فلسطين توقف كلّ أشكال التنسيق مع «إسرائيل»… وسورية تبيد قيادة «النصرة» الحكومة تستعيد عافيتها مع وعكة مناكفات… والتعيينات الأمنية إلى الواجهة؟
كتب المحرر السياسي:
بدأ وزير الخارجية الأميركي جون كيري جولته على الحلفاء، ومعها بدأ كيري ألاعيب السحرة في تسويق الاتفاق مع إيران، الذي يبدو أنّ من ضرورات نجاحه التكتم على مدى التقدّم الذي بلغه، بل والإيحاء بأنه لا يزال في منطقة الخطر، فما حمله كيري إلى باريس والرياض، وفقاً لمصادر إعلامية مواكبة للزيارتين، قدّم بصفته آخر ما يمكن لواشنطن قبوله، وهو لا يعدو كونه ما تمّ الاتفاق عليه، فجاء لهذا الغرض ما قاله في الرياض عن طهران والحاجة إلى مراقبة أدائها، الإقليمي، والإشارة إلى نظرية الجمع بين متابعة أنشطة إيران الأخرى في الشرق الأوسط عن قرب، والالتزام بأمن دول مجلس التعاون الخليجي، وهو يعلم أن لا تهديد لأمن هذه الدول أصلاً، بل المطلوب تأقلمها مع واقع الحوار والتنسيق مع إيران، الجاهزة دائماً لهذا التعاون والتنسيق، وكذلك حديثه عن المداورة بين الديبلوماسية والضغط بخصوص سورية، و«ربما نحتاج للضغط العسكري»، و«يجب دراسة ذلك»، كأنّ الأزمة في بداياتها والوقت فيه متسع للدرس.
وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بدا حزيناً وتائهاً، وأعطت إطلالته المرتبكة صورة عن الخيبة السعودية، عندما لم يجد الفيصل ما يتحدّث عنه إلا سورية وكأنه يقول لكيري، إذا كان أمر إيران محسوماً، فهل يمكن أن نحصل على جائزة ترضية بمنحنا فرصة جديدة في سورية، والمقصود هنا ما كان قد بلغ مرحلة متقدمة من التحضيرات السعودية والتركية والقطرية، لإعلان فك الصلة بين «جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة»، بما يتيح تسويقها في واشنطن كتعبير وازن عن المعارضة المعتدلة التي تبحث عنها واشنطن ولا تجدها، ولم يشبع الفيصل من تخصيص أكثر من نصف وقت كلامه لسورية، وأغلبه للمعارضة المعتدلة، والقصد طبعاً كما هو معلوم «جبهة النصرة» بعد تعريضها لأشعة الفصل الإعلامي عن «القاعدة»، بما يشبه عمليات تبييض الأموال، فتصير إرهاباً نظيفاً.
لم يكن كيري قد عاد من رحلته، ولا الفيصل قد وزع مداخلته، حتى نجحت طائرة من دون طيار من سلاح الجو السوري، باصطياد قيادة «جبهة النصرة»، التي كانت تجتمع في أحد مقرّات «الجبهة» في الهييط بريف إدلب، وأسفرت الغارة عن مقتل ثمانية عشر قيادياً بينهم قياديون مؤسّسون في الجبهة ومسؤولها العسكري العام أبي همام الشامي، ومسؤولون كبار مثل أبو مصعب الفلسطيني وعمر العبدالله وأبو زيد محمد وعبد الرحمن سباكة.
مشروع «تبييض النصرة» كان شغل الوسط السياسي والإعلامي والأمني لكلّ من قطر والسعودية وتركيا، وبدأ التسويق السياسي والإعلامي، لمساع قطرية بلغت نتائجها النهائية بإقناع «النصرة» بالانفصال عن تنظيم «القاعدة»، بينما امتلأت الصحافة الغربية بتقارير مدفوعة لإطلاق عملية التبييض بالمقارنات المفتعلة بين «النصرة» و«داعش»، وهو ما اشتركت فيه أوساط سياسية وإعلامية لبنانية، وكانت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية قد نشرت تقريراً يكشف أنّ أنواعاً متقدّمة من الأسلحة قد وصلت من التحالف التركي القطري السعودي إلى «جبهة النصرة»، التي قرّرت بعد بدء انهيار وجودها جنوب سورية التمركز في ريفي حلب وإدلب، فجاءتها هذه الضربة القاصمة، لتلحقها بـ«حركة حزم» التي لاقت مصيراً مشابهاً قبل شهور قليلة، وكانت قد تسلمت دفعة من الأسلحة المشابهة لتلك التي ظهرت بين أيدي «النصرة»، وقالت التقارير الغربية إنّ واشنطن كانت هي من زوّدها بها، فيما قالت عن وجودها بأيدي «النصرة» إنها بحصيلة وضع اليد على مستودعات «حركة حزم» التي انتهى أمرها منذ شهور ووقعت مناطق سيطرتها بأيدي «النصرة».
«إسرائيل» التي كانت الراعي الأساسي لـ«جبهة النصرة»، وتلقت نبأ إبادة قادتها شمال سورية، بينما هي ترى بأمّ العين تهاوي مواقعها جنوب سورية، ولا تستطيع نجدتها، وكانت تنتظر نجاح المسعى السعودي القطري التركي باعتماد «النصرة» كعنوان للمعارضة المعتدلة، تلقت الضربة الأقسى بقرار القيادة الفلسطينية وقف كلّ أشكال التنسيق الأمني، وهو القرار الذي كان ينتظره الوطنيون الفلسطينيون بفارغ الصبر، والذي يضع «إسرائيل» أمام تحديات جديدة عشية انتخاباتها، وهي تعاني وعكة التوتر مع واشنطن والعزلة الأوروبية، في ظلّ الاعترافات المتزايدة بدولة فلسطين.
الخطوة ستكون موضوع متابعة من قيادات فلسطينية أخذت على عاتقها، الضغط لتسريع المصالحات، وإجراءات الوحدة الوطنية، بمجرّد صدور القرار، بما يعني توقع المزيد من التداعيات فلسطينياً، وخصوصاً على العلاقة بين حركتي فتح وحماس.
لبنان المنتظر للتطورات، والمقتنع بأنّ وقت الفراغ لن يزول قريباً، استعاد عافية حكومته، التي لم تنجح بتجنب وعكة مناكفات في جلستها الأولى بعد انقطاع دورتها الأسبوعية، لثلاثة أسابيع، بينما بدأت الكواليس السياسية تتقاذف التسريبات والمعلومات المتضاربة حول ملف المراكز الأمنية والعسكرية، بين التمديد، والتعيين، والتقاعد، خصوصاً في زمن الرئاسيات المشحون، بوجود صلة رحم وصلة شبه، وصلة أمل، بين هذه المناصب والرئاسة.
عاد مجلس الوزراء الى الاجتماع أمس، بروحية جديدة وإدارة جديدة للجلسات من قبل الرئيس تمام سلام الذي طرح نظاماً داخلياً للمجلس يتضمن ستة بنود، منها اختصار مدة الجلسة إلى ثلاث ساعات فقط وتجهيز الوزراء لملفاتهم. وشدّد سلام في الجلسة على «أن الحكومة ائتلافية، وأنها شُكلت تحت عنوان المصلحة الوطنية، وحققت إنجازات كثيرة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عملها». وأضاف سلام أنّه «كان ولا يزال يُطالب في كل جلسة لمجلس الوزراء بضرورة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولكن، في ظل استمرار الحالة الاستثنائية الناتجة من الشغور الرئاسي، فإن خيارالتوافق، المعطى له الأولوية في المادة 65 من الدستور، يبقى الخيار الأفضل، مع الحرص على أن لا يؤدي اعتماد هذا الخيار إلى التعطيل والعرقلة والذي لن يتهاون فيه رئيس الحكومة بعد اليوم».
وفي غياب الاشكاليات عن جلسة الأمس، أشارت مصادر وزارية لـ«البناء» أن وزير المال علي حسن خليل لم يطرح ملف هيئة الرقابة على المصارف من خارج جدول الأعمال لضيق الوقت»، ولفتت إلى «أن الأمر سيبحث في جلسة الثلاثاء المقبل التي تصادف في العاشر من الشهر الجاري أي قبل يوم واحد من انتهاء ولاية لجنة الرقابة الحالية».
وأكدت مصادر وزارية لـ«البناء» ان كلام الرئيس سلام عن إدارة الجلسات لقي استحسان وتأييد كل الوزراء، باستثناء وزير الاتصالات بطرس حرب الذي اعترض على ما طرحه سلام، وطلب والوزراء سمير مقبل عبد المطلب حناوي واليس شبطيني توقيع كل الوزراء على المراسيم، الا أن رد رئيس الحكومة كان ان المراسيم الموقعة من غالبية الوزراء ستصبح نافذة. وأشارت المصادر إلى السياسة التي اتبعها وزير العمل سجعان قزي الذي أيد ما طرحه حرب لجهة توقيع المراسيم، وأثنى في الوقت نفسه على ما قاله رئيس الحكومة».
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ«البناء» «أن رئيس الحكومة جدد التأكيد أنه لن يقبل بالتعطيل وسيتخذ القرارات وفقاً لمبدأ تسيير الأعمال وليس التعطيل». ولفت درباس إلى «أن سلام نبه الوزراء إلى أن مدة الجلسات لن تتعدى الثلاث ساعات، وبعدها سترفع الجلسة، لتجنب السجالات والجدالات التي لا فائدة منها».
التعيينات الأمنية من عناصر الحلحلة
وفي السياق، أشارت مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أن ملف التعيينات الأمنية كان أحد العناصر التي أدت إلى حلحلة عمل الحكومة عند بعض الوزراء». وقالت: «طالما أن لا شيء يلوح في الأفق ويشي بأن الانتخابات الرئاسية ستحصل، لا يُستبعد أن يصار إلى تعيينات أمنية وعسكرية».
ورجحت المصادر أنه في «حال تم التوافق السياسي، فلا شيء يمنع من فتح ملف التعيينات الأمنية والعسكرية وفقاً للقوانين».
وبالتوازي، اعتبر قائد الجيش العماد جان قهوجي «أن أي حديث عن مطالب شخصية بمناصب سياسية ورسمية في الدولة لا معنى له»، مشيراً إلى «أن تفكير قيادة الجيش منصبّ على أداء المهمات والواجبات وحماية لبنان باحتراف وانضباط». وقال قهوجي: «لقد فرض على الجيش مواجهة الإرهاب وهو مستمر فيها بلا أي حسابات سياسية».
خطة بيروت والضاحية
من ناحية أخرى، تتجه الأنظار إلى الخطة الأمنية في بيروت والضاحية الجنوبية التي تم التوافق عليها في حوار عين التينة بين حزب الله وتيار المستقبل. وأشارت مصادر مطلعة في 8 آذار إلى أنه «إذا كانت الخطة الأمنية في الضاحية لفرض الأمن والنظام، فإن هذا الأمر قائم، وتم تفعيله بعد العمليات الإرهابية التي استهدفت الضاحية الجنوبية»، مشددة على «أن منظومة الأمن الرسمي القائمة في الضاحية ومحيطها غير موجودة على أي بقعة من لبنان». وأكدت: «أن هذه المنطومة وبالتعاون مع اتحاد البلديات وضعت حداً نهائياً للأعمال الإرهابية التي خطط لها لاستهداف الضاحية وحققت نجاحاً باهراً». ولفتت إلى أنه «إذا كان الهدف منها تنفيذ بعض مذكرات الجلب أو التوقيف، فهذا أمر ممكن من دون الحاجة إلى ضجيج إعلامي أو استعراضات، خصوصاً أن القوى الحزبية المؤثرة في الضاحية تشجع هذا الأمر لمنع تشكل أي حالة تقود إلى أعمال إجرامية».
أما بالنسبة إلى الخطة الأمنية في بيروت، فسألت المصادر «هل هذه الخطة ستقود إلى بعض المداهمات التي اكتسب أصحابها خلال السنوات الماضية غطاء سياسياً من بعض التيارات السياسية»؟ مشيرة إلى «أن بيروت لم تشهد اشتباكات، والخطة الأمنية فيها تختلف عن الخطة الأمنية في طرابلس التي شهدت جولات كثيرة من الاشتباكات، جعلت من ضبط الوضع الأمني مطلباً ملحاً وضرورياً لتثبيت الاستقرار».
ودعت المصادر إلى خطة أمنية إعلامية لمنع الاستفزازات على رغم أنها انخفضت في الشهرين الماضيين في شكل لافت».
حردان: الأولوية لمواجهة الإرهاب
إلى ذلك، أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي النائب أسعد حردان أنه «تجب مواجهة الإرهاب ومن هنا كان الحوار حول كيفية ايجاد قواسم مشتركة بين كل من يؤمن بمواجهة الارهاب، ونعتقد ان لهذا الامر الأولوية الآن». وقال حردان بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري: «لقد شجعنا على الحوار وما زلنا نشجع عليه، وغداً سنشجعه أيضاً لأننا مقتنعون بأنه الطريق السليم لكي تتعزز الوحدة الداخلية وتصبح القواسم المشتركة في صناعة السلم الأهلي وتعزيزه في لبنان الذي يستهدف بكامل مؤسساته تعطيلاً وإلغاء»، مشيراً إلى «أن هذا الارهاب يستهدف أيضاً حياة المواطنين لذلك نأمل بأن نصل بالحوار إلى سلّم أولويات تبدأ في انتخابات الرئاسة، تفعيل الحكومة ودور المجلس النيابي الذي يتسع للجميع ويكون مكاناً للحوار وللتشريع وللقوانين خدمة للجميع لكي نواجه ليس فقط الضغط الامني بل ايضاً الضغط الاجتماعي الذي يضرب حياة اللبنانيين في كل المجالات».