جلول: الزيارة رسمية سراً ونقلت رسالة إلى دمشق

حاورته بتول عبدالله

بعد أن ذهبت فرنسا بعيداً في دعم وتغطية الإرهاب في سورية أملاً بإسقاط النظام هناك، ها هي تتودد لدمشق بعد أن قرع الإرهاب أبوابها وضرب في «شارل إيبدو»، وترسل وفداً برلمانياً للمرة الأولى منذ بداية الأزمة في سورية، ما يبين أن الزيارة غير رسمية علناً لكنها رسمية سراً، بحسب وصف الخبير في الشؤون الفرنسية فيصل جلول.

وفيما بدأت ملامح التغيير في الموقف الأوروبي تجاه الإرهاب في سورية، تتوجه الأنظار إلى التطورات المتسارعة في اليمن الذي يعاني من الإرهاب نفسه، وفي هذا السياق يستبعد جلول أن يتحول اليمن إلى «يمنات» وعواصم وحكومات. فيما ينتظر العالم اتفاقاً تاريخياً بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي ربما يغير وجه المنطقة برمتها. إذ يكشف جلول عن معلومات تؤكد أن هذا الاتفاق بات محسوماً وسيعقد خلال الشهر الجاري.

مواقف جلول جاءت خلال حوار مع صحيفة «البناء», في ما يلي نصه:

هل كانت زيارة الوفد البرلماني الفرنسي إلى دمشق بغطاءٍ رسمي من الحكومة الفرنسية أم زيارة فردية؟

– رسمياً لا يوجد غطاء، فهذا النوع من المبادرات لا يحتاج إلى غطاءٍ رسمي لأن الذين قاموا بالزيارة هم من ممثلي الشعب الفرنسي وبالتالي لديهم سيادة على قراراتهم لأن السلطة في فرنسا تستمد من الشعب، ما يعني أن الزيارة شرعية مئة في المئة. إضافة إلى ذلك لا يمكن لهكذا زيارة أن تتم من دون الإتفاق مع الجهات الأمنية في فرنسا وبالتالي فإن السلطات الفرنسية على علم بها ولو أرادت منعها لفعلت، ما يبيّن أن للوفد الفرنسي رسالة ما يريد نقلها إلى دمشق.

لماذا تمت هذه الزيارة اليوم وليس في السابق؟

– رئيس الوفد الفرنسي هو رئيس جمعية الصداقة الفرنسية السورية جيرارد بابت، معنى ذلك أن الجمعية كانت تتوخى الزيارة من قبل ولم يسمحوا لها إلا اليوم، ومن جهة ثانية النائب بابت هو الذي ينقل الرسائل عملياً بين السلطات الفرنسية وسورية ولبنان والعراق، وهذا مؤشر على أنها ليست زيارة مجاملة إنما زيارة رسائل، أيضاً عندما سُئل رئيس البعثة الفرنسية عما دار من محادثات، صرّح بأنه سيترك الجواب للجهة المعنية كي تدلي به، معنى ذلك أنه جاء برسالة من باريس وسيعيد معه معلومات حولها من دمشق ما يدل إلى أن الزيارة لسيت رسمية علناً لكنها كذلك سرّاً.

إذا كانت الزيارة رسمية سراً كما تقول، لماذا تتبرأ الحكومة الفرنسية من الوفد وتهدده بالمحاسبة؟

– يبدو أن سورية قد ردت بعنف على الرسالة التي حملها الوفد الفرنسي ووضعت شروطاً صعبة، ثم أرادت السلطات الفرنسية مَخرجاً ما، فقررت محاكمة هؤلاء ولكن هذا غير منطقي لأن الوفد قام بزيارة شرعية لبلد ليس عدواً لفرنسا، الكلام عن المحاسبة ليس جدياً.

هل هناك من مسوّغ قانوني لدى السلطات الفرنسية لمنع هذه الزيارة قبل حصولها؟

– من الناحية القانونية ليس هناك ما يمنع الزيارة إلا في حالتين: أولاً، لو كانت سورية دولة عدوة لفرنسا، ثانياً حين يكون هناك خطر أمني قاطع على الفرنسيين حال ذهابهم الى دمشق، إلا أن باريس لم تمتلك الحجة الكافية لمنعهم.

كيف ينظر الشعب الأوروبي عموماً والفرنسي خصوصاً إلى ظاهرة الإرهاب بعد أحداث «شارلي إيبدو»؟

– على رغم أن الشعب الفرنسي لا يملك صورة موحدة حول هذا الموضوع، إلا أنه متفق على أن الإسلاميين إرهابيون وأن التحالف الدولي يشن حرباً على «داعش»، لكن لا أحد يستطيع خداع الشعب الفرنسي والقول إن النظام في سورية سبب نشوء الإرهاب وانتشاره، بخاصة بعد أحداث «شارلي إيبدو»، حيث تبنت «القاعدة» و»داعش» هذه العملية.

هل يمكن سورية أن تفصل التنسيق الأمني عن التنسيق الدبلوماسي الذي تطالب به دمشق ليكون المفتاح الرئيسي لكل ما هو أمني بينها وبين باريس؟

– لا أعتقد ذلك، لأن الدولة السورية كانت واضحة وحاسمة منذ البداية وطالبت فرنسا بالتعاطي معها كدولة شرعية وليس كجهاز أمن. فرنسا كانت محرجة لأن لديها حلفاء في الخليج وتركيا، فلا يمكنها التعامل مع سورية من دون النظر إلى علاقاتهم معها، كما أن باريس تعتبر في اللاوعي أن النظام في سورية المنبثق من حزب البعث، هو المسؤول عن ضرب النفوذ الفرنسي في سورية عندما كانت الأخيرة حصة الفرنسيين من اتفاقية سايكس بيكو».

هل تخاف على الإسلام السمح كفكر وممارسة في فرنسا، أم أن الإرهاب الضارب هناك سيقسم هؤلاء إلى فسطاطين: الراضي بالإساءات للرموز تحت حجة حرية الرأي وآخر يميل نحو «الدعشنة»؟

– عندما احتُلت غرناطة، آخر مدينة إسلامية في اسبانيا، طرح الفقهاء ما يسمى بـ «فقه النوازل»، أي أنه حين يطلب منك العدو أكل لحم الخنزير أو شرب الخمر مقابل قتلك، فعليك فعل ذلك حفاظاً على حياتك. حالياً لا تعيش فرنسا مرحلة «فقه النوازل» لكن على المسلم القبول بما يحصل من إساءات للرسول وغيرها من الممارسات تحت حجة حرية الرأي والتعبير لأنه الطرف الضعيف هناك. المؤسسات الرسمية لا تقبل بذلك، لكن العقاب لا يكون بالقتل ونسبةً الى وجود ستة ملايين مسلم في فرنسا فإن انخراط ألف منهم مع هذا التنظيم التكفيري ليس بالرقم الكبير، غير أنّ فعاليتهم قد تكون كبيرة من ناحية إلحاق الأذى بالآخرين كما فعلوا في هجومهم على «شارلي إيبدو» وبالتالي لا أظن أن هناك خوفاً على الإسلام في الغرب من التطرف.

هل هناك دور لـ«إسرائيل» في تغذية اليمين المتطرف لوقف المد الإسلامي في الغرب وحث اليهود على الهجرة مجدداً إلى فلسطين المحتلة؟

– هذا الإحتمال وارد، بخاصة أن العمليات الإرهابية التي تمت في بلجيكا وفي مدينة تولوز في فرنسا استهدفت مدارس وكُنُس يهودية مع العلم أن أكبر طائفة يهودية موجودة في فرنسا ذهب بعضهم الى «إسرائيل». والجدير ذكره أن رئيس حكومة العدو «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو طالب اليهود في الغرب علناً بالمجيء إلى «إسرائيل» وبالتالي إن الإستغلال «الإسرائيلي» لهذا الأمر محتمل، غير أني لا أملك معلومات تؤكد تعامل «إسرائيل» مع «داعش» وأخواته للقيام بأعمال إرهابية، إلا أنه قد يكون هناك عمل استخباراتي نحن لسنا على علم به.

