لاستراتيجية قومية بمشاركة القطاع الخاص
نظام مارديني
استأثرت الصناعة السورية في مرحلة ما بعد الأزمة باهتمام أوساط سورية في الداخل والخارج، وهو أمر متوقع ومبرّر ما دام الجميع يبحثون في إعادة العصر الذهبي للصناعة السورية، بعد توافق السوريين على مستقبلهم، الذي لا بدّ أن يحدّد النهج الاقتصادي للبلاد.
كان الاستياء من التحولات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة منذ بداية الألفية الثانية، نتيجة طبيعية لسياسة اقتصاد السوق التي أرادها مهندسو الاقتصاد السوري علاجاً لمرحلة الركود في بداية الألفية الجديدة، وقد تأثرت قطاعات الإنتاج الحقيقي سلباً بالسياسات الانفتاحية المتسرّعة، فحوصرت الصناعة السورية في عقر دارها، وعانت انفتاحاً متسرعاً قبل تمكنها من استيعاب متطلبات المشاركة في الاقتصاد الدولي المعولم، وتطوير هياكلها الإنتاجية والإدارية والتسويقية، فغدت الأسواق السورية مرتعاً للسلع الآتية من كلّ حدب وصوب، وخصوصاً السلع التركية والخليجية والصينية. وقد سعى مهندسو الاقتصاد آنذاك إلى الاندماج في التجمعات الإقليمية والدولية، رغم تواضع قدرة الصناعة السورية بقطاعيها العام والخاص على مجاراة هذا الانفتاح، فتراجعت نسبة مساهمة الصناعة التحويلية في الناتج المحلي الإجمالي من 11 في المئة في عام 2002 إلى 7 في المئة في عام 2010. وعانى الصناعيون منافسة غير عادلة من السلع المدعومة الواردة من منطقة التجارة الحرّة العربية، وأحجمت المصارف الخاصّة والحكومية عن تحفيز الصناعيين، إذ كان التشجيع منصبّاً على المشاريع العقارية والسياحية، وتمويل صفقات كبار التجار.
وشكّلت معاهدة التبادل التجاري الحرّ مع تركيا عام 2009 هلعاً نفسياً لكلّ صناعات القطاع الخاص في سورية، حيث كانت حظوظ المنافسة ضئيلة لأنّ تركيا تدعم صناعاتها عكس سورية.
ومع أنّ الاتفاقية ألغت الرسوم الجمركية على الصناعات التركية المنشأ التي تدخل السوق السورية، لكنّ ضريبةً تراوحت بين 40 إلى 43 في المئة، غايتها بناء مساكن للفقراء في تركيا، بقيت تلازم الصادرات الغذائية السورية إلى السوق التركية، رغم أنف المعاهدة، في وقت كانت كلّ البضائع التركية تدخل السوق السورية من دون أي رسوم جمركية.
بعد 2009، عام العسل السوري التركي، تضرّرت نحو 2000 ورشة للصناعات النسيجية والألبسة الجاهزة في سورية والتي يعمل في كلّ واحدةٍ منها نحو 20 عاملاً، ما أدّى إلى خروج ما بين 25 إلى 30 ألف عامل من سوق العمل.
وقد واصلت صادرات الصناعة السورية تراجعها بنسبة بلغت نحو 95 في المئة خلال الفترة الممتدة بين الربع الأول من عام 2011 والربع الأول من عام 2013.
وللدلالة، فإنّ حركة الطلب في السوق السورية في الثمانينات، كانت أكبر بكثير من حركة العرض، ورغم أنّ الاقتصاد كان موجّهاً ورغم أزمة توافر القطع الأجنبي، إلا أنّ الصناعة السورية كانت تعيش عصرها الذهبي، وكانت أرباحها تتعدّى 125 في المئة.
ودلت تقديرات هيئة الاستثمار السورية بين عامي 2011 و2012 على أنّ حجم استثمارات السوريين في الخارج قاربت 140 مليار دولار وقد جاءت أرقام مؤسسة الشفافية العالمية وهيئة النقد الأوروبية أقل بنحو 40 مليار دولار عن رقم الهيئة .
ويدرك المراقبون أنّ سورية واجهت أزمتها الداخلية المركبة بهياكل اقتصادية منهكة وقطاع عام صناعي وخدمي ضعيف ومتخلف بعد محاولات حثيثة لخصخصته، فتوقف العديد من المصانع والمعامل والورش الخاصة، وفرض حصاراً اقتصادياً أدى إلى فقدان مستلزمات إنتاج الصناعات السورية من غذاء ودواء.
لذلك فإنّ سورية تحتاج إلى التركيز على أمور عدّة من أجل تحقيق نهج اقتصادي جديد، تقوده الدولة بمشاركة القطاع الخاص المنتج والرساميل الوطنية، وأبرزها:
– دعم وتحديث صناعتها الوطنية وتقديم ما يلزم من تسهيلات كي تصبح هذه الصناعة فعلاً لا قولاً قاطرة التنمية في البلاد.
– ضمان الأمن الغذائي في البلاد عن طريق الدعم الدائم لقطاع الزراعة ومنح التسهيلات لمشاركة القطاع الخاص في إقامة المشاريع الصناعية ـ الزراعية في المحافظات الشرقية.
– الحفاظ على ملكية الدولة وإدارتها للمرافق الحيوية والاستراتيجية.