التاريخ يعيد نفسه اليوم والمخطط الاستراتيجي متواصل
أحيت بطريركية الأرمن الكاثوليك في لبنان الذكرى المئوية للإبادة الأرمنية، برعاية مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، في قاعة عصام فارس، جامعة سيدة اللويزة بحضور رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، رئيس حزب الكتائب أمين الجميل رئيس مجلس البطاركة الأساقفة الكاثوليك في لبنان البطريرك الماروني بشارة الراعي وبطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يونان وبطريرك الأرمن الكاثوليك فرنسيس بدروس التاسع عشر والمطران نوراير اشكانيان ممثلاً بطريرك الأرمن الأرثوذكس أرام الأول كيشيشيان والسفير البابوي في لبنان المونسيور غابريلي كاتشا وحشد كبير من نواب ووزراء وأساقفة وإعلاميين.
وأكد العماد عون في كلمة ألقاها أنه «مهما فعل الإجرام التكفيري فلن يتمكّن، من إيقاف مسيرة الحضارة وإعادتها إلى عصور البربرية»، مضيفاً: «ما أشبه اليوم بالأمس، فالتاريخ يكرّر اليوم نفسه، ويُذبح المسيحيون وغير المسيحيين، ويهجّرون من أرضهم وبيوتهم، تنفيذاً لفكرٍ إلغائي يرى في الآخر عدواً توجب إزالته والقضاء عليه، تماماً كما حدث منذ حوالى مئة عام عندما كان الفكر العثماني يرى في من يخالفه المعتقد الديني عدواً تجب إبادته. فالمجتمع الأحادي، وإلغاء التعدّدية ليسا بالمشروع الجديد كما قد يعتقد البعض، إذ قد راود هذا الحلم السلطان سليم الأول، مؤسس الدولة العثمانية، فقرر تخيير المسيحيين واليهود بين اعتناق الدين الإسلامي أو الرحيل عن الدولة».
ورأى عون انه «صحيح أن اليوم يشبه الأمس، ولكنه يختلف عنه في ناحية ملفتة، فقافلة الشهداء قد ازدادت وتنوّعت ولم تعد مقتصرة على المسيحيين، بل شملت أيضاً المسلمين بكل مذاهبهم، كما سائر طوائف المشرق، أما المجرم فيحمل نفس الذهنية الإلغائية لجميع من خالفه المعتقد والرأي»، مضيفاً أنه «لا شك أن عدم الاعتراف بمجازر الماضي شجّع على ارتكاب مجازر الحاضر، ومن يعلم كيف ستنتهي هذه المآسي المتنقلة من بلد لآخر».
ولف الرئيس الجميل إلى «أننا مدعوون إلى كتابة خلاصنا بيدنا، بتجاوز الأنانيات والعصبيات والمذهبيات، وبل بتجاوز الذات لنبني معاً وطن الإنسان». وأمل في كلمة له بالمناسبة «في نهضة ضمير للإنسان والمجتمع، تعيد الحق إلى أصحابه، والقانون إلى نصابه، والشعب إلى صوابه». وقال: «لسنا ولستم من هواة نبش الماضي، ولا من محترفي نكء الجروح وصبّ الزيت على النار بل نراجع لأننا لم نتعلم من تجارب، عسانا نعي المخاطر فنتوحد لبنانيين بوجه مخاطر المنطقة والأصولية الزاحفة والتكفير المتنقل في الزمان والمكان».
وقال البطريرك الراعي: في هذه الذكرى المئوية لشهداء الإبادة الأرمنية، والشهداء الذين قضوا قبلها بإحدى وعشرين سنة، والذين ذبحوا بعدها بأربع سنوات، ثم بعدها بعشرين سنة، نحن اليوم ننحني أمام ذكراهم، آسفين ومنددين بهذه «الجريمة ضد الإنسانية»، التي لا يجرؤ مقترفوها على الاعتراف بها وتحمل مسؤوليتها، ولا المجتمع الدولي يتجرأ على قول الحقيقة أمام التاريخ الملطخ بدماء هؤلاء الشهداء، في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين.
وتابع: «ما أشبه اليوم بالأمس، في ما يجري في سورية والعراق من النوع نفسه، وكأنه مخطط استراتيجي متواصل أعني المجازر البشرية والثقافية والأثرية والدينية، التي نراها بأم العين وتنقلها وسائل الإعلام وتقنياتها الحديثة. وكأن حضارة العالم تسير إلى الوراء، على رغم التقدم الثقافي والتطور التقني والاكتشافات العلمية. السبب واحد ومعروف وهو أن الإيمان الحقيقي كاتحاد بالله والتزام برسومه ووصاياه لم يواكبْ هذا التقدم وهذه الاكتشافات. والأدهى أن الدين استخدم وسيلة للتعصب الديني، فبات الإرهاب والعنف يمارسان باسم الدين. وهذه إساءة كبيرة لله نفسه، لا يمكن أن يقبل بها أي إنسان مؤمن حقاً بالله، تجب إدانتها والعمل الجدي على وضع حد لها.
وأكد «أننا في لبنان متمسكون بميثاق العيش معاً، مسيحيين ومسلمين، في دولة تفصل بين الدين والدولة، مع احترام كل دين وتعليمه ولا تعطي امتيازاً لأي دولة شرقية أو غربية دولة تنتمي إلى الأسرة العربية وتحفظ التوازن بين جميع الدول، ولا تميل مع أي فريق. ونحن متمسكون بصيغة المشاركة في الحكم والإدارة بالمناصفة والإنصاف، وبديمقراطية التنوع القائمة على قبول الآخر المختلف، على أساس من الحريات العامة وحقوق الإنسان الأساسية، وفقاً للدستور. فلبنان يقدم تجربة خاصة في حوار الحياة والثقافة والمصير. وكان للمسيحيين فيه دور مثمر في تعزيز التعددية الثقافية والدينية».
واختتم الاحتفال بصلاة خاصة تلاها البطريرك نرسيس بدروس التاسع عشر أكد فيها: «أن الإبادة الأرمنية جاءت دفاعاً عن حرية ضمائرهم ومعتقداتهم الإيمانية وسيادة كرامتهم الإنسانية واستقلال أوطانهم، وتعلقهم بالقيم والمبادئ الإنسانية التي ساروا على هديها طيلة حياتهم ليشهدوا أمام ظالميهم وجلاديهم وأمام العالم أجمع على سمو الحقيقة والعدل والحق وعلى قدسية أوطانهم وحضاراتهم وثقافاتهم وتراثهم الروحي والأخلاقي».