المفتاح: العدوّ يريد تشويه تاريخنا وإلغاء حضارتنا الإمام: أثبتنا أننا قادرون على الإبداع رغم كلّ شيء
لورا محمود
إنّه اعتراف بالجميل لفنّ جميل، لفنانين بلغوا مستوى العالميّة وسط ظروف لا تقارن بما يتاح للعباقرة أمثالهم في الفن، سواء في الرسم أو التلفزيون أو السينما. ولأنّ الفنان هو الأكثر إحساساً بالفنان الآخر الذي يتقاسم معه همه وشغفه، كان لا بد من أن يقول الفن للفن «شكراً» على كل ما قدمته، خاصة إذا كان الفن الأول يرصد تاريخ الفنان وعطاءاته بطريقة حرفية وذات سوية فنية عالية تعبر عن سنين من التعب والمواظبة في حياة الفنان، محاولاً تقديم فن راقٍ ولائقٍ بوطن بحجم سورية. هولاء الفنانون هم جديرون بالحياة، وبالتالي جديرون بالتكريم أيضاً من فنانين صغار عمراً وكبار موهبةً ويطمحون إلى أن يُكَّرموا يوماً مثلما كرّموا اليوم كبار فناني التمثيل والمسرح والموسيقى والرسم.
برعاية دار الأسد للثقافة والفنون، وبالتعاون مع بصمة شباب سورية، وكلية الفنون الجميلة، والاتحاد الوطني لطلبة سورية، قدم أربعون فناناً وفنانة من طلاب كلية الفنون الجميلة وخرّيجيها لوحات لفنانين سوريين ضمن ورشة عمل عنوانها «وجوه وحكايا» استمرت عشرين يوماً في صالة المعارض في دار الأسد للثقافة والفنون في دمشق وضمت نحو خمسين لوحة وتمثالاً رأسيّاً، بأساليب وتقنيات متنوعة جسّدت وجوه فنانين سوريين، ممثلين ومطربين وتشكيليين، من مختلف الحقب والأعمار، تكريماً لدورهم في بناء المجتمع السوري. وحضر افتتاح هذا المعرض وزير السياحة بشر اليازجي، ورئيس اتحاد الصحافيين الياس مراد، ونقيب الفنانين زهير رمضان، وعدد من الفنانين المكرمين وفعاليات ثقافية وسياسية ودينية.
عضو القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام الدكتور خلف المفتاح، قال: «إن هؤلاء الشباب يمثلون الأمل والروح الوطنية السورية والوفاء لكلّ من ضحى ووقف في وجه الحرب الإرهابية العدوانية التي تشن على الشعب السوري، فنحن أمام عدو معروف بظلاميته وحقده ليس على الإنسان السوري ذي الجذر الحضاري فحسب، بل على الإنسانية جمعاء»، مؤكداً «ن هذا العدو يريد إلغاء جميع مظاهر الحضارة الإنسانية وتشويه تاريخنا وتراثنا، فالإنسان السوري عبر التاريخ كان صاحب رسالة فن وأخلاق وقيم»، مشيراً إلى أن هذا المعرض يبين غنى الحالة السورية بأدبائها وفنانيها ومثقفيها ويعكس الروح الحضارية السورية.
من ناحيتها، أشارت الفنانة التشكيلية والإعلامية وصاحبة فكرة هذه الورشة والمشرفة عليها دانة الإمام: «التزمنا بقائمة الفنانين التي حصلنا عليها من نقابة الفنانين الذين اختارهم الطلاب بالقرعة. الفرصة كانت متاحة للجميع من مختلف أعوام الاختصاص، وللخرّيجين أيضاً أردنا بهذه الورشة القول لهؤلاء الفنانين شكراً على عطاءاتكم لسورية على طريقتنا، وحضر الافتتاح عدد من الفنانيين ممن رسمت لهم بورتريهات، وبينهم أنطوانيت نجيب ونجدت اسماعيل أنزور وسلمى المصري وفايز قزق وفادي صبيح ومحمد خير الجراح وآخرون، وثمة العديد من اللوحات لفنانين لم يسعفنا الوقت في إتمامها.
ولفتت الإمام إلى الحفل الموسيقي لفرقة «زركشة» والفيلم الوثائقي الذي عرض للفنان المشارك مجد أمون ومدته خمس دقائق، اختزل فيه مراحل الورشة من اللحظة الأولى حتى النهاية. كما حضرت الافتتاح قامات فنية مهمة، بينها الكبير دريد لحام الذي شجع جميع الطلاب المشاركين. واعتبرت الإمام أن اكبر تقدير لهذا العمل يتمثل في الحشد الكبير من الشخصيات السياسية والدينية والفنية المهمة التي حضرت، والاهتمام الإعلامي الكبير لهذا العمل، فللمرة الأولى التي يحضر هذا العدد الكبير من الشخصيات المهتمة بورشة العمل وبما قدم فيها. وتؤكد الإمام: «إن الفنان قادرعلى تقديم ما يشعر به من خلال فنه بطريقة أسهل من الآخرين نوحاول كفنانين التعبير عن فن هؤلاء الكبار بطريقة صحيحة، ونيل دعمهم واهتمامهم أيضاً، فنحن نتكلم عن قامات فنية مهمة وكبيرة عايشت بدايات الفن السوري والتلفزيون والسينما السورية، والورشة كانت بمثابة الخطوة الأولى لطلاب كثر كي يقولوا: بلى، نحن فنانون صغار عمراً، ولكن ربما نترك غداً بصمة في عالم الفن مثل الكثير من أساتذتنا الذين لمعت أسماؤهم في عالم الفن التشكيلي وغيره من الفنون، فاليوم كرمنا كبار المبدعين في عالم الفن، وقد يأتي يوم نكرم فيه نحن الطلاب على عطائاتنا، فلكلّ دوره ونحن نكرم القامات التي تدعمنا وتهتم بنا. حاولت كفتاة سورية أن أعمل بكل ما توافر بين يدي من إمكانات كي أقول إننا قادرون رغم كل شيء على أن نبدع ونقدم فناً جميلاً وراقياً، فهذه الورشة كانت فكرة وكثر دعموني فيها وساعدوني، خاصة الأستاذ محمد العلبي، مؤكدة على أهمية الشخصيات المرسومة على اللوحة الجدارية والتي اختيرت من حقب وأزمنة متعددة، مثل الكبير الراحل نهاد قلعي، وصلحي الوادي، ونضال سيجري، ومحمد رافع، وسليم كلاس، وحيدر يازجي… وهذه اللوحة ستظل معلّقة في دار الأوبرا كي لإبراز جزء صغير من تاريخ سورية عبر لوحة تختصر سنين طويلة، علماً أن اللوحات ذات أساليب متنوعة وجديدة وتقنيات مختلفة.
الدكتور في كلية الفنون الجميلة سائد سلوم يرى «أن أي موضوع في الفن التشكيلي يعكس حالة خاصة متمثلة لدى الجميع، لذا نرى أن المواضيع تكررت عبر التاريخ من خلال فنانين كثر، وكل فنان تناولها بطريقته وأسلوبه الخاص». إن البورتريه يمثل النافذة الكبرى لجميع التعابير الداخلية الكامنة والتي يمكن قراءتها في الشخص وللغوص في أغواره». وأشار سلوم إلى أن الطلاب المشاركين هم أساساً من الطلاب المتفوقين واستخدموا في عملهم الأدوات الزيتية والأكرليك وطرائق حديثة في التشكيل تنتمي إلى مدارس فنية متعددة.
رئيس قسم السينوغرافيا في المعهد العالي للفنون المسرحية، الفنان التشكيلي نزار ابراهيم، اعتبر أن لهذه الورش دوراً مهماً في التطبيق العملي للطلاب، إذ تغني تجاربهم وتقدم الواقع كما هو، والورشة هذه ربطت الفن التشكيلي بالفن الدرامي من خلال رسم طلاب الفنون الجميلة لفناني الدراما.
سارة العقاد، إحدى الطالبات المشاركات في العمل، تشير إلى آلية المشاركة في العمل وتقول لـ«البناء»: لقد بدأ الإعلان عن ورشة العمل على فيسبوك وتمّت القرعة لاختيار الفنان، ومن حسن حظي أني رسمت الفنانة الكبيرة أنطوانيت نجيب التي حضرت المعرض وتحدثت عن أهمية الورشة وشكرتنا على جهودنا». كما شاركت سارة أيضاً في اللوحة الجدارية التي ضمت عدداً من الفنانين الكبار، منوّهة بأجواء التعاون الكبير بين الطلاب ودار الأسد للثقافة، إضافة الى الدعم الكبير الذي قدمه الأستاذ محمد العلبي لإتمام المعرض بشكله النهائي، ومردفة: «استخدمت تقنيات جديدة ومختلفة مثل تقنية الكولاج، اضافة الى الرسم الزيتي والفحم، ورغم التعب إلاّ أننا كنا مصممين على تقديم عمل فني يرقى إلى مستوى عظمة هؤلاء الفنانين الكبار، وهذا التكريم بمثابة اعتراف بموهبتنا وجهدنا، فالمعرض ضاعف ثقتنا بأنفسنا وببلدنا وثمة ورش عمل مقبلة ستحمل أفكاراً جديدة وقيّمة أيضاً، فلكلّ منا موقعه وطريقته ويستطيع أن يقدم إلى وطنه، فالجندي يدافع عن بلده على طريقته، ويعبّر الرسام بريشته وألوانه عن انتمائه إلى وطنه وحبه له، كذلك الممثل والكاتب والشاعر».