سرور علواني: الأزمة كشفت الفنّانين الحقيقيّين من الزائفين
كتب محمد سمير طحّان من دمشق سانا : يرسم الفنّان التشكيليّ سرور علواني عالمه الخاص بزخم لوني كبير، فتبدو المرأة في لوحته زاهية، بهية، مفعمة بكاملل الطيف اللوني، متجاوزة الواقع والمألوف، إذ يفتح لها الفنان ذو الخبرة الطويلة أبواب العالم السحري المشدوه بالحلم، والبعيد عن تشويهات الواقع، وللطبيعة لديه ألوانها الخاصة التي لا تشبه سوى ألوان مستخدمها.
عن علاقته باللوحة يقول علواني: «إن اللوحة هوية شخصية لراسمها وتعبير حقيقي عمّا يشعر به الفنان بحواسه فينعكس شعوراً في العمل الفني. كما يظهر عبرها رغباته وطموحاته بغية مشاركة المشاهد فيها. إن تشكيلات الخطوط والألوان البصرية تنتج من خلال الخبرة والثقافة والبوح بما عجزنا عنه تعبيراً بالكلمة أو سواها». وعن حضور المرأة في لوحاته يوضح: «إن الأنثى في أعمالي هي الرمز وليست الشكل والجسد، إذ أستنبط جمالية الأنوثة كحالة وما يرافقها من إحساس وأناقة ورقة وجمال»، لافتاً الى أن الحرارة البادية في لوحاته هي الطاقة الكامنة في داخله والتي يسعى إلى توظيفها في الحيوية والنشاط عبر الألوان على سطح اللوحة»، مؤكداً على ويوضح أنّ البيئة والمكان يلعبان الدور الأهم في المعادلة النفسية للفنان وتكوينه وأعماله في بداية انطلاقته، ومع تراكم الخبرات تتغير تلك البيئة الضيقة لتتحول لتشمل العالم كله. وعلى الفنان، بحسب علواني، ألا يحصر نفسه في مكان نشأته، بل عليه أن ينتمي إلى الثقافة الإنسانية العالمية، موضحاً: «جميع الانتماءات الضيقة هزيلة حيال الانتماء إلى الإنسانية، والفنان الحقيقي يستمد مواضيعه من بيئته الأولى لينطلق منها إلى كل ما يتعلق بالإنسان وحياته. ويعتبر أن السنين تضاعف النضج الفني والفكري وتساعد في كشف الرؤى الجديدة وتحقيق الأهداف، قائلاً إنه يبحث في جماليات صنع الخالق بطريقة ممتعة بعيداً عن القوالب الجاهزة، فالفنان هو الأقرب إلى الله من منطلق الحب والجمال.
حول تأثير الأزمة في الفن التشكيلي السوري يقول علواني: «إن ما نعيشه هو كارثة إنسانية لا تزال مستمرة، ولعل إيجابيتها الوحيدة أنها استطاعت كشف الفنانين الحقيقيين من الزائفين، ففي الأزمات يلجأ المثقف إلى الوعي وانحيازه إلى الحق ونأيه عن تأثير الجهل في الناس، فانتماء بعض الفنانين التشكيليين إلى أفكار ضيقة ومحدودة هو كفيل بانحدار مستوى ما يقدمونه من عمل فني»، معتبراً أن الأزمة مهما كبرت ومهما برزت اختلافات فكرية بين الفنانين الحقيقيين، تظل الثقافة والفن جامعاً، ويبقى الحب والتقدير للتجارب الفنية التي لم تنحدر في اتجاهات أخرى من الكره والقتل والإرهاب.
يلفت الفنان المقيم في مصر إلى المعرض الجماعي الذي شارك فيه وأقيم حديثاً في القاهرة، سجّل حضوراً مميزاً في بلد الفنون، علماً أنه أقام أكثر من معرض في القاهرة في العامين الأخيرين واستطاع بخبرته وأسلوبه الخاص أن يترك انطباعاً جميلاً لدى الزوّار والفنّانين التشكيليين والنقاد المصريين الذين عبروا عن مدى تقديرهم لهذه التجربة التشكيلية الفريدة، قائلاً: «أحسست بحجم الحب الذي يكنه الفنانون المصريون للحركة التشكيلية الحقيقية في سورية». وعن حال الحركة التشكيلية السورية يؤكد رئيس المكتب الثقافي والإعلامي في اتحاد الفنانين التشكيليين أن ثمة إشكالات يجب التخلص منها مثل المحسوبيات وصناعة نجوم زائفين عبر البهرجة الإعلامية والتسويق لأسماء محددة وتحويل الفن الى تجارة رخيصة، ما تسبّب بابتعاد بعض الفنانين الحقيقيين ونأيهم عن مراكز الفن الرئيسية وعدم مشاركتهم في المعارض الرسمية.
علواني الذي صمم اللوحات الخلفية والتصاميم الأرضية لدورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط في اللاذقية عام 1987، يعتبر أن حضور عدد من الفنانين السوريين المهمين في الخارج مكنهم من لعب دور السفراء للفن التشكيلي السوري، وهو يلمس تقديراً في مختلف بلدان العالم لأعمال التشكيليين السوريين وتجاربهم. كما لاحظ سعي الوسط الفني في العديد من البلدان إلى التعرّف بتشكيليين سوريين وعملهم الفني عن قرب، لإدراكهم عمق ما يقدمونه من فن وإبداع، مشيراً إلى أن أكثر ما لفت نظره أن ثمة إعجاباً كبيراً بعدد من الأسماء التشكيلية السورية من دون معرفة أنّها تنتمي إلى سورية، بسبب غياب أي اهتمام إعلامي رسمي لتسويق هذه الأسماء ضمن سياق الحركة التشكيلية السورية، وعدم توافر تقويم موضوعي للعمل الفني، وخاصة من قبل النقاد التشكيليين في سورية.
يرى الأستاذ السابق في كليتي الفنون الجميلة والهندسة المعمارية أن لكل منطقة جغرافية مزايا فنية خاصة بها، وهوية في التشكيل والثقافة، ومع ذلك ليس مع الانغماس في الخصوصية الثقافية والانغلاق عليها، معتبراً أن الانطلاق إلى العالمية يهب الفن والثقافة صفة الشمول ويخضعها للمعايير العالمية.
رغم هذا التوجه العالمي فإن علواني الخبير في تصميم الديكور أيضاً يرى أن من الضروري أن يستخدم الفنان مفردات تشكيلية من بيئته ومحيطه ليوثق ويوضح بعض الخصوصية الفنية للمكان وظيفياً وجمالياً، ضمن إطار فني عالمي، لافتاً إلى أن ما يسمى بـ«الفن الحروفي العربي» ينتمي إلى التشكيل الحروفي العالمي، وأنه لوحة عالمية مهما كان نوع الخط المستخدم، فهو لا يحمل سمة الحروفية إلا عبر صوغ تشكيلات معاصرة وبأدوات فنية مع خصوصية أحرف المكان.
كما يشير علواني، الخبير في الإخراج الصحافي وتصميم الكتب، إلى أنه خلال ممارسته التدريس في كلية الفنون الجميلة لثلاثين عاماً استطاع التواصل باستمرار مع ما يحدث في العالم فنياً على الصعيد اليدوي أو الكمبيوتريّ، مؤكداً أن ممارسة الفن عملياً ونظرياً على نحو يومي مع الطلاب تضاعف الخبرة والثقافة لدى الفنان، معتبراً أن معظم الأساتذة أفادوا من تجارب طلابهم الذاتية. ويتوجه إلى جيل الشباب ناصحاً بالاهتمام بالاكتشاف والصدق في العمل لمصلحة الفن والقيم الجمالية، بعيداً عن التقليد والتخبطات الفكرية المتناقضة والمبالغة في البهرجة، وعدم الانسياق مع التيارات الدارجة، وأن يكونوا هم أنفسهم من دون زيف وتجميل، منوّهاً بمهارة الشبّان في التعامل مع التقنيات الحديثة وتسخيرها لخدمة مشروعهم الفني، مع ضرورة القراءات النظرية لتاريخ الفن وفلسفة الجمال فهما منبع الاستمرارية والإبداع لأي فنان.
يختم علواني كلامه بالإعراب عن تفاؤله بمستقبل الفن التشكيلي السوري وبجيل الفنانين الشبّان قائلاً: «ما يحدث في وطني الآن هو الألم الأكبر والمخاض الأعظم، ولا بد من أن تعود الحقيقة إلى مجراها الطبيعي والصحيح في جميع المناحي، وبينها المجال الفني والتشكيلي».
سرور علواني من مواليد القامشلي عام 1959، وخريج كلية الفنون الجميلة في دمشق، اختصاص اتصالات بصرية بدرجة امتياز مع مرتبة الشرف عام 1981. درس التربية وعلم النفس في جامعة دمشق، وكان رئيس مكتب الثقافة والإعلام في اتحاد التشكيليين السوريين ومحاضراً جامعياً في كليات الفنون والعمارة 1984 -2012. صمم ورسم لأكثر من ألف كتاب للأطفال والكبار، وترأس تحرير عدة مجلات تشكيلية وفنية عربية، وعمل مع شركات عربية وعالمية كبيرة كمهندس ومصمم ديكور وأستاذ ومحاضر في عدة جامعات سورية وعربية. نال جوائز عالمية وله العديد من المعارض المنفردة والجماعية داخل سورية وخارجها، وأعماله مقتناة محلياً وعالمياً.