«مدار الفوضى» لكريستيان بارينتي يقرع ناقوس الخطر بيئيّاً

كتب جورج جحا: يقول الكاتب الأميركي كريستيان بارينتي في كتابه المترجم الى العربية إن ثمة دراسات تشير الى أن تغير المناخ في العالم سيؤدي الى صراعات عنيفة في كثير من الدول التي تقع في ما أسماه «مدار الفوضى»، وإن ذلك سيؤثر في نحو ثلاثة مليارات نسمة، محذراً من أنه سيزيد في فقر جزء كبير من العالم ومشاكله، وان الدول الغنية لن تستطيع بالقوة ان تحصر بلدان العالم الفقيرة في عالمها البائس، فلا بد اذن من أن يغرق العالم كله في البؤس في نهاية الأمر.

ذاك ما يقوله الكاتب والصحافي الأميركي في «مدار الفوضى… تغير المناخ والجغرافيا الجديدة للعنف» الذي نقله إلى العربية الأكاديمي السوري الدكتور سعد الدين خرفان، في 319 صفحة قطعاً وسطاً، وصدر لدى المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الكويت ضمن سلسلة «عالم المعرفة».

تحت عنوان «اخر دعوة للأوهام» كتب بارينتي: «بين مدار الجدي ومدار السرطان يقع ما أدعوه مدار الفوضى، وهو عبارة عن حزام من دول مستقلة حديثا متأزمة اقتصادياً وسياسياً تطوق خطوط عرض الارض الوسطى. ويضيف: «في هذا الشريط بين المدارين بدأ تغير المناخ يضرب بقسوة. تعتمد المجتمعات ضمن هذا الشريط بقوة على الزراعة وصيد الأسماك، وبالتالي فهي مهددة جداً بالانزياحات في أنماط الطقس. كانت هذه المنطقة أيضاً على الخطوط الأمامية أثناء الحرب الباردة وإعادة الهيكلية الاقتصادية على الطريقة الليبرالية الجديدة. ونتيجة لذلك نجد في هذا الحزام تجمعاً لمعظم الدول الفاشلة أو شبه الفاشلة في العالم»، ويلفت إلى أن «هناك 46 دولة يعيش فيها 2.7 مليار إنسان مهددة بنشوب صراعات عنيفة فيها نتيجة تأثيرات تغير المناخ وتفاعلها مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

تغطي القائمة في هذه الدراسة المنطقة ذاتها، خطوط العرض المتوسطة التي يتأثر معظمها الآن ببدء تغير المناخ الناجم عن البشر. يقول الكاتب: «يدرك مخططون عسكريون غربيون، إن لم يكن زعماء سياسيون، أخطار تجمع الاضطراب السياسي مع تغير المناخ. وبدلا من القلق حول حروب تقليدية على الغذاء والماء يرون بروز جغرافيا مكونة من حروب أهلية وتدفق لاجئين ومذابح جماعية وانهيار اجتماعي مدفوعة كلها مناخياً. واستجابة لذلك يتصورون مشروعاً مفتوحاً لمكافحة التمرد يطبق على المستوى العالمي».

