هل السلطة جاهزة لوقف التنسيق الأمني…؟

راسم عبيدات

أقرّ المجلس المركزي في البيان الختامي الذي صدر بعد اجتماعات استمرت يومين متتالين في رام الله 4 و5 /3/2015 ، توصية بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله مع حكومة الاحتلال، ودعوة «إسرائيل»، كدولة احتلال، إلى تحمّل مسؤولياتها وفق القانون الدولي، بسب عدم التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، وسطوتها على أموال الضرائب الفلسطينية، التي بذلت العديد من الدول الأوروبية الغربية جهوداً كبيرة مع حكومة الاحتلال، من أجل ثنيها عن اتخاذ مثل هذا القرار وتطبيقه، لأنه سيزيد من حالة التآكل في رصيد وشعبية السلطة الفلسطينية المتآكلة أصلاً، وقد يهدّدها بالانهيار، لجهة عدم قدرتها على دفع رواتب موظيفها، أو المصاريف التشغيلية لأجهزتها ووزارتها ومقراتها.

لكنّ حكومة الاحتلال المقبلة على انتخابات ستجري في السابع عشر من هذا الشهر، رفضت الطلب الأوروبي واحتجزت عنوة أموال الضرائب الفلسطينية وتصرفت بها، بطريقة البلطجة، حيث اقتطعت منها 300 مليون شيكل، زعمت أنها مستحقة لشركة الكهرباء القطرية ـ «الإسرائيلية» على شركة كهرباء الشمال الفلسطينية.

وسط هذه الأجواء، تعود قضية التنسيق الأمني لتطفو على السطح مجدّداً، مع احتدام الصراع والمواجهة مع دولة الاحتلال، فإلغاء التنسيق مطلب فلسطيني شعبي، حيث يعتبر الكثيرون أنه خدمة مجانية للاحتلال الذي يواصل كلّ إجراءاته وممارساته وسياساته القمعية والإذلالية في حقّ الشعب الفلسطيني ويغير الوقائع والحقائق على الأرض، عبر «تسونامي» الاستيطان وسياسات التطهير العرقي.

وحتى على المستوى الرسمي، فقد صدرت أكثر من مرة تصريحات ودعوات ومواقف مطالبة بوقفه، ولعلّ الجميع يذكر أنه في العدوان المفتوح الذي شنه الاحتلال على الضفة الغربية، ومن ثم إغلاق المسجد الأقصى أمام المصلين ومنعهم من إحياء ليلة القدر/ 2014، وحرق الشهيد الفتى أبو خضير حياً في 2/7/2014، ومن ثمّ الحرب العدوانية التي شنتها «إسرائيل» على قطاع غزة في تموز 2014 وقتل الوزير «أبو عين»، تعالت الأصوات شعبياً ورسمياً من أجل وقف التنسيق الأمني.

لكنّ الذي يحدث في كلّ مرة، أنه ما أن يتم تفريغ الشحنة العاطفية نتيجة هذا الحدث أو ذاك، وبعد أن تطلق التصريحات النارية المتناغمة مع الموقف الشعبي الرافض لاستمرار التنسيق الأمني، في ظلّ استمرار الاستيطان وإجراءات الاحتلال، تعود الأمور إلى ما كانت عليه ويستمر التنسيق. ومن يتابع تصريحات القيادات الفلسطينية خلال الأيام الأخيرة وحجم التناقض في هذه التصريحات حول التنسيق وطبيعة الخطوات، يصل إلى استنتاج أنّ ما يقال شيء و ما يحدث على أرض الواقع شيء آخر.

يبدو أنّ المجلس المركزي تحت الضغط الشعبي وانسداد الأفق السياسي وتعنت دولة الاحتلال، اتخذ توصيته بوقف التنسيق الأمني بكافة أشكاله مع دولة الاحتلال، تلك التوصية التي سترفع إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وإلى قيادة السلطة من أجل دراسة السبل الكفيلة بالتنفيذ. والسؤال المهم هنا: هل ستطبق السلطة قراراً وطنياً جادّاً ومسؤولاً حيال الأمر، أم أنّ المسألة كما كان الحال في السابق مجرد تكتيكات واستعراضات؟

إذا لم يجر تطبيق قرار المجلس المركزي، وبقي في إطار المناورة والتكتيك من أجل التجاوب مع المزاج الشعبي وممارسة الضغط على حكومة الاحتلال للعدول عن قرارتها والإفراج عن الأموال المسطي عليها، فإنّ موضوع التنسيق الأمني سيصبح سيفاً على السلطة وليس سيفاً في يدها.

