من سورية إلى اليمن تصعيد استعراضي سعودي تركي

مع شدّ الحبال الذي فرضته زيارة بنيامين نتنياهو إلى واشنطن، والآمال التي يعلقها التركي والسعودي مع «الإسرائيلي» على تغيير موقف واشنطن من المفاوضات مع إيران، يرمي كلّ من الأتراك والسعوديين بثقليهما، لمساندة نتنياهو عبر تقديم أوراق اعتماد تقول بأنهما يستطيعان فعل المزيد، وأنّ الحرب لم تنته، بينما فشل نتنياهو في قول ذلك بعدما ترتّب على غارة القنيطرة مفعول عكسي، فكانت عملية مزارع شبعا وتغيير قواعد الاشتباك سبباً كافياً لتقييد اليد «الإسرائيلية» عسكرياً ومخابراتياً في جبهتي لبنان وسورية، وما سيرتّبه ذلك من تداعيات وانهيارات، في أوضاع الحلفاء الذين اشتغلت «إسرائيل» زمناً على تحضيرهم كحزام أمن حدودي، تراه اليوم يتهاوى أمام أعينها وهي لا تستطيع تحريك ساكن.

في سورية يضع الجيش خطته للتقدّم جنوباً في منطقة الفراغ الاستراتيجي الناتجة من ميزان الردع وقواعد الاشتباك الجديدة بعد عملية مزارع شبعا، فالعجز «الإسرائيلي» عن نصرة «النصرة»، يفتح الباب للإمساك بالتلال والمواقع الاستراتيجية في مفاصل المنطقة الجنوبية، لإسقاط قيمتها العسكرية، من دون التورّط في معارك استنزاف وهمية لتنظيف كامل جيوب توزّع المسلحين، بل لفكفكة منظومة التواصل في ما بينهم التي تسمح لهم كما في السابق بالتصرف كجيش، وتقطيع الأوصال يحيلهم زمراً ومجموعات صغيرة بالكاد تتمكن من الدفاع عن نفسها ومواقعها، ويقطع أو يعقد طرق الإمداد التي بدونها تنخفض المعنويات والقدرات حتى تحين ساعة الصفر التي يقرّرها الجيش للحسم.

تركيا والسعودية تقدّمان مشهداً يحاول القول انّ شيئاً لم ينته بعد، ففي شمال سورية فشلت المسرحية الاستعراضية لنقل رفات سليمان شاه، ولم ينتج منها أيّ معنى يتخطى الاستعراض، فالعملية في منطقة تحت سيطرة «داعش» والدخول والخروج بذريعة دينية وإعلام مسبق للقنصلية السورية ولمدة ساعات، يعني أنها غير قابلة للتكرار، وغير ذات تأثير عسكري، وليست رسالة يمكن البناء عليها للمستقبل، سوى في فضح التردّد التركي بالتدخل.

بقي لتركيا ورقة تعطيل الحلّ في حلب، وإفشال مهمة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، وهي تتوهّم انّ هذا يحسّن وضعها، بينما هو يحسّن وضع خصمها الذي تمثله الدولة السورية، التي تظهر مسهّلة للمهمة الأممية، بعدما نجحت في جعل إقفال الحدود التركية أمام السلاح والمسلحين جزءاً منها وصار التعطيل التركي دليلاً إضافياً في ملف الاتهام المتعدّد الأطراف الذي تواجهه تركيا بدعم الإرهاب.

السعودية تريد أن تمنح وضعها الضاغط في اليمن صفة القوة، وهو في الواقع مسقوف بخيار التفاوض مهما بالغت في نبرة منصور هادي عن اعتبار صنعاء عاصمة محتلة، لأنّ المهمّ في نهاية المطاف، بمن سيحرّر منصور هادي صنعاء؟ بالجيش السعودي أم التركي أم المصري؟ وكلّ منهم لما يكون قادراً على حرب سيخوضها حيث أولويته الأمنية، فليبيا أهمّ لمصر وسورية أهمّ لتركيا، والسعودية خبرت قوتها في وجه الحوثيين قبل أربع سنوات يوم تدخلت إيران تتوسط لانسحابهم من الأراضي السعودية أثناء حرب صعدة، وهم اليوم أقوى وأشدّ عزماً.

سقف الحركة الاستعراضية في اليمن، التمهيد للعودة إلى طاولة مفاوضات هذه المرة في مسقط بعدما صارت عدن وصنعاء مرفوضتين من اليمنيين بسبب الاستقطاب الجاري، وصار التفاوض محسوماً لصالح مجلس رئاسي جديد بعدما فقد منصور هادي صفة الوسيط والحكم وصار هو عنوان المواجهة.

تصعيد موقت بانتظار الاتفاق الإيراني الأميركي لتبدأ المنطقة، بتلقي التردّدات الإيجابية للمرحلة الجديدة.

«توب نيوز»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى