف التنمية في مدن الجنوب الأردني وبخاصة في عاصمة معان، حيث فقدت مصادر عيشها الأساسية. بعد الاتفاق مع الكيان الصهيوني واجتياح القوات الأميركية للعراق، فيما هي حرمت من أي مشاريع تنمية حقيقية، فلا زراعة مدعومة، ولا مصانع في المنطقة، في حين أن طريق الحج الذي كان يمر عبرها جرى تحويله، أما استفادة سكانها من العمل في النقل البري الشاحنات بين الأردن والعراق والخليج فقد تلاشت بعد الحرب في العراق.
في ضوء ذلك، كان من الطبيعي أن تستفيد قوى التطرف والتكفير من هذا الواقع، واقع البؤس والحرمان والبطالة والتهميش وتعمل على استقطاب الشباب العاطل من العمل، وتالياً زيادة نفوذها في مدن الجنوب المحرومة.
لهذا ليس غريباً ما يحصل هذه الأيام من تصاعد في تهديد الجماعات المتطرفة بضرب مؤسسات الدولة وصولاً إلى تهديد الملك عبدالله الثاني شخصياً في دلالة على تنامي قوتها وقدرتها في الأردن. فالنظام الأردني اليوم يدفع ثمن تورطه في الحرب الإرهابية على سورية، وهو يحصد نتائج تغذية قوى الإرهاب التي قوّيت في الأردن.
إن مواجهة خطر الإرهاب في الأردن، لا يمكن فصله عن مواجهته في سورية أو العراق أو مصر. وهذا يستدعي من النظام الأردني إذا كان يريد فعلاً التصدي لهذا الخطر، التنسيق أمنياً مع الدولة الوطنية السورية، كما هي حال العراق، كما تستدعي أيضاً إعادة النظر بسياساته الداخلية والانفتاح على القوى الوطنية الأردنية وكل مكونات الشعب الأردني وإشراكها في القرار ومواجهة هذه الجماعات المتطرفة، وقبل ذلك وضع خطة اقتصادية اجتماعية لتنمية المناطق المحرومة والفقيرة، وتالياً مغادرة سياسات النيوليبرالية المتوحشة التي أفقرت الشعب الأردني وهمشت الإنتاج الوطني لمصلحة تمركز الثروة بيد قلة من حيتان المال المرتبطين بدوائر الرأسمالية الغربية.
Email: hassan.hardan56 yahoo.com