«نُصْرة لاند»… و«داعش لاند»!
نسيب أبو ضرغم
يفيد بعض التقارير بأن المسلحين التكفيريين من نصرة و«داعش» يحتلون ما يقارب مساحة الـ 5 من لبنان.
الحقيقة أن احتلال مجموعات إرهابية مثل هذه المساحة هو بلا شك أمر خطير، ولكن الأخطر موقع هذه الـ5 من المساحة العامة، والوظيفة المعدة لها من المشروع الصهيوـ أميركي الذي يوظف هؤلاء الإرهابيين التكفيريين كأدوات لتحقيق أهداف صهيونية في المقام الأوّل، وغربية في المقام الثاني.
لا بد من العودة إلى أربع سنوات خلت كانت فيها عرسال تُعَدّ وتُحضّر لتكون قاعدة إسناد للمسلحين التكفيريين داخل الشام. ورُصد منذ ذلك الوقت وجود مجموعات إرهابية تعود إلى «القاعدة»، كان كشف عن وجودها الوزير السابق للدفاع الوطني فايز غصن.
بالعودة إلى تلك الفترة التي تزامنت مع «النوبة» الإنسانية لتيار المستقبل عبر وكيله الحصري عقاب صقر لعبور «توزيعاً للحليب والحفاضات والحرامات»، إضافة إلى الدعم الممنهج لعبور المسلحين اللبنانيين من الشمال إلى داخل الشام، والكشف عن باخرة الأسلحة «لطف الله 2»… نجد أن مشروعاً كانت وضعته الغرف السوداء المعنية بالحرب على سورية وراح يتحقق بالقطعة، تماماً مثلما تتكامل اللوحة بوضع قطع البازل في أمكنتها. ولأن المشروع المشار إليه هو المطلوب من قوى «14 آذار» أن تسير فيه وتؤيده وتدافع عنه، زحف نواب «14 آذار» آنذاك إلى عرسال يعتذرون عمّا صدر من وزير الدفاع، مستنكرين أن يكون ثمة «قاعدة» في عرسال! ولأن المشروع يقضي بترسيخ وجود «القاعدة» في عرسال، سُخّف الخطر «القاعدي» وأكدت قيادات «14 آذار»، سمير جعجع وسواه، أن لا «قاعدة» في لبنان وأنه كلامٌ تهويلي يطلقه حزب الله وحلفاء سورية في لبنان.
تداعت الأمور على نحو لا يتلاءم مع رغبات وكلاء المشروع «الداعشي» في الداخل اللبناني وفي الإقليم، فكان انهزام القوى التكفيرية الإرهابية من تلكلخ حتى القصير وكامل القلمون وغوطة الشام، محطماً آمال هؤلاء في إسقاط الدولة في سورية وإقامة مشيخاتهم على أنقاضها في لبنان. وكان أن اندحر هؤلاء المسلحون إلى الجرود العرسالية لينضموا إلى وجود لـ«القاعدة» أشرنا إليه في سياق المقال. وظهرت عرسال على حقيقة واقعها الذي كان قائماً منذ السنوات الأربع السابقة، والمجسد بكونها قاعدة إسناد لوجستي وعسكري وخدمتي للإرهابيين، إنما بصورة أكثر فجاجة.
وقعت معركة عرسال، واستطاع الجيش أن يدحر هؤلاء المسلحين إلى داخلها وأحكم الطوق عليهم ولم يبق أمامهم إلا الاستسلام للجيش اللبناني. عند هذه النقطة، في تلك اللحظة، ارتكبت الجريمة الكبرى، إذ أضحى المُطَوق مُطَوَقاً، والآسر أسيراً، وخرج المهزومون من داخل طوق عرسال سالمين وغانمين بأربعين جندياً لبنانياً من الجيش وقوى الأمن الداخلي!
كيف حدث ذلك، ونحن لسنا في عصر العجائب؟!
حتى اللحظة، لا أحد في هذه الدولة التي يذلها التكفيريون صبحاً ومساء، ويذلون معها الشعب اللبناني بأسره، لا أحد حتى هذه اللحظة يقول ويشرح كيف خرج هؤلاء التكفيريون يجرون وراءهم أسرانا؟
إني على يقين من أنّ أحداً لن يتكلم، لكننا، نحن أبناء الشعب في لبنان، من واجبنا قبل أن يكون من حقنا بذل الجهد لمعرفة ماذا يحصل وإلى أين تسير الأمور.
سُلّم أبناؤنا إلى التكفيريين تسليم اليد، وإلاّ تنازلوا وتواضعوا بدلاً من أن تذرفوا الدموع… وقولوا كيف أسر جنودنا؟
سُلّموا إلى التكفيريين، فللتكفيريين مهمة أساسية في سياق الحرب الكونية على سورية الطبيعية برمتها وليس على الشام فحسب. مهمة هؤلاء تكريس الانقطاع وعدم التواصل بين لبنان والشام على أن يكون وجود هؤلاء التكفيريين جزءاً من «شريط حدودي» يمتد من درعا على الحدود الأردنية صعوداً إلى القنيطرة مروراً بتلال كفرشوبا وشبعا وصولاً إلى عرسال ومشارف رأس بعلبك شمالاً. هذا الشريط يُعتبر قاعدة انطلاق نحو الشرق الشامي والغرب اللبناني، إضافة إلى قطعه شرايين التواصل، سواء في معابر المصنع أو القاع.
«شريط حدودي» تملك «إسرائيل» قراره الأعلى في التسليح والتوجيه والتخطيط، وتوجّه عبره ضربة إلى محور المقاومة، أي إلى السبب الأساسي في كل هذه الحرب الصهيو ـ أميركية على المنطقة. شريط حدودي يؤهل المسلحين وهم بالآلاف للتقدم غرباً عبر البقاع، في طموح مزدوج إلى بلوغ البحر، سواء من جهة الشمال أو من جهة جنوب البقاع.
سُلّم شبابنا إلى هؤلاء فارتفعت وتيرة تهديدهم بالذبح أولاً، وتنفيذ بعض الإعدامات ثانياً، لجعل أسر هؤلاء ثمناً غالياً وحقيقياً يؤهلهم لأن يكشفوا يوماً عن مطلبهم الأساس وهو الاعتراف الضمني من الدولة اللبنانية بوجودهم في تلك المنطقة. إن المطالب التي يكشف عنها التكفيريون بالإفراج عن سجناء منهم في رومية مقابل الإفراج عن الأسرى، إن هي إلا تكتيكات تخفي وراءها مطلبهم الحقيقي هو الاعتراف بوجودهم في تلك الجرود.
يدرك التكفيريون أن مطلبهم هذا مدعوم سعودياً وخليجياً بشكل عام وأميركياً ومن بعض اللبنانيين، وقبل هؤلاء جميعاً من «إسرائيل». هم يدركون أن قدرة ضغط كبيرة تولدها هذه الجهات لمصلحة مطلبهم، إذ يبقون الخنجر في خاصرة الشام الغربية، وفي ظهر لبنان، معتبرين أنهم بذلك يُضعفون محور المقاومة وحزب الله تحديداً. «داعش» يجب أن تبقى فيروساً يفتك بالجسم لا أن نصبح وباءً، هم يتدخلون في كل لحظة تقترب فيها «داعش» من الهزيمة لنصرتها.
إسمعوا ما يقول مارتن ديمبسي رئيس أركان الجيوش الأميركية.
والأهم أن نسمع ما تعج به صدور بعض اللبنانيين… فهناك نجد الخبر اليقين.