إنّ التنسيق الأمني مع دولة الاحتلال يشمل التنسيق المدني والعسكري والجنائي، ووقف كلّ هذه الأشكال يعني بالملموس أننا أمام دفن اتفاق أوسلو، ذلك أنّ أساسه وجود السلطة ووظيفتها والتزامها الأساسي هو التنسيق الأمني، وعدم قيامها بهذه المهمّة وكذلك مراجعتها لاتفاقية باريس الاقتصادية، يعني عملياً حلّ السلطة وقيام «إسرائيل» بتفكيك تلك السلطة، ما يعني دخول الصراع الفلسطيني- «الإسرائيلي» مرحلة أكثر حساسية وأشدّ تعقيداً، حيث يلغى الاعتراف المتبادل ويتم الذهاب إلى استراتيجية فلسطينية جديدة للمقاومة والنضال، استراتيجية تعني أنّ قيادة السلطة وأجهزتها ستكون جاهزة للمطاردة والاعتقال والاختفاء والشهادة وغيرها.

تدرك السلطة وقيادتها جيداً أنّ ترجمة هذا القرار إلى فعل على أرض الواقع، يعني أنّ حلّ السلطة في الضفة الغربية، لن يستتبعه حلّ لها في غزة، ذلك أنّ حركة حماس هي التي تسيطر على الحكم هناك، وهنا تكمن المشكلة الجدية والحقيقية من دون التوافق على رؤية واستراتيجية فلسطينية موحدة، فـ»إسرائيل» قد تقدم على طرد قيادة السلطة أو اعتقال جزء منها، وتعيد سلطتها كاحتلال مباشر على الضفة الغربية، تردع هذه السلطة وتغير قيادتها وتأتي بسلطة جديدة تتولى مهمّات وظيفية وخدماتية، وتعمل على جعل قطاع غزة الدولة الفلسطينية، مشروع الدولة الموقتة الذي رفضه المجلس المركزي.

لا أعتقد أنّ بين الفلسطينيين من يرفض قرارات المجلس المركزي، فحتى القوى الفلسطينية خارج إطار المنظمة والتي لم تشارك في اجتماعات المجلس المركزي حماس والجهاد الإسلامي مع قرار المجلس وقف التنسيق الأمني، لكنّ ما نحتاجه هو استراتيجية فلسطينية جديدة تتوافق عليها كلّ مكونات العمل الوطني والسياسي الفلسطيني، استراتيجية تحقق الوحدة الوطنية وتنهي الانقسام، وكذلك صياغة وإنضاج برنامج وطني يتوافق عليه الجميع، مع إعادة الاعتبار إلى منظمة التحرير الفلسطينية، كمرجعية وعنوان للشعب الفلسطيني، وبما يضمن إعادة بنائها وتطويرها على أسس جديدة، بحيث تكون حاضنة لكلّ مكونات العمل السياسي الفلسطيني، وأن يكون هناك وحدة قائمة على أساس المشاركة الحقيقية في صنع القرار.

لكن إذا لم تتم ترجمة جدية وحقيقية لمقررات المجلس المركزي وتوصياته، وبالذات وقف التنسيق الأمني، والتي قد يقول البعض أنها مجرد لحظة ومجرد قرار انفعالي للتجاوب مع الضغط الشعبي وللضغط على حكومة الاحتلال في قضية الرواتب والمفاوضات، وإنّ المسألة فقط في الإطار التكتيكي والاستخدامي وهي ليست أكثر من زوبعة في فنجان يزول أثرها مع إفراج حكومة الاحتلال عن أموال الضرائب الفلسطينية والعودة إلى مربع المفاوضات العبثية، حينها ستكون الأمور كارثية على شعبنا وقضيتنا ومشروعنا الوطني.

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى