محمد الدسوقي يقرأ «الواقع العربي ومكمن الألم»… «ثورات» هي مؤامرات ومصر تعزل نفسها
يضمّ كتاب الكاتب والشاعر محمد الدسوقي الصادر حديثاً تحت عنوان «الواقع العربي ومكمن الألم» مجموعة مقالاته وقراءاته التحليلية للواقع العربي في فترة ما بعد «الربيع العربي»، ويستهلّه بعبارة «أكتب كي أستعيد وطني»، مقدماً رؤيته حول ظاهرة الإرهاب الجديد ودور الإعلام وخطورته والنخب العربية وما أصابها، مؤكداً أن «ما يسمى بالثورات العربية منذ أعوام ثلاثة أو يزيد، كان حدثاً كونياً غيّر كثيراً من أحوال العالم، بصرف النظر عن كون هذه الثورات ليست سوى مؤامرات، ولكنها حدثت بالتأكيد، وبالتالي فكل ثورة كانت غاضبة أو غاصبة هي ثورة محكومة بما تحدثه من آثار لا يمكن لبشر أن يحدد مسار نتائجها، وذلك نتيجة للتحولات الجامحة التي من المؤكد أنها محمّلة بمآزقها، ليس بمنطق الغرب والشرق، أو القديم والجديد، أو الماضي والحاضر، وإنما هذه المآزق باتت نوعاً من التشظية التي طالت مفهوم الوطن نفسه». ويضيف الدسوقي: «لقد أربكت فكرة الخطاب الجمعي للجماعة الوطنية التي تعيش في وطن واحد، وبالضرورة أدى هذا إلى بروز خطابات أيديولوجية متعددة، ليس فقط بين جماعة وأخرى، ولكن بين فرد وآخر، وهو نمط من الخطاب وصل الى حد التفكير التحقيري، وهذا النمط الاستقطابي من سجالات وصراعات وصل بنا الى التصادم الى حد نفي الآخر، بل رفضه إلى حد قتله، ذلك أننا لم نفطن كجماعة ثقافة – كما ندّعي – إلى أن الطابع الأيديولوجي كثيراً ما يمعن في التخفي والمواربة، فيوهم أصحابه بأنه ينشد الحرية والحق والجمال، فيما يمعن هذا النمط في بعثرة وتشظي فكرة الوطن ذاته، وبذلك تتوقف حالة التحاور التي كان يجب أن تحصل بين أفراد الوطن الواحد، وهو ما يشير إلى ذواتنا العاجزة عن إدراك هذه الإشكالية التي تربط بين هذه الخطابات، لدرجة شعورنا بأننا في دوامة. والغريب أن الجماعة الثقافية لم تنتبه إلى أننا في لحظة تاريخية فائقة، إذ لا يمكن لخطاب أحادي أن يحيا إلاّ داخل خطابات تتجاور معه، وتتحاور فيه، من دون تعصب لتوجه أيديولوجي يسم الوطن كله بنوع من الهشاشة، وعدم تحديد بوصلة توجهه الصحيح، خاصة أن هناك خطابات ـ شعارات ـ يتستر خلفها المسكوت عنه، واللامفكر فيه، والحالة التي نعيشها لا يمكن أن تستمر لمجرد أن تقرر أن هذا حسن وهذا رديء، وأن هذا ينحاز إلى، وهذا لا يتماهى مع هذا، ففي ذلك مصادرة لفكرة الوطن برمته، لأن فكرة الوطن لا تظهر في الخطابات المتخالفة فحسب، بل فيما تتكتم عليه هذه الخطابات، بدليل تحولها الى صراع دموي، لا أظنه سينتهي لمجرد أننا سننتصر عليه، بأسلحته نفسها، فهذا المنطق نعتبره نوعا من التواطؤ بمنطق الجماعة الشعبية «اكف علي الخبر ماجور» ونوعاً من الهروب بمنطق النخبة الثقافية «ما لا يدرك كله لا يترك كله»، بل الصحيح الآن أن نحدد المرض، ونتناول جرعة الدواء ولو كان مراً، وأنّى لمن لا يحدد موضع جرحه، أن يدرك مكمن الألم».
