خطة هنيبعل «الإسرائيلية»
د. مصطفى يوسف اللداوي
بدأ جيش الكيان «الإسرائيلي» بالتعاون مع مؤسساته العسكرية في تنفيذ خطة أمنية وعسكرية جديدة، أطلق عليها اسم «هنيبعل»، وهي عملية عسكرية يضطر إلى اللجوء إليها وتنفيذها إثر كلّ عملية أو محاولة لاختطاف جندي أو ضابط عسكري أثناء العمليات العسكرية، حيث تقوم وحدات الجيش «الإسرائيلي» البرية والبحرية بإطلاق وابلٍ من الرصاص الكثيف في محيط ودائرة المنطقة التي يشتبه أنه قد تمّت فيها عملية الأسر أو الخطف، لمنع القوة المعادية من التحرّك بعيداً عن منطقة الاشتباك، والتمكّن من إخفاء الأسير وتأمينه، وإجبارهم على البقاء في دائرة العملية، التي تخضع بالكلية للرقابة الجوية والسيطرة البرية، وتقع ضمن دائرة النيران المكثفة، وهي عملية من شأنها أن تربك الخاطفين، وتجبرهم على تغيير خططهم.
وفي الوقت نفسه تقوم وحدات الكيان المتواجدة في المكان أو بالتعاون مع سلاح الطيران الذي يتابع ويراقب، في حال عدم قدرتها على استعادته حياً، بإطلاق النار على العنصر المختطف أو الأسير لقتله مع خاطفيه، أياً كان عددهم، وبغضّ النظر عن محيطهم، وما إذا كانوا يتحرّكون أو يختفون بين مدنيّين وغير مقاتلين، ولو أدّى ذلك إلى زيادة عدد الضحايا المدنيين، إذ أنّ الأمر الأهمّ بالنسبة لهم هو، عدم وقوع أيّ عسكري في قبضة رجال المقاومة أسيراً، وفي حال نجاحهم في أسره، فلا ينبغي تمكينهم من النجاح في الاحتفاظ به حياً، أو الفرار والنجاة بأنفسهم أحياء، مخافة أن تقوم المقاومة أو الجهات الآسرة بإذلال القيادة «الإسرائيلية» خلال عمليات التبادل التي تفرض خلالها على «الإسرائيليين» شروطاً قاسية وأحياناً مذلة، ولا تملك في العادة إلا أن تقبل بها، ضماناً لاستعادة أسراها أحياءً وإنْ كان أسيراً وأحداً.
يبدو أنّ الحكومة «الإسرائيلية» استخدمت خيار هنيبعل خلال عملية حزب الله الأخيرة في مزارع شبعا، التي جاءت رداً على الغارة «الإسرائيلية» التي استهدفت جنرالاً إيرانياً وخمسة من قادة المقاومة في مدينة القنيطرة السورية، حيث قام الطيران «الإسرائيلي» بقصف دائرة الخطر التي سيطر عليها رجال حزب الله، فكثف نيران قذائفه عليها، وعلى المناطق المحيطة، منعاً لحدوث أي عملية أسر بين جنوده، ولعرقلة انسحاب مقاتلي حزب الله من المنطقة، الأمر الذي أدّى في ما يبدو إلى مقتل جندي من قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام من التابعية الإسبانية بالنيران «الإسرائيلية»، وقد بدا على جيش الكيان الارتباك الشديد، وتصرّف بفوضى لافتة، وأطلق نيراناً غزيرة، ضمن خطة هنيبعل التي أقرّها، منعاً لأيّ أسرٍ أو نجاحٍ في الفرار.
يبدو أنّ خطة هنيبعل قد تمّ استحداثها إثر عملية أسر الجندي جلعاد شاليط، وخلال السنوات الثلاثة التي قضاها في الأسر لدى مقاتلي كتائب الشهيد عز الدين القسام، وبعد الفشل الذريع الذي مُنيت به المخابرات «الإسرائيلية»، وكلّ محاولات تحريره الأمنية والعسكرية، وبعد الشروط القاسية التي خضعت لها الحكومة «الإسرائيلية»، ودفعت مقابل تحريره ثمناً «باهظاً»، فقرّرت في حينه قيادة الأركان «الإسرائيلية» بالاتفاق مع الحكومة اعتماد هذا الخيار، وتنفيذه بقوةٍ وحزمٍ مهما بلغت الخسائر، وأياً كانت درجة الحساسية التي ستمسّها نيران عملية هنيبعل، وهذا ما يفسّر كثافة النيران التي يطلقها الجيش «الإسرائيلي» على المناطق المحيطة خلال عملياته في غزة ولبنان.
