صراع «الميادين ـ الجزيرة»… على حساب مَن؟

خالد العبّود

أمين سرّ مجلس الشعب السوري

يبدو جليّاً وواضحاً أنّ هناك «صراعاً» حادّاً وساخناً بين فضائية «الميادين» ومؤسسة «الجزيرة» القطرية، وهو «صراع» يمكن فهمه جيّداً، خاصة إذا ما تلمّسنا ظروف تشكل منبر «الميادين» وشروطه، والانزياح الخطير في الدور الذي لعبته «الجزيرة»، إضافة إلى فهم دقيق لآلية نهوض «الميادين» ومحاولة القائمين عليها تعبئة «الفراغ» الذي بدا واضحاً في مشهد الإعلام العربي، لأنّ اصطفافاً شديداً وخطيراً كان ينمو على حساب مشهد يذهب بعيداً بمستقبل الأمة كلّها…

هذا كلّه يمكن أن يكون مفهوماً، ويمكن أن يكون مشاهداً ومتابعاً، غير أنّ لحظة المواجهة تلك وصيرورة «الصراع» ذاته أخذت «الميادين» بعيداً للوقوع في مطبّ تفاصيل «المواجهة»، باعتبار أنّ ثمة عناوين جديدة ظهرت في حيثيات «الصراع والمواجهة» معاً!

شكلت «الجزيرة» منذ «ربيعها العربي» نسقاً ثقافياً وإعلامياً عربياً اتكأت إليه، لتصريف وتسليك وتسويق جملة الأفكار الرئيسية لمشروع إعادة إنتاج المنطقة، فأعدّت وأحضرت قامات عربية، سياسية ثقافية اقتصادية اجتماعية، قادرة على جذب الوجدان الجمعي لدى الجمهور العربي، في اتجاه إيجابية الحالة الافتراضية، أو الناتج الافتراضي، لمشروع إعادة إنتاج المنطقة وبعض أجزاء العالم العربي.

بالغت «الجزيرة» كثيراً، مثلما بالغت «أخواتها» في اللعبة القذرة والاصطفاف الحادّ، إذ ظهّرت مجموعات هائلة من الوجوه الجديدة والقديمة من خلال قوة مال كانت رئيسية في ترسيخ الخطاب ذاته، وأساسية في إغراق اللحظة بكمّ هائل من الانزياحات المعرفية التي نشأت خدمة لفكرة المشروع، بعيداً عن حالة معرفية متزنة أو حقيقية.

كان ذلك واضحاً على مستويات عديدة، وخرائط متنوّعة، فقد حصل ذلك على مستوى كامل الجغرافيا العربية، ذات «الربيع العربي»، وكان واضحاً أنّ المطلوب حالة جديدة من المعرفة التي تقودها اللحظة المثيرة والأسماء الآسرة…

في المشهد السوري تمّ الاعتماد على بعض الأسماء السورية المعروفة التي كانت تؤسّس لمرحلة مهمة من مراحل العدوان وتشكل نسقاً مثيراً ومفيداً في مشروعه، وتمّ الاعتماد في هذه الحيثية بدءاً على شخصية كانت تشكل ركناً مهماً في جغرافية «الحراك» السوري، باعتباره بدأ من الجنوب، فكان لا بدّ من شخصية «جنوبية»، وكان هيثم عودات جاهزاً للقيام بهذا الدور، فدُفع كي يتصدّر سائر تقارير «الجزيرة»، جامعاً وحاشداً إمكاناته كلّها في سبيل تسخين المشهد وأخذه في اتجاه عنوان واضح ومحدّد… «الثورة»!

هيثم عودات أوّل من تحدث عن «ثورة» بدفع من «الجزيرة» وبعض رموز أروقتها، وأول من سُوّق كمُنَظّر لها بدفع من سلاطين المال في «جمهورية الجزيرة». غير أنّ «كاريزما» العودات وحضوره البارد، لم تتوافق مع سخونة المشهد المطلوبة، ولم تكن قادرة هذه الإطلالة المتلكّئة والجافة والمتردّدة على تغذية اللحظة الصاعدة في طبيعة العدوان وفي تفاصيل «صيرورة» المشهد، خاصة أنّ اللحظة ذاتها كانت أوجدت أسماء أخرى قادرة على الإضافة والفائدة، في هذين المعنى السياق، وهي أسماء أكثر إغراءً وإقناعاً، دُفع بها في هذا الاتجاه كي يستبدل العودات بزميله برهان غليون الذي رشّحه عزمي بشارة باعتباره الأقدر على قيادة المشهد، لاعتبارات عديدة أهمها: أنّ «الحراك» لم يعد جنوبيّاً فحسب!

«الميادين» التقطت بعد نهوضها هذا المعنى، وفهمت أنّ «الجزيرة» استطاعت أن تشكل رافعة هجوم على المشهد السوري من خلال مجموعة أسماء عُوّل عليها على قدرتها على تسويق بعض الأفكار المهمة، خدمة لمشروع العدوان، فانزاحت في اتجاه المعنى ذاته لمواجهة «الجزيرة» ولجمها وإلحاق الهزيمة بها، ولعلها نجحت كثيراً في هذه الحيثية، لكنها بدلا من أن تؤسّس لدور مخالف يقوم على حقائق موضوعية تحكم طبيعة «الصراع» في رئيسياته، انزلقت نحو محاكاة «الجزيرة وأخواتها» بالعناوين ذاتها التي تحكم «الصراع» الجزئي بينهما! ما دفع «الميادين» إلى اعتبار أنّ رافعة «الجزيرة» المعرفية والسياسية ليست وحيدة في التعبير عن حقيقة ما يحصل في سورية، فجاءت ثانية بهيثم عودات وبعض الوجوه الأخرى، على اعتبار أنّ هناك طرفاً أو وجوهاً أخرى يمكنها أن تفسد على «الجزيرة» تقديمها طبيعة الحاصل في سورية.

إنّ المبالغة في التظهير الذي تمارسه «الميادين» لبعض الأسماء المحمولة على المشهد السوري، وليست الحاملة له، وعلى اعتبار أنها أطراف رئيسية في المشهد السوري يسعها أن تكون بديلة لتلك الأسماء التي تهالكت على «الجزيرة وأخواتها»، يسيء إلى حقيقة الواقع في سورية، والفخّ الذي ذهبت إليه يغرقها في «صراع» جزئي مع «الجزيرة» ويوقعها في مطبّ الدور عينه الذي لعبته هذه الأخيرة، وربما بمعنى آخر أو شكل مختلف، في حين أنّ المشهد السوري بتفاصيله كافة ومراكز فعله وثقل صراعه الرئيسي، هو في مكان آخر مختلف تماماً!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى