نفاق الحزب الاشتراكي الفرنسي…هولاند ورفاقه نموذجاً
د. وفيق ابراهيم
استقبال الرئيس الفرنسي هولاند أربعة صحافيين فرنسيين كانوا مختطفين في سورية لأكثر من عام ونصف عام كشف آخر ما تبقى من قيم وحريات واستقلالية في فرنسا التي كانت بلاد النور والثقافة. وللإضاءة تكفي مشاهدة هولاند مستقبلاً المختطفين وهو يقبلهم بشغف كبير، مندفعاً نحو منصة، متهماً عبرها النظام السوري باستخدام السلاح الكيماوي، ومؤكداً امتلاكه أدلة موثوقة على هذا الاتهام! وتنبثق جملة تساؤلات حول توقيت إطلاق هذا التصريح في غير مكانه وزمانه وما هي أهدافه ومراميه. يأتي الجواب من محطة التلفزيون الفرنسية والغربية نفسها التي اعترفت بأن منظمات تكفيرية اختطفت الصحافيين على مقربة من الحدود التركية مع سورية، ولم تطلق سراحهم إلا بعد وصول الاشتباكات بين فصائل التكفيريين في ما بينها إلى مشارف مكان الاحتجاز. فارتؤي إطلاق سراحهم وتسليمهم إلى السلطات التركية التي نقلتهم إلى فرنسا من دون أي تعليق.
فهل نسي هولاند ووزيره اليهودي فابوس تحديد الخاطفين وهوياتهم؟ ولماذا تجاهل إدانتهم؟ وهل خانته الذاكرة فنسي أسماء التنظيمات ومرجعياتها والمرتكبة.
إن مسارعته إلى تغيير الموضوع والحديث عن الكيماوي لا يندرج إلاّ في إطار التعمية على موضوع الاختطاف والتستر على الجهات الممولة والحليفة، وهي على التوالي: تركيا بلد الرعاية والتغطية والحدود، والسعودية وقطر للتمويل، وفرنسا وأميركا لتأمين الحلف الدولي، والسلاح من شرق أوروبا وليبيا والإعلام الفتنوي.
انطلاقاً من هنا نفهم حركة هولاند التي لا هدف لها إلاّ تغطيته حلفائه الإرهابيين أي الخاطفين الفعليين، لكن الاكتفاء بهذا القدر من التحليل لا يستكمل شروط الموضوعية… فهولاند يعكس تياراً فرنسياً ارتضى التخلي عن استقلالية بلاده، منخرطاً في إطار الحلف الأطلسي الناتو كرأس حربة له، وبدأ هذا الخط مع الرئيس السابق فرنسوا ميتران الصديق الحميم لـ»إسرائيل» واليهودي المنبت. افتتح هذا الرئيس أول كوة في جدار العلاقات بين المحافظين الجدد في أميركا والحزب الاشتراكي ذي الأصول اليهودية بدوره، وميتران هو أول فرنسي يبيع عظمة فرنسا ورئيسها شارل ديغول، مسجلاً تقارباً مع الناتو من ناحية واليمين الأميركي المحافظ من ناحية ثانية.
استمر هذا الخط حتى حطّ رحاله مع المهرّج هولاند الذي يريد سرقة دور عالمي لفرنسا لا يعكس إمكاناتها بالنفاق والتهريج وموالاة الأميركيين. فلم يتوقف منذ توليه رئاسة فرنسا عن الدعوة إلى الاحتراب وتنظيم الحملات العسكرية في مالي وأفريقيا الوسطى وليبيا، محرضاً واشنطن أيضاً على قصف إيران وسورية.
لذلك ينطبق على حزبه الاشتراكي ما سبق أن قاله الرئيس السابق للاتحاد السوفياتي نيكيتا خروتشوف عن بريطانيا مجيباً عن سؤال بقوله: «أفضّل ألف مرة أن أكون في حزب المحافظين على أن أكون في حزب العمال البريطاني، لأن الأول أمين على مصالح طبقته، فيما يخون الثاني مصالح طبقته ألف مرة يومياً».
فكم مرة يخون الحزب الاشتراكي الفرنسي مصالح طبقته وسياسات بلاده؟! وهل تستطيع الدول أن تخلق أدواراً عالمية لها بإمكانات غيرها أو بمجرد النفاق والخداع!
إذا كانت الثورة الفرنسية في أوائل القرن التاسع عشر هي أول حركة ديمقراطية وحرة في التاريخ الأوروبي، فكيف نستطيع اعتبار المرحلة الحالية امتداداً لها؟ وكيف تبرز فرنسا عاصمة الإخاء والمساواة والحرية تأييدها لأنظمة ديكتاتورية متخلفة في السعودية وقطر واستعمارية في «إسرائيل». وتسعى إلى إسقاط نظام سوري هو الأفضل وطنياً وسياسياً في المشرق العربي.. إنها المصالح التي أبادت عصر الأخلاق والقيم وأردتها، لكن شعوبنا قادرة على مجابهة الظلاميين العرب والأوروبيين والأجانب، بإرادة تاريخية طردت جميع أنواع المستعمرين منذ ألوف السنين ولمّا تزل.