سلام على تاء التأنيث وهي تستعيد ذاتها لذاتها…!
نصار إبراهيم
1 طوبى لك أيتها الأنثى، فأنت الأصل وقوة الحياة!
هل هي مجرد صدفة أن يكون يوم المرأة العالمي وعيد الأم في شهر آذار.. شهر استيقاظ الطبيعة ورمز الخلق.. بهاء الكون.. وبهاء الأرض.. وإزهار اللوز والرمان.. فيحتفل العالم بهذه المناسبات بالطبل والزمر والورود الحمراء للمرأة وطنجرة أو شرشف طاولة أو بيجاما للأم، و كل عام وأنت بخير أيتها المرأة… كل عام وأنت بخير أيتها الأم! يا سلااااام، منتهى التقدير والاحترام! ولكن في واقع الحال لقد فقدت هذه الأيام والمناسبات معناها، فأصبحت نوعا من عادة أو ممارسة شكلية… ذلك لأننا نجعل من حياة المرأة وحياة الأم وعلى مدار 364 يوما جحيما، ثم نأتي في الثامن من آذار أو في 21 منه لنقول: كل عام وأنتن بخير… ولكن من أين سيأتي الخير يا ترى إذا لم نؤسّس له ونمارسه طيلة أيام العام؟
هذا يذكرني بغميضة أو موضة تاء التأنيث ت ،التي باتت تزيّن أحاديث وتقارير الكثير من المؤسسات والمنظمات النسوية والذكورية ودعاة حقوق المرأة ومساواتها بالرجل… وكأن المشكلة في اللغة أو في غياب تاء التأنيث المسكينة، وليس في بنى ومنظومات الاقتصاد والحقوق والثقافة والسياسة والأخلاق. فانتبهوا لتاء التأنيث جيدا وإلا…، ولحل هذه المشكلة عليكم إعادة الكلمة أو الجملة مرتين، مرة بالتذكير ومرة بالتأنيث… بل ومن فرط حساسيتي الجنسية الجندرية تجاه هذه المعضلة رحت اتشدد حتى النهاية/ فأقول مثلا: إن حقوق الحمار/ة، البغل/ة.. نعم هكذا والله!
ما أريد قوله إنّ المشكلة في الجوهر ليست في اللغة، بل فيما وراء اللغة، في منظومات الثقافة والسياسة والاقتصاد وعلاقات القوة التي تحكمها بما يناقض حقوق المرأة الطبيعية التي تعادل نصف الحقوق على وجه هذه الأرض ما دام هناك ذكور وإناث، وفي حال نجحت البشرية في النضال لتغيير علاقات القوة تلك وتحققت المساواة في الواقع فلن تبقى مثل هذه الحساسية اللغوية الجنسانية قائمة، المقصود المساواة الحقيقية وليست المساواة التي تعني مساواة الرجل في الظلم والسيطرة والقهر والاستغلال…
لا تزال المرأة، وفي مختلف بقاع العالم، وبالرغم من كلّ الشعارات والوعود والخطط تدفع الثمن الأكبر من حريتها وحقوقها وكرامتها، إنها تكابد وتقاوم، ومن حولها ألف دائرة للحصار والقهر والاستغلال، فيجري قتلها واغتصابها واستغلالها وتسليعها وتشييئها، حتى فقدت كرامتها وضاعت معالم شخصيتها وفرادتها وخصوصيتها.. فأصبحت وسيلة لإشباع غرائز الذكورة المنفلتة… لقد تحوّلت في عصر الاستهلاك إلى سلعة استهلاكية، إنها الوسيلة للترويج للسيارات والسجائر والمدافئ ومبيدات الحشرات ومساحيق التنظيف ومعاجين الأسنان والوجبات السريعة وأكاذيب التنحيف والشيخوخة ومايوهات البيكيني واصطياد الفئران والفلافل والبيتزا والفلفل الحار والحلو…و… و… فكلّ مغامر أو مقامر يحلم بالثروة ويريد الترويج لأكذوبة جديدة يبحث عن جسد المرأة فيهتك خصوصيته وقداسته لكي يبيع أكثر ليربح أكثر… كما أنّ المرأة هي وقود الحروب والاحتلالات واقتتال الطوائف والأديان والقبائل وصدام الحضارات والثقافات. يشعل مجتمع الرجال كمنظومة سائدة في كلّ المجالات النيران من حولها ويحاصرونها ثم يبدأون بالصراخ والتألم على آلامها… يطلقون شياطين الحروب والدمار والقهر وتجارة الدعارة وجهاد النكاح ثم يعقدون المؤتمرات للبكاء على ما تتعرّض له من ويلات… يرفعون راية الحرية والديمقراطية والمساواة! وحقوق الإنسان وفي ذات اللحظة يكرّسون ويؤبّدون منظومات القهر والتمييز والاستغلال التي تعيد إنتاج استلاب المرأة وعبوديتها، ثم يقولون إنّ نصيبها في الناتج القومي 10 مثلاً، يحرمونها من فرص التعليم، ثم يقولون إنّ نسبة الأمية أعلى عند النساء، والأخطر في كلّ هذه العملية عندما تتحوّل إلى أحكام قيمية وراثية مطلقة، أيّ أنّ الأنثى هي هكذا لأنها أنثى.
إذن، المشكلة أكثر تعقيداً وهولاً من الرقص على مفردات اللغة ومن لعبة تاء التأنيث، إنها تعود وتستند إلى الديناميات والعلاقات المختلة بعمق عبر التاريخ الإنساني، التي تعيد إنتاج قهر المرأة واستلابها السياسي والاقتصادي والثقافي والجنسي والنفسي منذ قصة جدتنا حواء والتفاحة اللعينة ، تلك العلاقات التي هبطت بتاء التأنيث من مداراتها الطبيعية المقدسة والجميلة بذاتها وجعلتها تتوارى خجلاً من ذاتها ومن عقد النقص والعار التي زرعت قسرا فيها… حتى باتت المرأة ولا أقول الأنثى تشعر فعلاً بأنها بطبيعتها ناقصة، لقد احتلت الذكورة وعيها… ومنذ ذلك الوقت وهي تجاهد لإرضاء ذوق «أسيادها»، لقد أصبحت تنظر إلى ذاتها بعيون الرجل وليس بعيونها… وما دامت تدور في هذه الدائرة المفرغة فلن تكتشف ذاتها، ولن تعرف معنى الحرية الحقيقية أبداً.
ولكن… وبالرغم من كلّ هذا… فللمرأة، أينما كانت… في فلسطين، وفي سورية وفي العالم العربي، في آسيا، في أفريقيا، في أوروبا، في أميركا اللاتينية، في أميركا الشمالية وفي استراليا… التحية والاحترام وهي تكابد وتقاوم، تحضن الإنسانية وتتحمّل ويلاتها، تلد وتربّي وتبني وتحبّ وتعشق ولا تكره حتى من يضطهدها… وكأنّ لسان حالها يقول: أحبّوا حتى «أعداءكم»! فطوبى لك أيتها الأنثى، فأنت الأصل وقوة الحياة، والمجد والسلام والجمال لتاء التأنيث وهي تستعيد ذاتها لذاتها كما هي، وليس كما نريدها نحن معشر الذكور.
2 المرأة ليست نصف المجتمع!
أعترف أنّ أحد القضايا التي تستفزني في غالب الأحيان هي قضية مساواة المرأة، وخاصة عندما تجري مقاربتها على شكل مجاملة وشعارات ونفاق في المناسبات، وفي كثير من الأحيان بصورة ميكانيكية، من نوع أنّ «المرأة نصف المجتمع» أو أنها حامية «نارنا المقدسة»… و/أو…! بل وأكثر من ذلك… خاصة عندما يجاهد البعض وبصورة مضحكة في محاولة لإثبات أنّ المرأة تملك بنية جسدية أقوى من الرجل، وبإمكانها رفع الأثقال والعمل في المناجم، وخوض الحروب… كما لديها القدرة على تحمّل الألم أكثر… وهكذا… ما شاء الله!!
في الواقع قضايا المرأة وما يتعلق بها من أسئلة هي أعمق من ذلك بكثير، ولا أدري ما هو المقصود بالضبط بمقولة إنّ المرأة نصف المجتمع؟ فماذا لو أنّ عدد الذكور على المستوى الكوني مثلا كان 50.5 فهل يعني ذلك أنّ مسائل الحقوق ستحسم بالتصويت على قاعدة النصف +1 ، أو بالعكس، فأهلا بالحروب الأهلية الجنسية؟
ما أريد قوله إنّ المرأة ليست نصف المجتمع، نعم هكذا! ذلك ببساطة لأنّ المرأة كدور طبيعي واجتماعي هي كلّ المجتمع، كما أنّ الرجل كدور طبيعي واجتماعي هو أيضاً كلّ المجتمع، إذ يستحيل علمياً أن يوجد أيّ مجتمع بشري ويستمر بدون المرأة أو بدون الرجل؟ فما دام شرط وجود واستمرار المجتمع البشري هو وجود المرأة، إذن فإنّ وجودها بكلّ أبعاده النوعية والكمية والوظيفية والمعرفية هو شرط لوجود المجتمع ذاته من حيث المبدأ، وذات الشيء ينطبق على الرجل… وهكذا ينتفي المجتمع في غياب أحدهما، وبهذا المعنى فإنّ وجود المرأة أو وجود الرجل وهنا أقصد الأنثى والذكر هو معادل موضوعي لوجود المجتمع ذاته، فالمجتمع البشري ليس حاصل جمع كمّي للنساء والرجال، بل حاصل تفاعل وتكامل نوعي شامل لكلا الجنسين اللذين يشكلان بنية المجتمع التي لا يمكن تفكيكها مطلقاً إلا بنفي المجتمع كاملاً، إذن الأساس في المساواة هو أساس موضوعي وليس أساس إحصائي أو قانوني أو بيولوجي، فهو لا يرتبط من قريب أو بعيد بالقدرات العضلية للمرأة أو بقدراتها على تحمّل الألم أو القيام بذات الوظائف التي يقوم بها الرجل تماماً… أما إذا أصرّ البعض على ذلك فإني اقترح للقياس والحكم معياراً أكثر أهمية من معيار آلام الولادة، أو رفع الأثقال أو حجم الكتلة العضلية، أو عدد خلايا الدماغ!!! بحيث يجري اعتماده للبرهنة على قدرات المرأة، ألا هو قدرتها على تحمّل قرف الثقافة الذكورية منذ آلاف السنين!! قد تكون عاملات النحل على حق بالتخلص من الذكور بعد قيامهم بإنجاز وظيفتهم الإخصابية مع ملكة الخلية … أو ليقم الرجل مثلاً بذات الوظائف البيولوجية الطبيعية الخاصة بالمرأة كي يستحق هو أيضاً المساواة بها، أو ليبن مجتمعا من الذكور، أي بدون نساء، ليحاول… عجيب…؟
3 الأم كمقدّس… والمرأة كعقدة عار!
شهر آذار شهر الربيع واللوز، شهر المرأة، شهر الأم وشهر الكرامة… كما هو شهر شباط شهر الحب!
نقول القصائد في تقديس الأم، وهي بوظيفتها الطبيعية الإنسانية الخالدة تلك فعلاً مقدسة، وويل لمن يمسّ طرف ثوبها همساً أو لمساً… ولكننا ننسى أنّ الأم هي في الأصل أنثى بذاتها ولذاتها، وهو ما لا نتذكره عندما نقارب محاولاتها كإمرأة لتنتزع حقها في الحرية والحب والاختيار. نفصل بين الأم الأخت، الإبنة، الزوجة… والمرأة، فالأم مقدسة لأنها «أمي» وما أن تتخطى هذه العلاقة حتى تعود إلى دائرة المرأة… أي المرأة التي يجب أن تخضع وتستكين وترتجف أمام سطوة ذكورتنا وسلطتها المطلقة. وهي بهذا المعنى رمز «الشرف» شرف الذكورة، شرف الانصياع، شرف التملك، شرف التمتع، وشرف آلة التفريخ التي تواصل تجديد البشرية والحفاظ على النوع، ولكن ضمن أنساق ذكورتنا السياسية والثقافية والاجتماعية والقانونية والأخلاقية والنفسية والجنسية… وفي حال الجرأة على تخطيها فإنها تغادر دائرة المقدس وتهبط فورا إلى دائرة العار…
والغريب في هذه المعادلة أنّ المرأة لا تدخل دائرة «العار» تلك إلا مع شريك هو أحدنا نحن الذكور، وكأنّ المرأة هي المسؤولة وحدها فقط عن قصة «الشرف»المفتعلة تلك… إننا نشجعها نغريها نجبرها نجذبها ننصب لها ألف مصيدة ومصيدة… ثم… ثم نرفع صرخاتنا استنكارا للمرأة التي أهانت «شرفنا»… ولكن ماذا عن شرف الرجل بذاته ولذاته؟! هذه جدلية الطبيعة والمجتمع الإنساني ومنطق الرياضيات الصارم منذ الأزل، أي لا زائد بدون ناقص، ولا أبيض بدون أسود، ولا عبد بدون سيد، ولا قن بدون إقطاعي، ولا مقتول بدون قاتل، ولا مغتصَبة بدون مغتصِب بكسر الصاد ، كما لا وجود للفاعل بدون المفعول، وهكذا؟!
4 الذكر والأنثى… المرأة والرجل!
في شهادة الميلاد نسجل جنس المولود: ذكر أو أنثى… المفاهيم حيادية وهادئة كما براءة الطفولة… ولكن في الغرفة المجاورة، أي بعيدا عن الطفل/ة الذي أو التي ولد/ت قبل دقيقة… الطفل الذي لا يملك في عقله سوى ذاكرته أو خارطته الجينية الطبيعية البيضاء والنقية، تجري طقوس ومراسيم أخرى… تسأل إحداهن أو أحدهم شو جابت؟ لاحظوا صيغة السؤال: شو جابت هي ؟ وكأن ما جابته هو من ذاتها لوحدها،أي بدون شريك… سبحان الله الذي لا شريك له! تابعوا الطقوس جابت ! ولد، انتبهوا! لم يعد ذكراً لقد أصبح ولداً أو صبياً، فتنفرج الوجوه وتعلو الزغاريد… مبروك. أو جابت ! بنتا! أي لم تعد أنثى، لقد أصبحت بالمعنى الاجتماعي بنتا… همهمة وغمغمة ووجوم… الله بعوض!! خسارة كبرى تستدعي التمنيات لتعويض لتعويض ذلك فوراً… وممن؟ من الله ذاته… وكأنه أخطأ في هذه الإرسالية… ولذا يجب البدء بانتظار وتمني التعويض وبالبريد السريع لكي نتخطى المأساة!
تمضي الأيام والسنوات… وتبتعد المسافة ما بين مفهومي الذكر والأنثى… الولد والبنت… وتتراكم عملية التنميط وتقسيم الأدوار الاجتماعية، التي تشارك فيها وبلا رحمة كلّ منظومات القهر المتراكم عبر التاريخ، منظومات السياسة، الاقتصاد، الأخلاق، القانون، الأديان، الثقافة، العادات، والتقاليد… وهكذا يصبح ذات المخلوقين البريئين، أيّ الذكر والأنثى، في هذا السياق المعقد رجلا وامرأة… فعندما تقول لأحدهم أنت رجل… فهذا يعني تلقائياً الشهامة والقوة والسيطرة والعقلانية والحق والأخلاق والوفاء، أي الكمال… و… و… و… و… و، حتى ولو كان ذلك «الرجل» لصاً، حقيراً، كاذباً، منافقاً وجباناً، وكم يشعر الرجل بالإهانة حتى الجبان واللص عندما يقول له أحدهم: أنت إمرأة، وإذا أردت مديح إمرأة تقول: إنها رجالية أو أخت الرجال… ولو! ومن ذات المنطلق فأن تصف أحدهم بأنه إمرأة، فهذا يعني بأنه ضعيف،هش، عاطفي، لا عقلاني، أي ناقص ومختلّ «جسدياً وعقلياً»، ذلك لأنّ المرجعية في الحكم والتقييم لم تعد هي الأصل، أي الذكر بذاته والأنثى بذاتها، بل أصبحت المرجعية هي الذكورة المتمركزة على ذاتها، بقيمها وسطوتها ومعاييرها وقوانينها… وهذا بالضبط ما عبّرت عنه سيمون ديبوفوار في مقولتها الشهيرة منذ أربعينيات القرن الماضي «المرأة لا تولد إمرأة بل تصبح إمرأة».
هذه المقاربة هي بالضبط نفس المقاربة التي تتعامل على أساسها الدول الاستعمارية مع الدول المُستعمَرة، فهي متخلفة مقارنة بمرجعيات وقيم ومعايير الدول المُستعمِرة.
هذه العملية الخادعة.. تنسى أو تتناسى عن قصد جبان بديهة أزلية، وهي أنّ مفهوم الرجولة ما كان ليكون لولا نقطة الأصل أيّ ثنائية الذكر الأنثى كثنائية طبيعية تقوم على التوازن والمساواة المطلقة بين الذكر والأنثى والتي بدونها لا وجود للإنسانية، وهي الثنائية التي بدونها ما كان هناك أيّ إمكانية لظهور مفهوم الرجولة التي يتحدثون عنها. بكلمات أخرى، لقد ظهر أو اشتق مفهوم الرجولة من تشويه الثنائية الأصلية الذكر الأنثى ، فالذكورة تدين بوجودها لتلك الثنائية… تخيّلوا، مثلا، لو كان العالم كله ذكوراً…! فهل ستكون هناك أي إمكانية لظهور مفهوم الرجولة بكلّ غطرسته وغروره؟! خلاصة القول إنّ الذكر والأنثى هما دوران ووظيفتان وكيانان وكائنان متساويان بصورة مطلقة، فلا وجود لأحدهما بدون الآخر، والتمايز أو الاختلاف البيولوجي والنفسي والاجتماعي بينهما هو بحكم الوظيفة الطبيعية وليس بحكم الأفضلية ليس إلا.
5 المرأة… الأرض… الرمز!
يقول محمود درويش: «المرأة كائن بشري وليست وسيلة للتعبير عن أشياء أخرى. ف الوردة كائن جمالي من دون أن يرمز إلى جرح أو دم».
جميل أن نرتقي بكائن إلى مستوى الرمز، فنحن بذلك نرتقي به، وبصورة ما، إلى مستوى»المقدس»، وهذه عملية تعكس التقدير والانفعال الإيجابي… ولكنها، عندما تتخطى حدودها ووظيفتها الجمالية أو الاجتماعية تصبح عملية خطرة… فتبتعد بالتدريج عن الأصل، بحيث يصبح الرمز مقدساً بذاته، وفي لحظة معينة يرتدّ في عملية معاكسة ليناقض الأصل الأول. فجمال هذه العملية هي في كونها أولا تفاعلية، فالمرأة جميلة بذاتها، ومن جمالها نكشف بعضاً من جمال الأرض، والأرض جميلة بذاتها، ومن جمالها نكشف بعضا من جمال الأنثى.. وهذه في الواقع عملية استحضار أو إسقاط نفسي لكي نغطي مساحات فارغة في وعينا، أو لنستنهض قوة الفعل والمبادرة… هذا يذكرني بمقولة «الأدوية البديلة» في وصف الأعشاب الطبية، ففي حين أنّ معظم الأدوية الكيماوية المصنعة هي استخلاص من تلك الأعشاب الأصل ، إلا أنّ الأعشاب الطبيعية أصبحت فجأة هي «البديل» والتقليد هو الأصل. إذن، نحن لا نعشق المرأة لأنها تعويض عن الأرض، كما لا نرتمي في أحضان الأرض لأننا نتخيّلها إمرأة… إننا في الواقع نحب التقاطعات بينهما لا أكثر… فالمرأة هي المرأة والأرض هي الأرض ولكلّ منهما مداراته وأفلاكه وقواه الجاذبة والطاردة وقوة تأثيره التي لا تعويض ولا بدائل لها.
صفحة الكاتب:
https://www.facebook.com/pages/Nassar-Ibrahim/267544203407374