كيف ترى موقع أوروبا في الخريطة الجيوبوليتيكية الجديدة في العالم والتي نعيش هذه الأيام المخاض العسير لولادتها؟

– أوروبا ما زالت تخسر منذ وقت طويل، النظام الإمبراطوري هو آخر نظام كانت تسيطر عليه، ثم جاء نظام الثنائية القطبية ومن بعده نشأ نظام القطب الواحد، حيث كانت ولا زالت أوروبا ملحقاً لأميركا، تنفذ أوامرها وتحتمي بها وبالتالي سيكون للأوروبيين نفوذ كبير في المرحلة المقبلة، غير أنهم لن يتمتعوا بسيطرة أحادية الجانب، إذ يحتاجون إلى حلفاء في أي نظام عالمي جديد.

هل تعتقد أن الإرهاب بات يشكل خطراً جدياً على أوروبا؟

– لقد نشأت في أوروبا ظاهرة «العائدون من سورية» الذين يشنون عمليات إرهابية هناك ما يؤكد أن الإرهاب قد ارتد على أوروبا وأشبّه ذلك بفيلم «فرانكشتاين» حيث يقوم طبيب جراح بخلق مسخ هائل الحجم ويتحول الأخير إلى وحش يقضي على صانعه.

بالانتقال إلى أحداث اليمن هل تنظر إلى التطورات الأخيرة هناك بأنها قد تكون مفتاحاً للتسوية في المنطقة، أم أنها ستؤدي إلى حرب شاملة؟

– الصراع في اليمن مفتوح، ويتصدره الصراع على النفط، فلنفط الخليج ممران: الأول، هو مضيق هرمز، والثاني هو باب المندب الذي يسيطر على المواصلات النفطية وجزئياً على التجارة الدولية، وبالتالي إذا كان النظام اليمني حليفاً للسعودية تربح الأخيرة، والعكس صحيح، إذا أصبح لإيران نفوذ في اليمن سيصبح لها نفوذ في باب المندب ومضيق هرمز، ما يعني أن كلمتها ستكون الأولى في ما يخص المواصلات النفطية للعالم بأسره، الأمر الذي يقلق السعودية التي تنتج نحو 11 مليون برميل من النفط يومياً، وغيرها من خصوم إيران.

سيطرة «أنصار الله» على جنوب اليمن ترجح أن تصبح إيران شريكة لأميركا وفرنسا اللتين تتواجدان على المقلب الآخر من باب المندب في جيبوتي.

برأيك هل يسير اليمن نحو التقسيم وانفصال الجنوب عن الشمال؟

– من الصعب تقسيم اليمن. الحوثيون لن يقبلوا بنقل الحوار إلى خارج صنعاء ومنها السعودية والامارات العربية المتحدة، ولهما قنصليات في عدن أساساً وذهاب سفرائهما إلى قنصلياتهما هناك لا يشير إلى الإنفصال عن الشمال والرئيس السابق عبد ربه منصور هادي لا يملك حاضنة شعبية في جنوب اليمن وسنده الوحيد هو الميليشيات القادمة من قريته أبين فإذا ما انقسمت اليمن لن تنقسم شمالاً جنوباً.

المفاوضات النووية بين إيران والدول الـ5+1 إلى أين؟

الاتفاق الإيراني الأميركي حول الملف النووي سيتم خلال الشهر الجاري، لدي معلومات دقيقة حول ذلك حيث أكد وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس هذا الأمر في اجتماع لمجلس الوزراء الفرنسي وكذلك أقر لنا السفير الإيراني في باريس علي آهني بأن الإتفاق بات شبه محسوم.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى