هَل أخلت أميركا الساحة اللبنانية لخصومها؟
محمد حمية
في خطوة مفاجئة قرّرت الولايات المتحدة الأميركية، نهاية الأسبوع الماضي، إنهاء خدمات سفيرها في بيروت دايفيد هِلْ.
هذا التطور الديبلوماسي لاقى استغراباً لدى الأوساط السياسية والديبلوماسية في لبنان وترك غموضاً وأسباباً مجهولة، لكن مصادر أفادت بأنّ الرئيس الأميركي باراك أوباما رشح هِلْ لشغل منصب سفير الولايات المتحدة الجديد في باكستان ليحلّ مكان السفير الأميركي المنتهية ولايته في إسلام آباد ريتشارد أولسون، الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2012.
وبحسب المعلومات فقد تقرّر أن يُسمّى الملحق السياسي الموجود حالياً في سفارة بيروت قائماً بأعمال السفارة لحين تعيين سفير جديد مكانه، ولكن هل فعلاً ستسمي الولايات المتحدة سفيراً جديداً لها في لبنان لا سيما في ظل الشغور في سدة الرئاسة الأولى؟
تنص المادة 53 من الدستور على أن رئيس الجمهورية هو الذي يعتمد السفراء ويقبل اعتمادهم ويتولى المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالإتفاق مع رئيس الحكومة. ما يعني أن عدم انتخاب رئيس جديد للبنان، سيمنع الحكومة الاميركية من تسمية سفير جديد في لبنان في الفترة الراهنة.
من المؤكد أن الولايات المتحدة تعرف أن تعيين سفير جديد لها في لبنان يقترن بانتخاب رئيس جديدٍ للجمهورية، لكن ما هي الأسباب التي دفعتها لسحب هِلْ من بيروت رغم معرفتها استحالة تعيين بديل له؟
سبق هذه الخطوة تصريح للسفير هِلْ وصف بالناري والمفاجئ، حيث شن حملة على حزب الله، معتبراً أن الضرر على الاستقرار اللبناني الناجم عن انتهاك حزب الله لسياسة النأي بالنفس لا يزال مستمراً وانتهاك المعايير الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي، معتبراً أن الحزب لا يزال يتخذ قرارات الحياة والموت نيابة عن كل لبنان فلا يشاور أحداً، ولا يخضع لمساءلة أي لبناني، ويرتبط بقوى خارجية، فهل يكون تصريح هِلْ تم من دون التنسيق مع وزارة خارجية بلاده فأدى إلى سحبه أم هي خطوة منسقة مسبقاً؟
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى ان التقرير السنوي لوكالة الاستخبارات القومية الأميركية الذي نشر أول من أمس أسقط إيران وحزب الله من قائمة التهديدات الإرهابية للولايات المتحدة، مشيراً إلى أن سبب حذف إيران هو جهودها في محاربة تنظيم «داعش».
كما تزامنت هذه الخطوة الأميركية مع تصريح وزير الخارجية جون كيري حول ضرورة التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد لإنهاء الأزمة السورية.
فهل يكون سحب السفير هِلْ خطوة في إطار ترتيبات الاتفاق النووي بين أميركا وايران الذي ينتظر اللمسات الأخيرة للتوقيع النهائي؟
وهل يعني سحب هِلْ من بيروت إنسحاب الولايات المتحدة من المشهد السياسي اللبناني، وإخلاءه لحزب الله وحلفاء إيران لفرض شروطهم السياسية على حلفاء أميركا، لا سيما أن السفير هِلْ أكد أمام أصدقائه اللبنانيين، عدم وجود استراتيجية أميركية واضحة للملف اللبناني؟
بإنهاء عمل سفيرها في لبنان تكون الولايات المتحدة قد أنهت وختمت عهداً من الوصاية التي مارستها في الحياة السياسية في لبنان عبر دعم فريق الرابع عشر من آذار ضد فريق آخر لا سيما أن هذه الخطوة تزامنت مع ذكرى تأسيس حركة 14 آذار التي استغلت لإحداث انقلاب سياسي في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط عام 2005، فها هو السفير هِلْ يودع لبنان و14 آذار معاً تاركاً فقط الذكريات بين جدران السفارة في عوكر مصنع الثورة المزعومة علّ قوى 14 آذار تستهوي يوماً ما البكاء على الاطلال!
وتجدر الإشارة، أخيراً، إلى أن فرنسا أيضاً قررت انهاء خدمات سفيرها في بيروت باتريك باولي.