يرى الدسوقي «أن جمال عبد الناصر كان صاحب فكر إيديولوجي ممثلا في القومية العربية، وكانت عينه على العالم العربي ككل، ما جعله شخصية جماهيرية لها مكانتها في قلوب الملايين، وبالتأكيد كانت مصر دولة رائدة ومحورية في العالم كله، وبعد وفاة عبدالناصر ومجيء السادات بدا واضحاً أنه على النقيض، فبعد دخول مصر وسورية في حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، انتهى الأمر بالسادات إلى إبرام معاهدة سلام منفردة مع العدو «الإسرائيلي»، لاستعادة سيناء وحدها، معتبراً أن هذه الحرب آخر الحروب، وعليه فقد انعزلت مصر عن عالمها العربي، وأطلقت «إسرائيل» يدها في المنطقة، ثم تعاظم دور البترول في دول الخليج». ويرى أن الخليج تغير بعد تعاظم البترول «لذلك تجد أن دور السعودية وقطر ـ في ما يسمى بالربيع العربي هو الأبرز، على كل المستويات، حتى بعد الثلاثين من يونيو/حزيران 2013 تاريخ خلع الإخوان من حكم مصر، لعبت السعودية دورا بارزاً في إيهام مصر بمؤازرتها ضد الإخوان لكيلا تتماهي قضية مكافحتها للإرهاب، مع الدولة السورية، فقدمت بعض الأموال للحكومة المصرية الموقتة، وبالتالي تعمي مصر عن التماهي مع توأمها التاريخي ـ سورية ـ التي تواجه الإرهاب نفسه بصورة أكبر، ولذلك تجد أن تصريحات بعض المسؤولين في مصر. عائمة وليست قطعية، ومعظمها تصريحات مترددة لا تليق بدولة حضارية لها تاريخها وقدراتها، وقد يستغرب المتابع لهذه التصريحات، من موقف مصر الملتبس تجاه سورية، وإن كانت هناك بعض الإشارات التي تبرر هذه المواقف، فقد وجد المسؤولون في مصر أنفسهم بين حالين غريبين، فهم لا يستطيعون إنكار قيام ثورة في 25 يناير ضد حكم مبارك ، – بصرف النظر عن فساد حكمه في السنوات الأخيرة – رغم ثبوت أنها كانت مؤامرة، مثلها مثل غيرها، وما خلّفته من دمار وخراب، يؤكد ذلك، ولكن أن تصبح مؤمناً بما يسمى ثورة، في الوقت الذي تتلقي فيه تداعياتها القاتلة، ومحاولات من أشعلوها لتقويض الدولة ذاتها، فهذا هو المأزق، فضلاً عن موقف السعودية الغريب وإيهام الجميع بتأييد حرب مصر ضد الإرهاب الاخواني، وتقديم بعض المساعدات ـ بمنطق ـ «أطعم الفم … ». لذا وجدت الحكومة الانتقالية في مصر وهي حكومة ضعيفة أنها في موقف مزدوج، وظهر ذلك واضحاً في كلمة الرئيس الموقت عدلي منصور، الذي ـ فوجئنا ـ بأنه يطالب بتشكيل هيئة حاكمة انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة في سورية كبديل للحكومة السورية الحالية، وهو كلام يبين عن خلط وتخليط لا وعي فيه، كما وافق الرجل باسم مصر، على قرار الجامعة العربية بدعوة الائتلاف السوري لقوى المعارضة ـ كما يسمونه ـ للمشاركة في اجتماعات مجلس الجامعة، باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري، ما يعني أن مصر في موقف لا تحسد عليه، ولا يمكن تسميته بعدم الوعي أو الغفلة من حكومتها المؤقتة. ولا أظن أن موافقة مصر على هذا الدجل من باب أنها باعت نفسها لأجل بعض الدولارات، وإلا كانت كارثة، ولا يمكن اعتبار موقف مصر، التي وقعت بين أنياب الإرهاب الذي يهدد أمنها القومي، وتجاهلها المريب لجماعات متطرفة إقليمية ودولية ترتكب تلك الجرائم، التي تمزق سورية الشقيقة بأنّها تقف في صف الإرهابيين الذين يعيثون فساداً في الأرض السورية، إذن بماذا نسّمي هذا الموقف ، الذي حدث بالفعل ؟! أنا أسميه ـ ولا لفّ أو دوران ـ من كبائر الذنوب»، يقول الدسوقي.