تحت عنوان «التخفيف والتكيف» يوضح الباحث: «كلمتا السر في المناقشة حول المناخ هما التخفيف والتكيف، أي أن علينا أن نخفف من مسببات التغير المناخي وأن نتكيف مع تأثيراته. ويعني التخفيف تخفيض إنتاجنا بشكل كبير من غاز أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى كالميثان والكلوروفوركربون التي تمنع حرارة الشمس من الارتداد بالاشعاع الى الفضاء. ويعني التخفيف التحوّل الى مصادر الطاقة النظيفة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الجوفية والطاقة الحركية للمد والجزر. كما يعني إغلاق محطات الطاقة العاملة بالفحم الحجري وتحويل اقتصادنا من الاعتماد على النفط وبناء شبكة كهرباء ذكية والاستثمار الضخم في تقانات التقاط الكربون وتخزينه. ويضيف: «أما التكيف فيعني التهيؤ للعيش مع التأثيرات الناجمة عن التغير المناخي التي بدأ بعضها فعلاً بينما سيأتي البعض الآخر حتماً. إن التكيف هو تحد تقني وسياسي أيضاً. يعني التكيف التقني تحويل علاقتنا بالطبيعة مع تغير الطبيعة نفسها: تعلم العيش مع الضرر الذي جلبناه على أنفسنا عن طريق بناء جدران صد بحرية حول المدن الساحلية المهددة وإعادة تهيئة الأرض لنمو أشجار المنغروف والنباتات المائية، بحيث تعمل على كسر اندفاعات المد خلال عاصفة ضخمة وفتح ممرات لهجرة الأحياء البرية للانتقال شمالاً مع سخونة المناخ وتطوير أشكال مستدامة من الزراعة بحيث تعمل على مستوى صناعي حتى مع تذبذب واسع لأنماط الطقس». يتابع: «من جهة أخرى يعني التكيف الأساسي تحوّل علاقة البشرية بنفسها وتحويل العلاقات الاجتماعية بين الناس. يعني التكيف السياسي الناجح مع تغير المناخ تطوير أساليب جديدة لاحتواء العنف الذي يتغذّى على تغير المناخ وتجنبه وتخفيفه. ويتطلب هذا تنمية اقتصادية وإعادة توزيع الثروة كما يتطلب أيضاً دبلوماسية جديدة لبناء السلام».

إلاّ أنه حذر من احتمالات أخرى تتناقض مع ما يُدرس تطبيقه: «مع ذلك يتمّ بالفعل نوع آخر من التكيف السياسي يمكن أن يدعى «سياسة زورق النجاة المسلح» إذ يتمّ الاستعداد للتغير المناخي بالتسلح والاستعباد والإهمال والقمع والسيطرة والقتل. يمكن المرء أن يتصور بروز سلطوية خضراء في الدول الغنية بينما تدفع الأزمة المناخية العالم الثالث نحو الفوضى. ومسبقاً، بينما يغذي التغير المناخي العنف على شكل جريمة وقمع وعصيان مدني وحرب وحتى انهيار الدولة في عالم الجنوب يستجيب الشمال بسلطوية جديدة. يخطط البنتاغون وزارة الدفاع الأميركية مع حلفائه الغربيين بشكل نشط لتكيف مسلح يؤكد على احتواء بعيد الأمد ومفتوح لدول فاشلة أو في سبيلها الى الفشل – أي مكافحة تمرد مستمرة إلى الأبد». هذا النوع من «الفاشية المناخية» سياسة مبنية على الاستعباد والفصل والقمع، سياسة بشعة جداً ومصيرها الفشل. لا بد من وجود مسار آخر. لا يمكن للدول المتعبة في عالم الجنوب أن تنهار من دون أن تأخذ في النهاية الاقتصادات الغنية معها. إذا سمح لتغير المناخ بأن يحطم اقتصادات ودولا بأكملها فلا يمكن لأي كمية من الجدران والمدافع والأسلاك الشائكة وطائرات الدرون المسلحة أو استخدام المرتزفة أن تنقذ بشكل دائم نصف العالم من نصفه الآخر». الطريقة الافضل لمعالجة تأثيرات التغير المناخي هي معالجة الأزمات الاقتصادية والسياسية التي جعلتنا معرضين لفوضى محرضة مناخياً في المقام الأول. لكن يبقى التخفيف في نهاية المطاف أهم استراتيجية. التأثيرات الفيزيائية للتغير المناخي -ارتفاع مستوى سطح البحر والتصحر والعواصف الاستثنائية والفيضانات مخيفة حقاً لكن كذلك نواحي التكيف الاجتماعي والسياسي الناشئة، التي غالباً ما تتخذ أشكالا مدمرة وقمعية. علينا أن نغير ذلك. في النهاية، الأهم هو التخفيف. علينا أن نزيل كربنة اقتصادنا».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى