محاولة الانقلاب على الثورة اليمنية
جمال الكندي
تستمر المحاولات من قبل المعسكر المعادي لأنصار الله واللجان الشعبية لإرجاع اليمن إلى المربع الأول، المربع الذي بسببه اندلعت الثورة اليمنية المضادة، والتي كان شعارها اليمن لليمنيين ولا وصاية على اليمن من أحد . لذلك استمرت المحاولات من أجل وأد المشروع الوطني اليمني في مهده، مشروع السلم والشراكة الذي توافق عليه اليمنيون وأبت القوى التي لا تريد أن ترى اليمن متصالحاً بجميع فئاته أن يرى هذا المشروع النور.
استقال الرئيس هادي، بأوامر خارجية، وقلب المشهد اليمني رأساً على عقب وكان يظن أنه بذلك سوف يربك القوى الثورية ويخلق فراغاً رئاسياً ، فجاء الردّ بالإعلان الدستوري من قبل أنصار الله واللجان الشعبية، وفشل مشروع الاستقالة ونزع الإسفين الأول الذي كان يراد منه عدم تطبيق بنود اتفاقية السلم والشراكة والهروب إلى الإمام بهذه الاستقالة، وطبعاً كلّ ذلك بإيعاز من القوى الخارجية الخليجية والإقليمية. أما الاسفين الثاني فكان رجوع هادي عن استقالته وتشبثه بالسلطة من جديد، ولكن هذه المرة ليس من العاصمة اليمنية صنعاء، بل من عدن عاصمة الجنوب، فصنعاء محتلة من أنصار الله واللجان الشعبية، حسب توصيف هادي وزمرته في الداخل والخارج، وهذا العمل يراد منه، للأسف، تقسيم اليمن مرة أخرى إلى جنوبي يضمّ الرئيس المعترف به من قبل المجتمع الدولي، وشمالي لا يحمل الشرعية ومحتلّ من قبل أنصار الله والقوى الحليفة له.
حاول هادي بحركة الاستقالة والعوده عنها، وإعلانه أنه ما زال الرئيس الشرعي لليمن بعد هروبه إلى صنعاء، أن يظهر للمجتمع الدولي أنّ أنصار الله واللجان الشعبية، جماعة سلبت السلطة واحتلت العاصمة اليمنية صنعاء، ولذلك فلا بدّ أن تكون هناك عاصمة بديلة لليمن وهي عدن، لذا سارعت دول الخليج إلى نقل سفاراتها إليها، وأعلن هادي، بدوره، أنّ عدن هي بديلة لصنعاء، وهي بادرة خطيرة لتقسيم اليمن، وهذا هو مطلب الخليج: تقسيم اليمن وإغراقه في متاهات الأقاليم الخمسة أو الستة التي أوردتها المبادرة الخليجية.
إنّ وعي قادة الحراك الجنوبي والشعب الجنوبي في عدن، سوف يفشل خطط من يحركون هادي لعدم تطبيق اتفاقية السلم والشراكة، فالأخير لا قاعدة شعبية له في اليمن الجنوبي وهو في عين الجنوبيين رمز من رموز النظام اليمني السابق وهم يعتبرونه من رموز الاحتلال، وهذا بدوره، لا يخلق لهادي أرضية صلبة لينطلق من الجنوب اليمني لاكتساح اليمن الشمالي، إن صحّ التعبير، وإرجاع شرعيته، كما أنّ تحالفه الغير معلن مع القاعدة والقبائل الموالية لها يضعف دوره في تحريك اليمنيين لتحرير صنعاء من قبضة أنصار الله، كما يزعم.
حاول هادي، بإقدامه على الاستقالة وبعدها الرجوع عنها من عدن، تمزيق الصفّ اليمني ونسف اتفاقية السلم والشراكة التي وقعها بنفسه مع القوى الثورية في اليمن وتوافق عليها معهم. فما الذي أجبره على فعل ذلك؟ هنا نبحث عن المحرك الخارجي الذي لا يغيب عن الساحة السياسية اليمنية، فهي محاولة أخرى من المعسكر المعادي للثورة في اليمن لخلط الأوراق، بإيعاز من الخارج، وهذا ما حصل ونفذه هادي بدرجة امتياز.
إنّ المشكلة اليمنية ستراوح مكانها بعض الشيء، وهي تنتظر التوافقات الدولية لحلها، لذلك ظهر العجز من خلال تكرار المشهد الليبي في اليمن، وفشل المشروع الخليجي في مجلس الأمن والذي كان يراد منه خلق حرب أهلية من خلال تصنيف أنصار الله واللجان الشعبية، بأنها جماعة انقلابية انتزعت الحكم في اليمن.
لقد فشل هذا المشروع لأنّ المجتمع الدولي لا يريد فتح جبهة قتال أخرى في المنطقة، وهو يريد ترك موضوع اليمن لتسويات مقبلة مع الاتفاق النووي مع إيران حول ملفات متشابكة هي الملف العراقي والسوري واليمني، وهنا السؤال: هل يريد الغرب حلها دفعة واحدة، أما أنها منفصلة ولا تتعلق باتفاقه النووي مع إيران، وخصوصاً أنّ دول الخليج تتهم إيران بالتدخل في الشأن اليمني وبأنها تريد السيطرة على مضيق باب المندب عن طريق دعم الحوثيين في اليمن.
كلّ هذه تحليلات تحتمل الصواب أو الخطأ ، ولكن على الأرض فإنّ أنصار الله واللجان الشعبية والقوى المتحالفة معها، هي مكونات يمنية خرجت لتصحيح مسار العملية السياسية في اليمن عبر ثورتها، وبمباركة شريحة واسعة من الشعب اليمني، لذا يحاول الطرف المعادي لها تصوير ما تقوم به حركة أنصار الله وحلفاؤها بأنها من أجل أجندة طائفية مرتبطة بإيران، وهذه هي المشكلة التي تأرِّق بعض دول الجوار اليمني.
المشكلة اليمنية سوف تستمر، ومن يملك القوة على الأرض هو من سوف يجبر الآخرين على تقديم التنازلات، وهي من أجل اليمن في نهاية المطاف، وحينما أذكر القوة لا أعني بها فقط القوة العددية في السلاح والرجال، لكنني أعني قوة الشعب المساندة، فهو في النهاية من سيقرّر هل قام أنصار الله ومن معهم بتلك هذه الثورة من أجل اليمن أو بأوامر من خارج الحدود، ومن أجل تقوية نفوذ دولة وإضعاف أخرى؟