أربع سنوات من الحرب على سورية: ثنائية النور والظلام

عامر نعيم الياس

مع انقضاء سنواتٍ أربع من عمر الأزمة السورية، بدأ الإعلام يلجأ إلى التورية في الحديث عن سورية. فالإشارة إلى المآىسي في سورية لا تتسع لها صفحات المطبوعات الصادرة في العالم أجمع، حتى تلك المخصصة للحرب على سورية والتي لا تزال على كذبها وخداعها الرأي العام، نافخةً في أي مناسبة في هشيم النار السورية، ومحوّرةً أي تقرير لخدمة تسعير حرب تدمير سورية بشكل كلّي وتامّ.

ثنائة النور والظلام ورمزيتهما، مناسبة للتدليل على حجم المأساة السورية، هكذا رأى تقرير صادر عن تجمع «مع سورية» للمنظمات الحقوقية غير الحكومية المعنية بدعم المدنيين في مناطق النزاع، والذي يضمّ 130 منظمة. صورٌ ليلية بالأقمار الصناعية تمتدّ على مساحة 800 كيلومتر مربع في الأراضي السورية على محور دمشق حلب، وحلب دير الزور، وحوض الفرات، تشير إلى أنّ «83 في المئة من البلاد صارت تحت جنح الظلام»، نسبةٌ توصّل إليها الباحثون المشرفون على الدراسة في جامعة «يوهان» الصينية «مقارنةً مع آخر صور بالأقمار الصناعية ملتقطة للجمهورية العربية السورية في آذار 2011» أي تاريخ ما يسمّيه البعض «ثورة». فمنذ ذلك الوقت تراجع الضوء في سورية بنسبة 83 في المئة. وفي التفاصيل، فإنّ حلب التي سيطرت عليها التنظيمات المرتبطة بالأطلسي منذ عام 2012 تبلغ نسبة الظلام فيها 97 في المئة، فيما تبلغ في محافظة إدلب المحاذية للحدود مع تركيا 96 في المئة، نسبةٌ تنسحب هي الأخرى على محافظة الرقة التي تقع غالبية مناطقها تحت سيطرة تنظيم «داعش».

وتحاول الدراسة المدّعمة بصور الأقمار الصناعية الدخول في سياق اللعبة السياسية حول سورية، فتقول «إنّ انقطاع التيار الكهربائي يتركز أكثر في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام السوري والتي تتعرّض للقصف من قبله»، كما يجري في الرقة، لكنها تناقض نفسها حين تقول إنّ تدمير المباني والمناطق السكنية ليس هو السبب الوحيد لتفسير الظلام في سورية، بل إنّ النزوح الداخلي والهجرة الخارجية تفسّر جزءاً مما يجري «عشرة ملايين سورية نزحوا من مناطق تواجدهم منهم أربعة ملايين خارج البلاد»، فضلاً عن أنّ إطفاء الأنوار يعتبر بمثابة تكتيك «للتمويه في حالات الغارات الجوية» كتلك التي تقوم بها طائرات التحالف، وفقاً للتقرير، وعليه… فإنّ الدولة السورية لا تستهدف المناطق التي يتواجد فيها المعارضون لها على حساب المناطق الموالية لها أو الواقعة تحت سيطرتها، وهنا تقع الدراسة في مطبّ النسب حيث يتبيّن أنّ محافظتي حماة وحمص واللتان تقعان في غالبيتهما تحت سيطرة الدولة السورية تتجاوزان درعا من حيث انخفاض التغذية الكهربائية. إنّ نسبة الظلام في درعا «مهد الثورة» تبلغ 74 في المئة، فيما تبلغ في حماة وحمص اللتان أخضعتا من قبل النظام 87 في المئة.

أما دمشق، «حرم نظام الأسد» وفقاً للدراسة فإنّ التغطية الكهربائية تغيب عنها فقط بنسبة 33 في المئة، وذلك في محاولة لتشوية صورة الدولة السورية واتهامها بابتزاز سكان المحافظات الأخرى على حساب دمشق، إذ تتناسى الدراسة أنّ دمشق هي أكثر المحافظات هدوءاً منذ بدء الأزمة السورية، وقاطنوها لا يشكلون بيئة حاضنة لأيّ نشاط إرهابي، فضلاً عن أنّ الحماية العسكرية المؤمّنة للعاصمة، هي أمر طبيعي في أيّ دولة وله أرجحية على غيره من المحافظات، ما يجعل إمكانية تخريب المنشآت فيها أو السيطرة عليها من قبل المسلّحين أمراً أقلّ احتمالية من غيرها من المحافظات.

اللافت في الدراسة الموجهة أنها لم تشر إلى نسب انقطاع التيار الكهربائي في محافظتي طرطوس واللاذقية، لغاية في نفس «المنظمات الإنسانية غير الحكومية»، كما أنها لم تشر في سردها إلى أسباب تراجع النور في سورية 2011 عن سورية 2015 بنسبة 83 في المئة، إلى تخريب البنى التحتية، واستهداف محطات توليد وتحويل الطاقة الكهربائية من قبل المسلحين الموالين للغرب، ونسف خطوط نقل الغاز للمحطات، فضلاً عن الاستيلاء على حقول النفط والغاز في شمال وشرق سورية وتدميرها.

سورية بين تاريخين، أربع سنوات مرّت حملت معها شتى أنواع المآسي والتناقضات ربما يمكن تلخيصها في تضادّ النور والظلام.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى