سقوط مشاريع أميركا عند أسوار الدول المنيعة
جورج كعدي
ليس ضروريّاً أن تكون الأسوار المنيعة التي تصدّ مؤامرات الولايات المتحدة ومشاريعها الإمبرياليّة في العالم مثل سور الصين العظيم، إذ يمكن أن يكون هذا السور الشاهق المنيع مقاومةً باسلةً، مثل المقاومة في لبنان وفلسطين، أو شعباً أبيّاً مثل شعوب الأمّة السوريّة جمعاء، أو دولة حضاريّة عظمى مثل روسيا، أو دولة عملاقة قويّة وعريقة مثل الصين، أو قوّة إقليميّة كبيرة صاعدة تملك العزم والإرادة والقدرات مثل إيران وفنزويللا، إلى ما هنالك من قوى جديدة متشكّلة على الساحة الدوليّة مناهضة للإمبرياليّة الأميركيّة ولأحاديّة القطب.
نظرة شاملة إلى أنحاء العالم تُثبت ما تقدّم، وتؤكّده واقعاً منظوراً وملموساً لأيّ مراقب:
1 ـــ على الجبهتين اللبنانيّة ـــ «الإسرائيليّة» والفلسطينيّة ـــ «الإسرائيلية» غزّة نموذجاً سقط المشروع الأميركيّ والصهيونيّ المشترك مراراً بالأمس، ويسقط اليوم، وسوف يسقط على الدوام مستقبلاً بفضل مقاومتين إعجازيّتين بطلتين، لبنانيّة وفلسطينيّة، تملكان الإيمان القويّ بالقضيّة وروح التضحية والشهادة، والأهمّ الشجاعة والبطولة والقدرات القتاليّة المميّزة التي حيّرت الأعداء والأصدقاء على السواء. ولا توصل الاستماتة الأميركيّة ـــ «الإسرائيليّة» لتحقيق المشروع الدائم والمستمرّ إلى أيّ نتيجة، بل يزداد الأمر للأميركيّين خيبةً وتعقيداً وفقدان أمل في تحقيق مشروعهم الأوسطيّ القائم على الهيمنة وحماية «إسرائيل» وتقسيم المقسّم وتجزئة المجزّأ.
2 ـــ على الجبهة السوريّة، حيث سقط المشروع الأميركيّ، المنفّذ بأدوات «إسرائيليّة» تركيّة ـــ سعوديّة ـــ قطريّة ـــ أردنيّة ـــ فرنسيّة…، عند أسوار دمشق وقلعتها المنيعة، فأصيب أميركيّو دوائر التآمر والظلام بخيبة مريرة ونكسة رهيبة، إذ لم يتوقّعوا أن تصمد سورية في وجه الهجمة المسعورة يصفها السوريّون محقّين بـ«الحرب الكونيّة» على سورية وتظلّ ركائز الدولة، سلطةً وجيشاً وإدارةً ومجتمعاً وقطاعات عامة وخاصة، قائمةً ولا يصيبها الانهيار الذي كان يتوقّعه الأميركيّون في الأٍسابيع الأولى من بدء تنفيذ المؤامرة ضدّ سورية الدولة والشعب والجيش وعقيدة رفض التطبيع والسلام ـــ الاستسلام مع «إسرائيل» ونهج الالتزام بالمشروع المقاوم لأميركا و«إسرائيل» وسياستهما المجرمة والمعادية في المنطقة.
3 ـــ على الجبهة العراقيّة، حيث لم تتطابق حسابات الحقل يوماً مع حسابات البيدر لدى الأميركيّين الذين تعرّضوا منذ الغزو المجرم والأرعن للعراق لسلسلة هزائم ونكسات وتراجعات وانسحابات كبرى، ولم يؤدِّ تدمير العراق وتقسيمه وتسعير نزاعاته المذهبيّة والعرقيّة سوى إلى نتيجة معاكسة للهدف المرتجى، إذ وسّعت أميركا من حيث لم ترغب ولم تُخطّط البتّة المدى الحيويّ الجيو ـــ سياسيّ لإيران، وتلك قمّة الرعونة والغباء في مشاريع التآمر الأميركيّة، أن تفضي مؤامرة أو احتلال إلى عكس غايتهما، ولا يؤتي بنتيجةً مماثلةً إلاّ غبيّ أحمق مثل جورج دبليو بوش.
4 ـــ على الجبهة الإيرانيّة، حيث لم تُجدِ سياسة العقوبات المجرمة والتعسّفية التي فرضتها الولايات المتحدة وأذنابها في أوروبا ضدّ إيران وشعبها في شيء، فالإرادة الإيرانيّة الجبّارة أبطلت مفعول هذه العقوبات غير اللائقة في علم السياسة بالدول التي تحترم نفسها إنّما اللائقة بقطّاع الطرق والدول المارقة مثل الولايات المتحدة الأميركيّة التي تزعم لعب دور «شرطيّ العالم» بينما هي في الحقيقة دولة مجرمة لا تملك إلاّ سياسة التآمر والنهب والتوسّع والهيمنة والانفراد بحكم العالم قطباً أوحد مطلق اليد والقرار! فبفضل حيويّة الشعب الإيرانيّ، وتفوّقه المبدع في العلوم والتكنولوجيا حتى الأكثر تعقيداً مثل العلوم النوويّة والعسكريّة، وبفضل الاكتفاء الذاتيّ والسياسة الحكيمة والرشيدة لرأس النظام، وإرادة الشعب الإيرانيّ الجبّار وصبره إزاء الحصار المفروض عليه منذ عقود، استطاعت إيران الصمود. أمّا الفشل الأميركيّ عند الأسوار الإيرانيّة فيتمثّل اليوم في الصراع داخل الولايات المتحدة وأروقتها السياسيّة والاستخباريّة والعسكريّة حول المفاوضات الجارية، فلو أُبرمت الاتفاقيّة النووية لكان الربح إيرانيّاً صافياً، ولو لم تُبرم لكان الربح إيرانيّاً أيضاً، إذ ستبقى أميركا و«إسرائيل» عاجزتين عن ضربة عسكريّة مشتهاة لإيران، وستكون إيران بعد ذلك حرّة من أيّ قيد يمنعها من امتلاك قنبلة نوويّة لو شاءت ذلك ولم تكتفِ بالطاقة النووية السلميّة، هدفها الأصليّ والفعليّ والصادق منذ اندلاع الأزمة وبدء المفاوضات.
5 ـــ على الجبهة الأوكرانيّة، حيث استهدفت الولايات المتحدة روسيا عبر مداها الحيويّ وحديقتها الخلفيّة أو الأماميّة ، لكنّ دهاء الرجل التاريخيّ والفولاذيّ فلاديمير بوتين، باعث نهضة الأمّة الروسيّة الجديدة، ردّ على العنجهية الأميركيّة، المتآمرة والغبيّة، في المواقع التي تؤلمها، في جزيرة القرم بدءاً، ثم في الأنحاء الروسيّة من أوكرانيا، مع تهديد علنيّ أو مبطّن حازم لأميركا وحلفائها الأوروبيّين بعدم التهاون في المسألة الأوكرانيّة حتى لو اضطّرت روسيا إلى احتلال كامل أوكرانيا للحفاظ على أمنها القوميّ والحيويّ الجيو ـــ استراتيجيّ الذي لا مزاح فيه أو استخفاف لأخطاره.
إلى هذه الجبهات الأساسيّة يمكن إضافة الجبهة الصينيّة حيث تعاني الصين مؤامرات أميركا الدنيئة عبر هونغ كونغ والأقاليم المسلمة وتصدّها بحزم وكلام تحذيريّ للمسؤولين الأميركيّين ممّا قلّ ودلّ. والجبهة الفنزويليّة حيث طرد بالأمس القريب الديبلوماسيّون الأميركيّون وقلّص عديد السفارة الأميركيّة وفُرضت تأشيرة على الأميركيّين الداخلين إلى الأراضي الفنزويليّة. وفي بوليفيا والأرجنتين والبرازيل حيث ما عادت هذه الدول والشعوب تخشى «إغضاب» الولايات المتحدة أو الوقوف في وجهها.
وبعد، إن كان لدى البعض قراءة مختلفة لهذا الواقع الدوليّ وللانهيارات الأميركيّة عند أسوار الشعوب الأبيّة، فليعطنا قراءته كي نناقش.