يلاحظ في عمليات هنيبعل العسكرية أنّ جيش الكيان الصهيوني غالباً ما يكون أعمى ومضطرباً، ويقصف من دون وعيٍ أو توجيهٍ، ويضرب بخوفٍ وقلق، إذ يكون قصفه عشوائياً ومتفرّقاً، غير محدّد الهدف أو الاتجاه، وقد يصيب بقصفه أهدافاً صديقة، تماماً كما قتل بنيرانه الجندي الإسباني في قوات «اليونيفيل» الدولية، ولعله قتل في عدوانه الأخير على قطاع غزة، العديد من جنوده خلال توغلاتهم البرية، مخافة أن يقعوا أسرى في أيدي المقاومة الفلسطينية، ومنهم الضابط هدار غولدن، الذي يبدو أنه قتل برصاص رفاقه من الجنود «الإسرائيليين» الذين رأوا مقاومين يسحبونه أمامهم ويأخذونه بعيداً عنهم، كما يفشل جيش الكيان في نقل جثت قتلاه، الذين يقتلون في مربعات ودوائر المقاومة، بما يؤكد أنهم قتلوا بنيرانهم أنفسهم.
يعلم الجنود «لإسرائيليون» الذين يخوضون غمار العمليات البرية، أو ينفذون مهماتٍ قتالية في الصفوف الأولى أو على الجبهات المتقدمة، وهم في أغلبهم من قوات النخبة، كقوات لوائي جفعاتي وجولاني، قواعد هذه السياسة الجديدة، ويدركون أنّ مصيرهم القتل إنْ هم وقعوا في أسر مجموعات المقاومة، ويعلمون أنّ جيشهم سيستهدفهم مع خاطفيهم، وقد يقتلهم جميعاً معاً، وقد خضعت وحداتهم إلى تدريباتٍ قاسية وفق خطة هنيبعل، التي يتمّ من خلالها توعية وتبصير الجنود إلى أساسيات هذه الخطة، التي بات يعرفها أهل العسكريين، ويدركها عامة «الإسرائيليين»، الذين لا يبدون معارضة كبيرة لها، إلا من ذوي القتلى بعد انتهاء العمليات العسكرية، الذين يتهمون قادة جيشهم بأنهم قصّروا في محاولة إنقاذ أبنائهم أحياءً.
أما كيف يتمكن جيش العدو من معرفة مكان جنوده، أو تحديد المربع الذي يتواجدون فيه بدقة نسبية، فإنّ ذلك يعود إلى أنّ قيادة أركان جيش العدو تزوّد كلّ جندي وضابط بشرائح إلكترونية، فضلاً عن الهواتف النقالة، والقلادة الخاصة التي يلبسها الجنود ويحرصون عليها، التي تساعدهم في أن يبقوا دائماً ضمن دائرة المتابعة والمواكبة، ولهذا يسهل على وحدات الجيش استهداف المنطقة التي يتواجد فيها جنودهم المخطوفون، فضلاً عن العملاء والجواسيس الذين ينتشرون في مناطق القتال أو بالقرب منها، ويشاهدون ويتابعون العمليات القتالية، ويطلعون على تحركات رجال المقاومة.
هي خطةٌ قديمة وليست جديدة، يقدم عليها العدو الصهيوني مخافة الأسر، الذي يتراءى أمام عيونهم شبحاً مذلاً، وكابوساً مخيفاً، وقد باتت المقاومة تعلم الخطة وتدركها، وتفهم العقلية «الإسرائيلية»، فهل تتجنّبها وتنجح في إفشالها وإبطالها، وتتمكن من تجاوزها والانتصار عليها، وتنجح في أسر جنودهم، ونقلهم إلى مناطق آمنة، والاحتفاظ بهم بعيداً عن العيون «الإسرائيلية»، تمهيداً لاستخدامهم في مقايضة جديدة، ومبادلة أخرى، يخرجون بواسطتها أسرانا الأبطال، ومعتقلينا البواسل من سجون العدو الغادر.
https://www.facebook.com/moustafa.elleddawi
moustafa.leddawi gmail.com