أفق التفاهم الداخلي المقفل يضع الاستحقاق في الثلاجة

شادي جواد

ثمة من يجزم من السياسيين بأن الاستحقاق الرئاسي في لبنان قد وضع في الثلاّجة، وأن الحركة التي تجرى على مستوى الداخل ستبقى من دون بركة، كون الأفق الداخلي في ضوء ما برز من مواقف سياسية على هذا الصعيد بات مقفلاً، وبالتالي فإن مقولة لبننة الانتخابات باتت متعذّرة، بل مستحيلة، وأن هذا الموضوع علق في مأزق من الصعب الخروج منه إلا عن طريق تسوية وانتظار ما ستفضي إليه الاستحقاقات في المنطقة إن في العراق أو سورية أو مصر.

وقد أظهر المشهد الانتخابي الذي حصل في الجلسة الأولى للانتخاب في 23 الجاري استحالة أن يأتي رئيس للجمهورية بجهود وأصوات فريق واحد، وهو ما يعني أن المشهد الذي انتهت إليه الجلسة الأولى سيتكرر ولو دعا الرئيس بري لمئات من الجلسات، وهو ما يعني أن الانقسام السياسي الحاصل لن يعالج إلا عن طريق تدخل إقليمي ودولي، وهذا الأمر متعذّر في هذه الآونة لأن الخارج لديه أولوياته ولبنان ليس من بين هذه الأولويات الآن.

ويؤكد مصدر وزاري في هذا المجال أن البحث عن شخصية توافقية تحظى برضى الأفرقاء لرئاسة الجمهورية أشبه بمن يفتش عن إبرة في أكوام من القش، وبالتالي فإن الصورة واضحة ولا يمكن تجاهلها، وهي أن فريق 8 آذار يحتاج لأصوات من فريق 14 آذار لكي يأتي برئيس من صفوفه، وكذلك فريق 14 آذار يحتاج إلى أصوات من 8 آذار لكي يأتي الرئيس من صفوفه بغض النظر عن أصوات الوسطيين الذين من الصعب أن يقترعوا جميعهم لمصلحة أي فريق ما لم تكن هناك تفاهمات وتسويات مسبقة، وهذا يعني أن الاستحقاق الرئاسي لن يجد مخرجاً له إلا من خلال تسوية على غرار ما جرى في الدوحة وجاء بالرئيس ميشال سليمان إلى سدّة الرئاسة.

وفي رأي المصدر أن كل الجدال السياسي الداخلي لن يوصل إلى أي نتيجة، وأن الانتخابات الرئاسية ستبقى لفترة طويلة في الحلقة المفرغة، وأن الرئيس سليمان ربما يغادر قصر بعبدا من دون أن يكون المجلس النيابي قد تمكن من انتخاب الشخص الذي سيخلفه.

وفي هذا السياق، فإن فريق الرابع عشر من آذار يعيش هذه الآونة أصعب أيامه، حيث أن التفاهم الداخلي عن خوض غمار الاستحقاق برؤية موحدة بات من رابع المستحيلات وأن الاجتماع الأخير الذي عقده هذا الفريق مطلع الأسبوع الماضي كان عاصفاً جداً، حيث برزت انقسامات حول جدوى استمرار سمير جعجع في الترشح، وكذلك حول الشخصية التي يمكن أن يطرحها هذا الفريق كبديل عن جعجع، وانتهى الاجتماع من دون الاتفاق على شيء، وأن الذين اتصلوا بسعد الحريري أيضاً من هذا الفريق لم يأخذوا منه لا حق ولا باطل حيث بقيت أجوبته كالعادة عند أي مفترق غير واضحة وتحمل تأويلات عدة. وقد اعتبر البعض في 14 آذار أن الحريري يقول شيئاً ويعمل عكسه وأنه لا يمكن أن يحدد موقفه النهائي من الاستحقاق الرئاسي قبل أن تقول المملكة العربية السعودية كلمتها في هذا المجال.

وتلفت أوساط متابعة أن فريق 14 آذار الذي يعيش حالة من التشويش الفكري والتشتت نتيجة مقاربة كل مجموعة فيه الاستحقاق الرئاسي من زاويتها الخاصة بمعنى أن كل مرشح بات يغني على ليلاه، سيعقد اجتماعاً على المستوى القيادي في الساعات القليلة المقبلة في محاولة أخيرة للتفاهم على رؤية موحدة من الانتخابات، غير أن هذه المحاولة من الصعب أن يكتب لها النجاح في ظل الانشطار الذي يضرب قيادات هذا الفريق.

وتضع هذه الأوساط زيارة السفير الأميركي ديفيد هل إلى معراب في خانة الدخول الأميركي المباشر على الخط، بعد أن شعرت بخطورة ما يجري داخل هذا الفريق، وقد أبلغ هل سمير جعجع هذه المخاوف الأميركية التي تنطلق من أن استمرار الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى استحالة إجراء الانتخابات والوقوع في الفراغ.

وبحسب الأوساط فإن جعجع بقي راكباً رأسه ومصراً على الترشح مهما كانت النتيجة.

وفي تقدير الأوساط أن كل المحاولات الجارية لترميم هيكل 14 آذار المتصدّع لم تأت إلى الآن بنتيجة، وأن قابل الأيام سيكشف الكثير مما يحاول أن يخفيه فريق 14 آذار على مستوى الابتعاد الحاصل في صفوف قياداته وأن مسألة الانتخابات الرئاسية هي بمثابة المسمار الذي سيضرب في نعش هذا الفريق الذي يعيش الآن على أوكسجين الإيماءات والوعود الخارجية التي لا تسمن ولا تغني من جوع.

وترى الأوساط أن أفضل من شخّص المناخات المحيطة بالاستحقاق الرئاسي هو السفير البريطاني في لبنان توم فيلتشر الذي قال في أحد مجالسه: «ثمة عادة لبنانية بالإتكال على الخارج، وعادة خارجية بالتدخل بالشأن اللبناني». هذا الموقف لسفير دولة كبرى يشي بأن لبنان ما زال عاجزاً عن تدبير أموره الداخلية بنفسه، وأنه ما زال ينتظر أن تأتيه الحلول من الخارج لأي مشكلة يتعرض لها. وهذا الواقع يؤكد أن انتخاب الرئيس بإرادة داخلية صعب المنال، وأن على اللبنانيين أن ينتظروا إلى حين أن يضع الخارج بلدهم على أجندة أولوياته.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى